الاسرائیلیون يتراقصون على قبر ابو جهاد في تونس!

الاسرائیلیون يتراقصون على قبر ابو جهاد في تونس!
السبت ١٥ يونيو ٢٠١٩ - ٠٦:١١ بتوقيت غرينتش

عندما اختار السيد يوسف الشاهد، رئيس وزراء تونس، روني طرابلسي، رجل الأعمال اليهودي التونسي لتولّي حقيبة السّياحة في حُكومته، أشاد البعض بهذه الخطوة التي تعكِس التّسامح التونسي، والحِرص على المُساواة، وتجنّب الطائفيّة الدينيّة بكُل أشكالها.

العالم - تونس

ولكن تبيّن لاحقًا أنّ هذا الاختيار أعطى نتائج عكسيّة تمامًا، خاصّةً بعد الخطوات التطبيعيّة مع دولة الاحتلال التي أقدم عليها وزير السّياحة المذكور، وصدَمت الشّعب التونسي الذي يُعتبر واحد من أكثر الشعوب العربيّة دعمًا للقضيّة الفِلسطينيّة ورفضًا للتّطبيع.

من شاهد منظر السيّاح الإسرائيليين وهم يرقُصون احتفالًا بزيارتهم هذه، وإشادتهم بالدولة العبريّة وجيشها الذي يرتكِب المجازر في حق الفِلسطينيين في غزّة وقبلها في جنوب لبنان وسورية ومِصر، يتفهّم حالة الغضب التي تسود الرأي العام التونسي بعد مُشاهدة تقرير بثّته قناة “الميادين” التي يرأس مجلس إدارتها الإعلامي التونسي غسان بن جدو المعروف بمواقِفه الوطنيّة الرّافضة للتّطبيع، وعدم استضافتها، أيّ القناة، إسرائيليًّا واحِدًا على شاشتها مثلما تفعل محطّات عربيّة أُخرى.

السيد طرابلسي، وزير السّياحة التونسي، تولّى حقيبة السّياحة بحُكم خبراته في هذا القِطاع، وامتلاكه لشركات مُتخصّصة فيه، ومن أجل إعادة إحياء السّياحة الأجنبيّة في تونس، وإعادتها إلى عصرها الذهبي، ولكنّ النّتائج التي حقّقها جاءت محدودةً، وليست بحجم التّوقّعات المَأمولة.

استقبال السيد طرابلسي للوفد السياحي الإسرائيلي في المطار، وتوجيه الوفد التحيّة إلى جيش الاحتلال الإسرائيلي، مثلما أكّدت الصّور والفيديوهات، تعكس سُلوكًا مُسيئًا للشّعب التونسي، وللأمّة العربيّة بأسرها، فلم نقرأ أو نسمع أنّ السيد الطرابلسي كان على رأس مُستقبلي وفودًا سياحيّة قادمة من الجزائر وليبيا، أو أي دولة عربيّة أخرى، وصحّحونا إذا كنّا مُخطئين، ولعلّ سؤال الزميل كمال خلف مُقدّم الحلقة الخاصة التي بثّتها قناة “الميادين” للوزير حول هذه الزّيارة قبل يومين، وهذه المسألة بالذّات، كان مُصيبًا ويُلخّص انحياز الوزير لوفدٍ قادمٍ من دولةٍ مُحتلّةٍ مُلطّخةٍ أيادي جيشها وقادتها بدماء أطفال الأمّة العربيّة في فِلسطين ولبنان وسورية، ولا توجد أيّ علاقات دبلوماسيّة بينها وبين الدولة التونسيّة.

إذا صحّت الأنباء التي تُشير إلى أنّ الوفد السياحي الإسرائيلي زار المنزل الذي اغتيل فيه الشهيد “أبو جهاد” على أيدي فرقة من الموساد الإسرائيلي، وهي تبدو صحيحة حسب مصادر عديدة إسرائيليّة وأوروبيّة، فإنّ الإهانة والاستِخفاف بمشاعر الشعب التونسي وعقيدته وإرثه الوطنيّ المُشرُف وحُرمة تُرابه وسيادته تكون بلَغت ذروتها.

التّحقيق والمُحاسبة من قبل البرلمان التونسي لا يجِب أن يقتصر فقط على السيد الطرابلسي وزير السّياحة، وإنّما أيضًا على السيد الشاهد، رئيس الوزراء نفسه، الذي أتى به إلى الوزارة، ولم يَطلُب مِنه الاستقالة من منصبه، والذي لا نعتقد أنّ الزّيارة تمّت دون علمه، وهذا هو الحد الأدنى من المُحاسبة في الحُكومات التي تحترم نفسها وشعبها، وإرث بلادها الوطنيّ والديمقراطيّ.

كان من المُتوقّع أن يُقدّم السيد الشاهد نفسه استقالته وحُكومته إلى الرئيس الباجي قايد السبسي، الذي يتحمّل المسؤوليّة الأكبر أيضًا، ولم يَصدُر عنه أيّ استنكار لهذه الفضيحة، احترامًا لمشاعر الغالبيّة العُظمى من الشّعب التّونسي، ولكنّه ما زال على رأس عمله، ويُوحي لوزرائه بمُحاولة التّغطية على هذه الإهانة، بنفِي وقائع التًقرير المُعيبة والمُوثّقة بالصّوت والصّورة، ولا نُعفِي أيضًا من اللّوم نفسه نوّاب البرلمان التونسي، وعلى رأسهم نواب حركة النهضة الإسلاميّة الذين كانوا يُدينون بشدّة أعمال التّطبيع التي مارَسها حُكم الرئيس زين العابدين بن علي وأطاحت به الثّورة الشعبيّة المُباركة، وعندما عُرِض عليهم مشروع يُجرّم أعمال التّطبيع مع الإسرائيليين صوّتوا ضدّه وأسقطوه.

ثورة تونس المُشرّفة التي تحوّلت إلى أيقونة ونموذج يُحتذى في الوطن العربي والعالم لا تستحق مثل هذه الإهانات التي تُشوّهها ونِضالات أبطالها، خاصّةً أنّها إهانات تأتي من حُكومة من المُفترض أنّها تُمثّل هذه الثّورة وإنجازاتها الديمقراطيّة، وقِيام الدولة المدنيّة والحُريّات بأشكالها كافّة.

*صحيفة رأي اليوم