النمسا.. عندما ينقلب السحر على الساحر!

الأحد ١٩ مايو ٢٠١٩ - ١٠:٤٥ بتوقيت غرينتش

تعتزم السلطات في النمسا فرض الحظر على الحجاب في المدارس الابتدائية. وتدعي الحكومة اليمينية المتطرفة في النمسا ان الهدف من حظر الحجاب هو الاسهام في عملية "تطوير وانسجام الطلاب". وفي خطوة معاكسة، احتجت النائبة النمساوية "مارثا بيسمان" على إقرار البرلمان قانون حظر الحجاب، وقامت بارتداء الحجاب داخل البرلمان.

العالم - كشكول

أقر مجلس النواب النمساوي، يوم الأربعاء الماضي، مشروع قانون قدمه الائتلاف الحكومي اليميني المتطرف يمنع ارتداء الحجاب في المدارس الابتدائية.

وروّج لفكرة الحظر نائب المستشار النمسوي هاينز كريستيان شتراخه من حزب الحرية اليميني المتطرف الذي قال ان الفتيات "تحت سن العاشرة يجب حمايتهن" ليكون بمقدورهن "الاندماج والتطور بحرية".

وفي تطور لافت، احتجت النائبة النمساوية "مارثا بيسمان" على إقرار البرلمان لهذا القانون، وقامت بارتداء الحجاب في البرلمان. وبالرغم من عدم موافقة أغلبية البرلمان عليه، خرجت النائبة، بيسمان، وألقت خطاباً أعلنت فيه رفضها للقانون.

وفي لفتة منها، قامت النائبة بارتداء الحجاب أمام النواب أثناء كلمتها، ووجهت سؤالاً للجميع، قائلة: "هل تغير شيء الآن، هل لم أعد مارتا بيسمان النائبة في البرلمان النمساوي والمولودة بالنمسا المهندسة والمختصة في علوم البيئة المدافعة الحرة والمنفتحة على حقوق النساء؟ والمقتنعة بشدة بأن كل إنسان يولد حر؟".

وبدأت النائبة كلمتها بتهنئة المسلمين بحلول شهر رمضان المبارك، وأكدت أنه نتيجة لحملات الكراهية، تتعرض مسلمات محجبات لاعتداءات ومضايقات في الشوارع لا لشيء إلا لارتدائهن للحجاب، وفق تعبيرها.

ولفتت إلى أن الحجاب ما هو إلا جزء من حياة النساء المسلمات ومن ثقافتهن ومن هويتهن، ولكن تم تصويره كرمز للسياسة المناهضة للمسلمين.

وتابعت النائبة: "يمكننا أن نتعلم من المسلمين قيم التسامح والتضامن، فالحجاب لا يمثل مشكلة في المجتمع، ولكن هناك بعض الأحزاب تريد عمل دعاية إعلامية، لكسب أصوات بعض الناخبين على حساب قضية الحجاب، وهو الأمر الذي ينبغي رفضه تماماً".

وشهدت جلسة الجمعية العمومية (البرلمان) نقاشات حادة حول مشروع القانون، الذي تم تمريره بأصوات حزب الحرية اليميني وحزب المحافظين (يمين الوسط)، رغم تصويت حزبي المعارضة الديمقراطي الاجتماعي و"نيوس" ضده. وقال نواب حزب المعارضة ان قانون حظر الحجاب في المدارس الابتدائية لن يساعد في الاندماج وانما سيؤدي الى التفرقة.

وشهدت بعض الدول الاوروبية خلال الاسبوع الاخير حملة حكومية ضد الحجاب حيث اتخذت فرنسا بعد النمسا قرارات عنصرية ضد ارتداء الحجاب فيما رفعت مطالب باتباعهما في المانيا.

وأقر مجلس الشيوخ الفرنسي قانونا يحظر على الأمهات ارتداء الحجاب أثناء مرافقتهن لأبنائهن في الرحلات المدرسية. وفي 2004 أقرت باريس قانونا يمنع الرموز الدينية في المدارس الابتدائية والثانوية الحكومية.

وفي سياق متصل، قالت المندوبة الحكومية الألمانية لشؤون دمج الأجانب أنيت ويدمان موز لصحيفة بيلد الألمانية، إن برلين تفكر بفرض حظر على ارتداء التلميذات في المرحلة الابتدائية الحجاب، مضيفة أنه "من العبث أن ترتدي الفتيات الصغيرات الحجاب".

