عطوان: ماذا يعني القرار الإيراني بوضع القوات الأميركية على قائمة الإرهاب؟

عطوان: ماذا يعني القرار الإيراني بوضع القوات الأميركية على قائمة الإرهاب؟
الثلاثاء ٠٩ أبريل ٢٠١٩ - ٠٤:٠٩ بتوقيت غرينتش

لا يمكن النظر إلى القرار الأميركي بإدراج الحرس الثوري الإيراني على لائحة الإرهاب بعيداً عن التصعيد الأميركي على كافة الصعد ضد إيران، مع اقتراب موعد تطبيق المرحلة الثانية من العقوبات الأميركية مطلع شهر آيار (مايو) المقبل لمنع أي صادرات نفطية إيرانية إلى الخارج، ولا نستبعد أن تكون الخطوة الاستفزازية هذه أحد فصول الخطة الأميركية الإسرائيلية وشيكة التنفيذ بعد هذا التاريخ.

العالم - مقالات وتحلیلات

إن هذا القرار ليس أميركيا وإنما هو قرار إسرائيلي بالدرجة الأولى فضحه بكل وضوع بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، عندما وجه الشكر لـ"صديقه" ترامب الذي استجاب لطلبه في هذا الخصوص.

الرد الإيراني جاء سريعاً وعلى أعلى المستويات ابتداءً من السيد علي خامنئي، المرشد الأعلى، مروراً بوزير الخارجية المعتدل، محمد جواد ظريف، وانتهاءً بالرئيس حسن روحاني، وتمثل في تصنيف جميع القوات الأميركية العاملة في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى والقرن الأفريقي على قائمة الجماعات الإرهابية.

الحرس الثوري الإيراني لن يتأثر بالقرار الأميركي، ولكن القوات الأميركية هي التي قد تدفع ثمنه دماً فيما هو قادم من أيام، لأنها قد تكون هدفاً لهجمات من أذرع إيران الضاربة في لبنان وسوريا والعراق وباكستان ودول أخرى.

***

منع عناصر الحرس الثوري الذي يعتبر رسميا أحد ألوية الجيش الإيراني من دخول الولايات المتحدة لن يكون له أي قيمة على أرض الواقع، فهؤلاء لا يقفون في طوابير طويلة أمام القنصليات الأميركية للحصول على تأشيرة دخول لقضاء إجازاتهم للتسوق من أسواق ومحلات الموضة فيها، أو في كاليفورنيا لقضاء إجازة في منتجعاتها.

الرئيس روحاني كان محقا في اتهامه للولايات المتحدة بأنها زعيمة الإرهاب الدولي داعماً هذا الاتهام بالتذكير بإسقاط صاروخ أميركي لطائرة مدنية إيرانية فوق الخليج الفارسي عام 1998 وقتل 290 من ركابها، ونضيف من عندنا لائحة طويلة من المجازر التي ارتكبها الجيش الأميركي قبل وبعد احتلال العراق، وفاق عدد ضحاياها المليونين.

الأمير محمد بن سلمان اعترف بالصوت والصورة في أحد مقابلاته التلفزيونية أن الولايات المتحدة هي التي طلبت من بلاده نشر المذهب الوهابي، ودعم العديد من المنظمات الإسلامية المتشددة لقتال الشيوعية، وقوات الاتحاد السوفييتي، ليس في أفغانستان فقط، وإنما في مختلف أنحاء العالم، أما الشيخ حمد بن جاسم، رئيس الوزراء القطري الأسبق، فأكد أن بلاده لم تدفع دولاراً واحداً للجماعات "الإرهابية" في سوريا دون تنسيق مع الولايات المتحدة وأجهزة مخابراتها، وعلى رأسها "سي آي إيه".

الرئيس ترامب وهو يغرد بهذا القرار الخطير نسي أن هناك أكثر من 5500 جندي أميركي يتواجدون في قواعد عسكرية في العراق، وأن هنالك فتوى أصدرها السيد خامنئي قبل بضعة أيام أثناء لقائه مع السيد عادل عبد المهدي طالبت بإخراج هذه القوات بأسرع وقت ممكن (...) ولا نعتقد أن ترامب الذي بات "ألعوبة" بين يدي صديقه نتنياهو يعرف هذه الحقائق.

في العراق هناك فصائل الحشد الشعبي التي تضم أكثر من ألف مقاتل، إلى جانب امتدادات لها في سوريا ولبنان ودول عربية وإسلامية أخرى، ولا نعتقد أن هؤلاء سيترددون لحظة في تنفيذ أي أوامر تصدر لهم بمهاجمة القوات الأميركية، والإشارة للقرن الافريقي في البيان الصادر عن مجلس الأمن الإيراني الأعلى لا نعتقد أنها وردت بمحض الصدفة، إنما في اطار خطة مدروسة، وربما للتذكير بإسقاط طائرة أميركية في الصومال عام 1993 ومقتل معظم الذين كانوا على متنها، الأمر الذي دفع الإدارة الأميركية في حينها إلى الهروب في أيام معدودة من المنطقة بأسرها خوفاً ورعباً.

الرئيس ترامب بات مهندس الحملة الانتخابية لنتنياهو ومنفذ أجنداتها، ومجنداً الناخبين الإسرائيليين في خدمتها، فبعد نقل السفارة الأميركية إلى القدس المحتلة، وضم هضبة الجولان، إسقاط صفة الاحتلال عن الضفة والقطاع، ها هو يضع الحرس الثوري الإيراني على قائمة الإرهاب.

***

هذه "الصداقة" بين ترامب ونتنياهو ستقود العالم إلى أتون حروب قد تحصد أرواح مئات الآلاف من الأبرياء، إن لم يكن أكثر، ومن العرب والمسلمين خاصة، ولكن هذا لا يعني أن إسرائيل ستكون في مأمن، وقد تخرج من هذه الحروب الخاسر الأكبر، هذا إذا بقيت فوق الأرض.

فإذا كان السيد يحيى السنوار، قائد "حماس" في قطاع غزة، قد هدد بإزالة المدن والمستوطنات الإسرائيلية مثل أسدود وعسقلان وحتى وتل أبيب من الوجود، فماذا سيقول السيد حسن نصر الله الذي يملك 150 ألف صاروخ، واللواء قاسم سليماني، رئيس فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، ونحن هنا لا نتحدث عن سوريا والعراق اللذين انضما بقوة إلى محور المقاومة.

نتنياهو يلعب بالنار، ويريد توريط صديقه ترامب "المضبوع" بسحره وأكاذيبه، ونجزم بأن هذه النار لن تحرق أصابعهما فقط، وإنما معظم، إن لم يكن كل الإسرائيليين وحلفائهم العرب الذين رحبوا بالقرار الأميركي المذكور خاصة، وهللوا له.. والأيام بيننا.

* عبد الباري عطوان