لبنان يتمسك بحقوقه كاملة ولم يقع في الفخ الاسرائيلي

لبنان يتمسك بحقوقه كاملة ولم يقع في الفخ الاسرائيلي
السبت ٠٦ يوليو ٢٠١٩ - ٠٨:١٤ بتوقيت غرينتش

عاد الموفد الأميركي السفير "ديفيد ساترفيلد" الذي لم يعد "مساعد وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى بالوكالة" سيما بعد تسلّم خلفه ديفيد شينكر هذا المنصب بالأصالة، الى لبنان في زيارة أخيرة وداعية كونه سيلتحق بمنصبه الجديد كسفير للولايات المتحدة الأميركية في تركيا بعد موافقة الكونغرس الأميركي على تعيينه فيها أخيرا..

العالم - لبنان

غير أنه قبل الوداع خلط أوراق التفاوض من خلال تقديم مقترحات "إسرائيلية"، على أنها أميركية، على ما أكدت أوساط ديبلوماسية عليمة، أعادت الأمور الى نقطة الصفر بدلا من إطلاق مسار المفاوضات وترك بدء العمل بها الى خلفه في هذه المهمة.
فما حاول ساترفيلد إظهاره للبنان والعالم عن "ليونة إسرائيلية" في الموافقة على مطالب لبنان حول تلازم مساري ترسيم الحدود البحرية والبرية ورعاية الأمم المتحدة للمفاوضات "غير المباشرة" بين الجانبين في ظل وجود وسيط أميركي، بدا أنه مجرد "مناورة"، على ما أشارت الاوساط، كي لا نقول "كذبة"، لإيقاع لبنان في مسألة قبوله إطلاق المفاوضات مع العدو الإسرائيلي، والتي تريدها كل من واشنطن و"تل أبيب" أن تكون "مباشرة" لما يتلاءم مع مصلحتهما.
كما أراد ساترفيلد الذي غير قواعد التفاوض لمصلحة إسرائيل من خلال زيارته الأخيرة الى بيروت، أن يعلن فشل تحركه المكوكي الذي بدأه في منتصف أيار الفائت بهدف إطلاق مسار المفاوضات بين لبنان والعدو الاسرائيلي، وأن يلقي بالتالي اللوم أو المسؤولية على لبنان كونه يتمسك بموقفه الواضح، كما بحقوقه المشروعة ولا يقبل أن يحيد عنها قيد أنملة. علما أن المسؤولين اللبنانيين، ولا سيما رئيس مجلس النواب نبيه بري قد نقل له موقف لبنان المتمسك بكل شبر من أرضه، كما بكل كيلومتر من بحره، ليس فقط منذ بداية تحركه الأخير فحسب، إنما أيضا منذ سنوات عندما حاول ساترفيلد نفسه حل مسألة ترسيم الحدود.
ولكن في الواقع، تقول الأوساط نفسها ان ما كان يخشاه لبنان من محاولة "إسرائيل" إيقاعه في الفخ قد بدا واضحا من خلال الردود "الإسرائيلية" الأخيرة التي نقلها ساترفيلد على المطالب اللبنانية. فالعدو الإسرائيلي هو الذي بدل موقفه وليس لبنان، إذ اقترح سابقا وجود وسيط أميركي في المفاوضات وقد وافق لبنان على اقتراحه هذا رغم علمه بتحيز هذا الأخير لحليفه في المنطقة، ثم بدل رأيه مشترطا رئاسة ورعاية الولايات المتحدة للمفاوضات، وليس الأمم المتحدة، وكأن أميركا تختصر موقف المجتمع الدولي ككل، وكونه يريد طرفا يوافقه على كل مقترحاته ويروج لها، على ما فعل ساترفيلد خلال محادثاته مع المسؤولين اللبنانيين خلال زيارته الأخيرة يوم الثلاثاء الفائت. وعاد العدو الإسرائيلي واشترط بأن تقتصر مساهمة الأمم المتحدة في المفاوضات على ضيافتها لها أي على تأمين المقر أو المكتب الذي سيخصص لها من دون وجود من يمثلها فيها. وهذا الأمر يبين عدم اعتراف "إسرائيل" بالأمم المتحدة كمنظمة دولية ولا بقراراتها التي لا تنفذها برمتها لا سيما تلك المتعلقة بانسحابها من الأراضي العربية واللبنانية، كما بالاعتراف بحق عودة الفلسطينيين الى ديارهم ودفع التعويضات لهم.
في الوقت نفسه، حاول العدو الإسرائيلي خداع لبنان بحسب الاوساط الديبلوماسية، في موافقته المبدئية على تلازم ترسيم الحدود البحرية والبرية، ليظهر أخيرا من خلال اقتراحات ساترفيلد التي نسفت كل ما جرى الاتفاق عليه سابقا، أن كل ما أرادته "إسرائيل" من ذلك هو إشاعة الأجواء الإيجابية حول ترسيم الحدود البحرية مع لبنان. في حين أنه في الواقع يريد إغفال أي تحريك لموضوع تثبيت الحدود البرية عند الخط الأزرق، والإيحاء بأن مسألة الترسيم تسير على السكة تزامنا مع محاولة تمرير "صفقة القرن" في المنطقة، وبدء "تحالف الشركات" النفطية عملية التنقيب عن الغاز والنفط واستخراجهما في البلوك 9 (و4) في المنطقة الاقتصادية الخالصة التابعة للبنان، الذي يلامس الرقعة البحرية المتنازع عليها والتي تصل مساحتها الى 860 كلم2 ويقدر انتاج الغاز الطبيعي فيها بـ 600 مليار دولار.
غير أن لبنان، على ما شددت الأوساط نفسها، لم يقع في "الفخ الإسرائيلي"، الذي نقله ساترفيلد مقتنعا به، بل رفضه رفضا قاطعا، كما رفض أي تفاوض مباشر مع العدو الإسرائيلي الذي حاول إيقاعه فيه من خلال تغيير قواعد التفاوض. فلبنان لا يمكن أن يقبل مطلقا لا الآن ولا في المستقبل، أن يطبع مع "إسرائيل" وأن يعترف بها كدولة، قبل أن ينهي العدو الإسرائيلي احتلاله لمزارع شبعا وتلال كفرشوبا والقسم الشمالي من بلدة الغجر، ويوقف اعتداءاته وتهديداته المتواصلة للبنان بشن حرب جديدة عليه. وبعدها فلكل حادث حديث.

