فیما یشهد الشارع انقساما حادا..

مصر تعيش مخاض الإستفتاء على الدستور

مصر تعيش مخاض الإستفتاء على الدستور
السبت ٢٠ أبريل ٢٠١٩ - ٠٩:٤٥ بتوقيت غرينتش

وسط انقسامات شديدة في الرأي والقرار، بدأ المصريون اعتباراً من اليوم السبت ولثلاثة أيام التصويت في استفتاء على تعديلات دستورية مثيرة للجدل ستسمح للرئيس عبدالفتاح السيسي بالبقاء في السلطة حتى عام 2030. وفي ظل مواجهة محمومة من النظام لإحباطها دعت المعارضة الناخبين المصريين الى مقاطعة الاستفتاء، أو التصويت بـ "لا".

العالم- تقارير

فتحت لجان الاستفتاء أبوابها في تمام الساعة التاسعة صباح اليوم السبت، وستبقى تواصل أعمالها لمدة 3 أيام للتصويت على التعديلات التي تسمح للرئيس، عبدالفتاح السيسي، بالبقاء في الحكم حتى عام 2030 وتعزيز دور الجيش في مصر.

وتشير الإحصائيات ان أكثر من 61 مليونا يحق لهم التصويت سيدلون بأصواتهم عبر صناديق موزعة على نحو 10 آلاف و878 مركزا انتخابا، و13 ألفا و919 لجنة انتخابية، يشرف عليها أكثر من 15 ألفا و324 قاضيا يعاونهم حوالي 120 ألف موظف.

ويزعم أنصار السيسي أن هذه التعديلات ضرورية لمنحه فرصة لاستكمال مشروعات تنموية وإصلاحات اقتصادية ضخمة فيما يقول منتقدوه إن التعديلات تركز قدرا أكبر من السلطات في يد السيسي وتعيد مصر إلى نموذج سلطوي بشكل لا لبس فيه.

على صعيد آخر كان مجلس النواب المصري المؤلف من 596 عضوا، صادق، على هذه التعديلات يوم الثلاثاء الماضي بفضل الأغلبية الموالية للسيسي التي تهيمن عليه، بغالبية 531 صوتا مقابل 22 صوتا.

لكن المراقبين يرون ان الإنقسام الموجود في الشارع المصري يؤكد عدم رضا الشعب على التعديلات الدستورية. ففي الوقت الذي تعيش فيه المؤسسات المصرية حالة الإستقلال النسبي، فإن التعديلات التي من المقرر ان تشمل اكثر من اربعين مادة من مواد الدستور المصري ستنقل الكثير من صلاحيات وقدرات المؤسسات والسلطات المصرية للرئيس، وتنتقص سيادتها بشكل ملحوظ، ويكون هذا الإنتقاص مشهودا في السلطة القضائية اكثر من اي مؤسسة اخرى.

ما دعا الكثير من قادة معارضي التعديل داخل وخارج البلاد للإحتجاج على العملية التي تضع الدستور والديمقراطية في مصر على مهب الريح. ومن بين هؤلاء القادة السيد خالد داود عضو الحركة المدنية الديمقراطية الذي يرفض التعديلات ويقول إن السلطات لم تمنحهم وقتا حتى لتنظيم حملة كي يطلبوا من أبناء الشعب التصويت بـ "لا" .ويضيف خالد داود أن خطوة التعديل الدستوري اذا تمت بنجاح فستكون الضربة القاضية الأخيرة للحريات في مصر، بعد كل الطموحات التي كانت لسكانها بعد انتفاضة 2011 التي أطاحت بالرئيس حسني مبارك، حيث سيتم تسليم الأمور للقوات المسلحة ما يمكن أن يهدد صون الدستور والديمقراطية والحفاظ على المقومات الأساسية للدولة ومدنيتها ومكتسبات الشعب وحريات وحقوق الأفراد.