وتأتي المطالبات في المانيا ببحث حظر ارتداء تلميذات المدارس الابتدائية للحجاب وسط معارضة برلمانيين لمخالفته "حق الانسان الراسخ في الدستور بممارسة معتقده الديني بحرية".

ما يلفت الاتنباه هو ان القانون الذي اقره البرلمان النمساوي ينص على حظر "كل لباس ذي تأثير ايديولوجي او ديني يغطي الرأس" وهو بحذ ذاته قرار تمييزي، حيث اعلن الحزبان الرئيسيان في الحكومة بوضوح ان المستهدف هو "الحجاب الاسلامي"، إذ استثنى قلنسوة الرأس لليهود وعمامة الرأس للسيخ.

ويرفض اليمين المتطرف بدعوى "أسلمة النمسا"، ويعتبر أن الإسلام لا ينتمي إلى النمسا، مطالبا بحظر ارتداء الحجاب، وإغلاق الحدود بوجه اللاجئين.

قرار حظر الحجاب في المدارس النمساوية وما يعقبه من اجراءات فرنسية والمانية في هذا المجال يشكل فضيحة مدوية في اوروبا التي تتشدق ليلا نهارا بالدفاع عن حقوق الاقليات الدينية تحت مسمى حقوق الانسان ما يدل على تدهور اوضاع الديمقراطية في اوروبا.

وقوبل القرار برفض وادانات من قبل الجاليات المسلمة في اوروبا وانتقدت حكومات بعض الدول الاسلامية بشدّة إقرار مشروع قانون حظر الحجاب في المدارس الابتدائية في النمسا.

وقالت منظمة تمثل المسلمين في النمسا، إنها ستطلب من المحكمة الدستورية إلغاء حظر الحجاب في المدارس الابتدائية، والذي اعتبره المسلمون وكثير من السياسيين في النمسا بأنه غير دستوري.

فيما قال عمدة العاصمة النمساوية فيينا ميشيل ودويغ خلال مشاركته في حفل إفطار رمضاني الثلاثاء الماضي، إن السياسة ليس من شأنها أن تقرر ما ينبغي على الناس ارتداؤه، مضيفا أن تصاعد التحريض على المسلمين في بلاده يدعو للقلق.

الخارجية التركية انتقدت بشدّة إقرار مشروع القانون وقالت إنه يعتبر المثال الأخير على الممارسات المثيرة للقلق والتي تقوم بها النمسا على صعيد الحريات.

وأكّدت أنه "لا يمكن للجالية التركية ولا المسلمين المقيمين في النمسا ولا المؤمنين بالقيم العالمية، بما فيها تركيا، قبول وتأييد هذا التدخل في الحريات الدينية والذي جرى في وقت تسود فيه الأجواء الروحانية لشهر رمضان المبارك الذي نعيشه حالياً".

وقالت إن "تحول معاداة الإسلام والأجانب إلى حالة ممنهجة ومؤسساتية بالنسبة للمسلمين والجالية التركية المقيمة في أوربا، وبشكل خاص في النمسا، أمر يدعو إلى التفكير والقلق".

وتابعت: "نعتقد أنه سيكون من المفيد أن تتخذ السلطات النمساوية التدابير القانونية اللازمة لمكافحة مناهضة الإسلام والأجانب، بدلاً من التدخل في الحريات الدينية بطريقة تمييزية".

وقُدر عدد المسلمين في النمسا عام 2017 بنحو 700 ألف وهو ما يشكل تقريباً 8% من عدد السكان، وأغلبهم من أصل تركي جاؤوا للعمل في الستينيات والسبعينيات واستقروا فيها.

استغلال حقوق المرأة وحمايتها لمهاجمة المهاجرين، وتحديداً النساء المحجبات منهم لا يعتبر جديداً على اليمين المتطرف في البلدان الاوروبية، إذ استخدم السياسيون الأوروبيون، من ينتمي منهم إلى أحزاب اليمين الشعبوية مصطلحات مثل "حرية المرأة" و"تحرير المرأة من الاستعباد" لفرض عقوبات على المهاجرات من المسلمات أو إجبارهن على خلع الحجاب والنقاب، وهو ما وصفه بعض الأكاديميين الأوروبيين بمصطلح "القومية النسوية" أو Femonationalism.