كذلك لم يثر ساترفيلد مع المسؤولين اللبنانيين مسألة الفترة المحددة للتفاوض كون مقترحاته لم تستكمل ما جرى التوافق عليه مسبقا بين لبنان و"اسرائيل" من خلال المحادثات التي أجراها في تحركه المكوكي، إنما عادت بالمفاوضات الى نقطة الصفر مع تمسك العدو الإسرائيلي بالاستيلاء على ما ليس من حقه في لبنان من خلال مفاوضات تديرها الولايات المتحدة وتعطيه فيها كل ما يطالب به.
وبناء على ما قاله ساترفيلد، فإن مهمته الأخيرة كوسيط أميركي للمفاوضات "غير المباشرة" بين لبنان والعدو الإسرائيلي لترسيم الحدود البحرية والبرية قد باءت بالفشل، كما فشل في تهديد لبنان بأنه سيعلن أن تمسكه بموقفه هو الذي أدى الى عدم نجاحه في مهمته لأنه سمع تهديدا من الرئيس بري أنه سيكشف مضمون المحادثات التي حصلت خلال التفاوض. ولهذا غادر ساترفيلد لبنان بخفي حنين على أن يتم تسليم مهمة الوساطة الأميركية، إذا ما ارتأت الإدارة الأميركية استكمالها الى خلفه شينكر.
ومن خلال الأجواء السلبية التي خلفها ساترفيلد وراءه من خلال تحيزه للعدو الإسرائيلي الذي يراوغ ويماطل لتمرير فخ "التفاوض المباشر" مع لبنان ليس إلا، فإن طريق المفاوضات "غير المباشرة" لن تكون سالكة وآمنة أمام الوسيط الأميركي الجديد، على ما لفتت الأوساط نفسها، فكيف إذا كان أكثر تحيزا من سلفه للعدو الإسرائيلي، وفي ظل رفض لبنان لوضع الأمم المتحدة جانبا خلال مرحلة التفاوض وإصراره على حصوله على حقوقه المشروعة كاملة، كما على تلازم مساري ترسيم الحدود البحرية والبرية؟!"


المصدر: الديار