عادل عبد المهدي عن يوم القدس.. ما ضاع حق وراءه مطالب

عادل عبد المهدي عن يوم القدس.. ما ضاع حق وراءه مطالب
الجمعة ٣١ مايو ٢٠١٩ - ٠٦:٣٠ بتوقيت غرينتش

كتب رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي عن فلسطين ويوم القدس العالمي يقول ..

العالم - مقالات وتحلیلات

بسم الله الرحمن الرحيم

اطلق الامام الخميني (قُدس سره) دعوته للاحتفاء بيوم القدس العالمي في آخر جمعة من الشهر الفضيل.. فتنظم المسيرات والاحتفالات والمؤتمرات، وتزان الصحف والمجلات بالابحاث والمقالات للتذكير بالقدس الشريف، وفلسطين، والظلم والعدوان الواقع عليها. سيستخف كثيرون، بينما يؤكد التاريخ والوقائع، ان الحق عندما يترسخ في اذهان وقلوب الناس، خصوصاً بين اليافعين والشباب، ويزداد المطالبون به فلن يضيع مهما طال الزمان.

صحيح ان "اسرائيل" دولة قوية وقدراتها عالية.. وان للحركة الصهيونية نجاحات ونفوذ كبير عالمياً.. لكن التاريخ يؤشر على مسارات المستقبل ايضاً. فالصهيونية قد بلغت ذروة نجاحاتها في تأسيس دولتها، وحققت الدولة ذروة انتصاراتها في حرب حزيرن 1967. فسيطرت على كامل القدس، واحتلت سيناء، وبنت خط "بارليف" على ضفة قناة السويس الشرقية، والتي قيل يومها انه لا يخترق، واحتلت الجولان، وبسطت نفوذها على الضفة الغربية.. وبسطت الصهيونية نفوذها على كبريات المؤسسات الاعلامية والمراكز البحثية والمصالح الاقتصادية. رغم ذلك لم تنجح ليومنا بحركة تطبيع جادة وحقيقية مع الجماهير ليس في المنطقة فقط، بل في العالم ايضاً.. بل تزداد عزلتها وتكثر اداناتها. فهي للدفاع عن مكاسبها مضطرة لمزيد من القتل والتهجير والاستيطان والاستفزار والاعتداء على القدس وغير القدس بشتى الوسائل.. لذلك نشهد منذ ثمانينات وتسعينات القرن الماضي تهاوي منطقها عند الكثير من رعاتها السابقين، وخصوصاً عند الراي العام العالمي.

انهت هزيمة حزيران 1967 ولاية الدول العربية على فلسطين، كما انهت الولاية العملية للاردن على بيت المقدس والاماكن المقدسة.. ونهضت الحركة الفلسطينية المسلحة بفصائلها المعروفة. ومهما تكن النجاحات والاحباطات، والمساوات والصفقات، لكن اي عين تاريخية لن ترى حرب 1973 وعبور القوات المصرية القناة وتحصينات خط "بارليف"، والسورية الجولان، واتفاقات اوسلو وكامب ديفيد، وانسحاب اسرائيل من سيناء، واغتيال رابين وعودة "منظمة التحرير" وقواها الى الضفة وغزة، والاعتراف بها -حتى من اسرائيل- كممثلة للشعب الفلسطيني، الا كمرحلة توازن.. ولن ترى اجتياح لبنان عام 1982 والوصول الى بيروت، الا كاخر المحاولات لمسك المبادرة والاحتفاظ بالنهج الهجومي.. ولن ترى الانتفاضة الاولى 1987 والثانية 2000، وحرب تحرير لبنان 2000 والهزيمة الاسرائيلية امام "المقاومة اللبنانية" في تموز 2006، وفي حربي غزة (2012-2014) امام "المقاومة الفلسطينية".. والمسيرات الحالية للعودة والدفاع عن القدس، سوى تغييرات اساسية لغير صالح "اسرائيل" في ميزان القوى.

نعم تحقق اسرائيل مكاسب لا يستهان بها في علاقاتها الخليجية، ونقل السفارة الامريكية للقدس، ويغريها ذلك لتطبيق خطط تلحق الجولان كجزء من "اسرائيل"، وليس كاراض محتلة، وانهاء معادلة الدولتين والسلطة الفلسطينية، وتوسيع الاستيطان، ونظرية من الجولان الى سيناء ومن البحر الى نهر الاردن. لهذا ربط البعض بين مظاهرات الاردن الاخيرة وهذه الاحتمالات. وهكذا تنهار التوازنات والدفاعات التي أمنت لـ"اسرائيل" الأمن النسبي.. فأمام "اسرائيل"، اما التقدم والهجوم كما حاولت في لبنان وفلسطين وسيناء والجولان ففجرت المزيد من القوى ضدها، او التراجع والانكفاء والمساومة، مما سيشجع خصومها عليها.. فاطروحات الهجوم والنصر السريع كانت ممكنة في الستينات وقبلها، اما اليوم فلن تقود سوى الى اسراع التراجع الاسرائيلي. فالفجوة العسكرية وفي القدرات تزداد تقلصاً بين "اسرائيل" ومقاوميها.. وتزداد حركة الاعتراف بفلسطين كدولة (136 دولة) وبمنظمة التحرير (50 دولة).. وتجدد حركة المقاومة نفسها تنظيمياً وسياسياً وعسكرياً.. فخسرت اسرائيل ايران عام 1980، وخسرت لبنان الذي كانت قيادته حتى الستينيات قريبة لمنطقها، وباتت من اشرس مقاوميها بدءاً من السبعينات.. وعلى وشك ان تخسر تركيا، والاوضاع قلقة جداً مع السلطة الفلسطينية والاردن ومصر.. فاسرائيل تواجه المزيد من صعوبات التطبيع مع دول الطوق، ومكاسبها اقل من خسائرها.. وان منطق القتل والتهديد والقصف لن ينقذها من ورطتها. فجوهر المعركة ليست عسكرية وتقنية وسياسية، بل جوهرها الظلم والاستعمار والاحتلال. فهي معركة شعوب وجماهير وحقوق عادلة وطبيعية، وان يوم القدس العالمي هو تجديد اصحاب الحق ان حقوقهم لن تضيع ما دام وراءها مطالب.

عادل عبد المهدي