بدورها دعت حملة "باطل" الإلكترونية المخصصة لجمع التوقيعات الرافضة لتمديد حكم السيسي حتى العام 2030، مؤكدة ان الشعب المصري يحتاج إلى استمرار المشاركة في ما وصفته بـ"الاستفتاء الحر"، مؤكدة دعمها لمن قرر مقاطعة الاستفتاء على التعديلات الدستورية، وأنها تشجع من قرروا المشاركة بـ"لا".

وقالت الحملة، في بيان وزعته يوم الخميس الماضي: "لكل مصري ومصرية شايف إن المقاطعة هي فعله لإسقاط الباطل، وخطوته في اتجاه مصر المستقبل. مصر لكل المصريين، قاطع بشكل إيجابي، حاول تظهر مقاطعتك وتفضح التزوير المتوقع وانشره، وقول أنت مقاطع ليه في كل مكان يقدر يوصله صوتك وقول (باطل)".

ولم يكن المصريون المقيمون خارج البلاد بعيدين عن الأجواء المعارضة للتعديل الدستوري الذي يحاول نظام السيسي فرضه على الساحة المصرية كأمر واقع.

وأضافت الحملة في بيانها: "لكل مصري ومصرية شايف إن التصويت طالبوا كل المصريين المقيمين في الخارج الظهور أمام القنصليات والسفارات بزي أسود ولافتات تعلوها كلمة (باطل)، وقد شهدت مواقع التواصل الإجتماعي (وخاصة الفيسبوك) حملات تأييد لمقاطعة الإستفتاء المقرر اجراؤه اليوم في اكثر من 140 مقرا انتخابية موزعة على 124 دولة توجد فيها البعثات المصرية.

كما دعا معارضون مصريون بتجمع المصريين المقيمين خارج البلاد أمام السفارات والقنصليات المصرية في شتى ارجاء العالم، وان يرفعوا لافتات تعلوها كلمة (باطل) اضافة الى توشيحهم والسرادقات المحيطة بالبعثات المصرية بالسواد ورفع النعوش امامها خلال الأيام الثلاثة التي من المقرر ان تشهد اجراء الإستفتاء بدءا من اليوم السبت.

وبدورهم طالب الإعلاميون المصريون المقيمون خارج مصر، المصريين المقيمين خارج البلاد برفع لافتات سوداء مكتوب عليها (ارحل وباطل)، وإذا ما ارادوا المشاركة في الإستفتاء ان يكتبوا الكلمات نفسها على ورقة الاقتراع وتصويرها ليراها العالم.

ويرى المراقبون أن هذه المظاهر لن تتسبب في تعريض أي شخص يقوم بها لبطش أو تنكيل، عكس الواقع في الداخل لو تم ذلك، لأن الاتشاح بالملابس السوداء يعتبر تعبيرا رمزيا عن الرفض، وإطلاق العنان لخيال الأشخاص ليعبر كل منهم بالطريقة التي تحقق أمنه وتوضح رفضه في الوقت نفسه. ويؤكد المحللون ان هذه العملية ستكون بيضة القبان بالنسبة للحراك الذي يسود العالم العربي، خاصة وان مصر قيل عنها سابقا بأنها "ام الدنيا، فإن نامت نام العالم العربي وان فاقت أفاق العالم العربي". اي فلو تمكن نظام السيسي من فرض سياسة الأمر الواقع على تعديل الدستور، فإن النهضات والصحوات التي يشهدها العالم العربي سيتم معالجتها بنفس الطريقة التي خطفت ثورة مصر في يناير عام 2011، ليتم إعادة تدوير الأنظمة الفاسدة، وتلميع صورة بعض أركانها وتسليمها السلطات لتبقى البلاد العربية تحت وطأة الإنتداب المبطن ورهن سياسة واشارات الأسياد وتذهب مصالح الأوطان والشعوب أدراج الرياح والأيام بيننا.

*عبدالهادي الضيغمي