لمناسبة إقتران أكبر مناسبتين متعارضتين

القمة العربية بين مطرقة"صفقة القرن" وسندان "مليونية الأرض والعودة"

القمة العربية بين مطرقة
السبت ٣٠ مارس ٢٠١٩ - ١٠:٢٥ بتوقيت غرينتش

أحيا الفلسطينيون اليوم السبت الذكرى السنوية الأولى لانطلاق “مسيرات العودة” على طول حدود قطاع غزة مع كيان الإحتلال الإسرائيلي بتظاهرات حاشدة، بعد أيام قليلة من إعتداءات عسكرية جديدة لكيان الإحتلال على القطاع، حيث قابلته فصائل المقاومة الفلسطينية بإطلاق صواريخ، طال أحدها تل أبيب، ما دفع كيان الإحتلال لمواصلة عدوانه بقصف وغارات جنونية على القطاع، قبل أن يلجأ لمصر التي سارعت لتهدئة الموقف.

العالم- تقارير

وقد بدأ الفلسطينيون مسيرة "مليونية الأرض والعودة" سعيا منهم لكسر الحصار المفروض على القطاع منذ اكثر من عشرة أعوام، في وقت كانت فيه دبابات ومجنزرات ومدفعية كيان الإحتلال تصطف أمامهم على الجانب الآخر من الحدود، فيما تنهمك العاصمة التونسية بالتحضير لإفتتاح القمة الثلاثين يوم غد الأحد.

قمة ظاهرها امراء وملوك عرب من المفروض أن يعملوا على لملمة جراح الأمة العربية، وحلحلة أزماتها، لكنها لاتخدم سوى سياسات سمسار البيت الأبيض وكيان الإحتلال.

قمة مضطرة لتمرير صفقة القرن، والرقي بمستوى تطبيع العلاقات مع كيان الإحتلال الى العلن، مهما كلف الأمر.

ويرى المراقبون ان مليونية الأرض والعودة التي أطلقها الفلسطينيون منذ الساعات الأولى من صباح اليوم السبت بإضراب شامل في كل الأراضي الفلسطينية المحتلة، ونزول جماهيري الى شوارع القطاع، تعد الفارق الأكبر بين الشعوب العربية والجامعة التي تخلت عن عروبتها وأصبحت "عبرية" بإمتياز.

ولاغرابة من ذلك، إذ أن الجامعة العربية التي تأسست عام 1945 من قبل سوريا والعراق ومصر والجزائر، كان هدفها الأول التصدي لأي عدوان يستهدف أي بلد عربي، كي لاتتكرر الكرة، كما حدث من إحتلال صهيوني لفلسطين، وتقف كل الدول العربية الذي يجمعها هذا التكتل، صفا واحدا للدفاع عن أي بلد عربي قد يتعرض لهجوم من قبل أي طرف اجنبي.

لكن تخاذل بعض الحكام العرب وعلى رأسهم الملك عبدالعزيز آل سعود الذي أودع وثيقته في الأمم المتحدة بمنحه فلسطين لليهود، قاد كيان الإحتلال ليخوض أربعة حروب مع دول الجوار العربي لفلسطين المحتلة، كان آخرها في حزيران عام 1967 حيث احتل خلالها الضفة الغربية ومساحات واسعة من القطاع.

وما أن إتسع نطاق رقعة الحرب، حتى إستصدر الرعاة الأمريكيين والبريطانيين لكيان الإحتلال قرارا من مجلس الأمن بضرورة وقف اطلاق النار، والعودة الى حدود ما قبل نشوب الحرب.

وعندها بارك المهادنين من الحكام العرب، الهدنة وراحوا يبنون عليها قرارات في قمة جمعتهم في العاصمة السودانية الخرطوم في نفس العام، حيث كان قوامها صدور لاءات ثلاثة، عرفت حينذاك بالـ "لاءات الثلاثة" أي لاللسلام مع كيان الإحتلال، ولا للتفاوض معه ولا للتطبيع مع الكيان المحتل.

اما الحكام العرب المهادنين إنقسموا الى قسمين في حينها، فمنهم من عملا جهرا في التعايش مع كيان الإحتلال مثل ملك المغرب الحسن الثاني، ومنهم من ظل يلهث وراء التطبيع كالنظام السعودي من خلف الستار، حتى جاءت قمة فاس عام 1982 لتتبنى عمليا فكرة السلام والتعايش في المنطقة حتى لو كان مع كيان الإحتلال الاسرائيلي.

ومع مضي الوقت تبلورت قرارات الجامعة العربية حول القبول بواقع عام 1967 الامر الذي مهد لكيان الإحتلال الضغط أكثر على الأنظمة العربية لتكون قمة تنازلاتها في تقديم ما عرف فيما بعد بـ "المبادرة العربية" عام 2002 ومن جانب ولي العهد السعودي آنذاك عبدالله بن عبد العزيز.

اما اليوم وبعد أن إستلم المتطرفون المتصهينون البيت الأبيض، تسارعت خطى التهويد داخل وخارج فلسطين المحتلة، حيث وهب سمسار البيت الأبيض القدس التي صنفتها الأمم المتحدة مدينة دولية، ويجب ان تكون حرة طليقة للأديان السماوية الثلاثة، سلمها ترامب بالكامل للصهاينة لتكون عاصمة موحدة لكيان الإحتلال، وسارع لنقل سفارة امريكا من تل أبيب اليها وحث الدول الحليفة لواشنطن على المضي قدما على نفس الخطوات.

ومما ساعد ترامب على هذا العمل الشنيع صمت تخاذل الحكام العرب وإكتفاءهم بالتنديد والشجب دون إتخاذ اي خطوة عملية، ما حمل ترامب على التعدي على السيادة السورية، ليقتطع منها الجولان المحتلة ويهبها خالصة للسيادة "الإسرائيلية".

وتأتي "مليونية الأرض والعودة" التي نظمها الفلسطينيون صباح اليوم، بمثابة احتجاج شعبي يمثل إرادة كل الشعوب العربية والإسلامية في إبقاء القدس عاصمة ابدية لفلسطين، ومدينة حرة للأديان السماوية الثلاثة، بكل مقدساتها وتاريخها العريق، وتنديدا بالمخططات المشبوهة التي تمررها الولايات المتحدة الأمريكية عبر أتفه مؤسساتها "الجامعة العبرية"، لتبتلع الثروات العربية، تارة تحت عنوان مساعدات امريكية في إيصال الدول العربية "المتخلفة" إلى المستوى العصري للتقنية والتطور، وتارة تحت عنوان التعاون الإقتصادي عبر إتفاقيات صورية مثل "صفقة القرن" التي لا تبقي أي حضارة، ولا ثقافة ولا اقتصاد للعرب ودولهم، بل سيصبحوا عمالا أذلاء، تحت وصاية سادة صهيو امريكيين، يقتاتون على ما يتم تقديمه لهم بين الحين والآخر من فتاة.

ويؤكد المراقبون ان "مليونية الأرض والعودة"، هي التي ستكون الفاصل الأكبر بين فرض قرارات الحكام المتخاذلين على الواقع العربي، بفضل نزول الشعوب الى الساحة، مع الإحتفاظ بالوعي الكافي كي لايتمكن العملاء من الإلتفاف على هذه الصحوة الشعوبية كما حدث لمثيلتها السابقة والتي اجهضت بالقرارات الأمريكية التي عمل على تطبيقها العملاء من بقاء الأنظمة الفاسدة. والأيام بيننا.

عبدالهادي الضيغمي