تركيا تتحدّى اميركا في تسلّم صواريخ إس-400 الروسية

تركيا تتحدّى اميركا في تسلّم صواريخ إس-400 الروسية
الأحد ١٤ يوليو ٢٠١٩ - ١٠:٣٩ بتوقيت غرينتش

تتواصل في انقرة عملية تسلّم منظومة الصواريخ الروسية إس-400 التي بدأت منذ يوم الجمعة، وفق ما أعلنت وزارة الدفاع التركية، رغم تحذيرات واشنطن حيث يدعو عدد من أعضاء الكونغرس إلى فرض عقوبات على تركيا.

العالم - تقارير

أفادت وكالة الأناضول التركية، اليوم الأحد، بوصول طائرتي شحن خامسة وسادسة تحملان أجزاء من أنظمة "إس-400" الروسية إلى تركيا.

ونقلت الوكالة عن وزارة الدفاع التركية أن طائرتي الشحن الخامسة والسادسة هبطتا في قاعدة أكينجي الجوية في ضواحي أنقرة.

وأضافت أنه من المتوقع أن تصل طائرة سابعة إلى تركيا في وقت لاحق من هذا اليوم.

وبدأ وصول طائرات الشحن الروسية التي تحمل الأجزاء المكونة لأنظمة الدفاع الصاروخية "إس-400" إلى تركيا يوم الجمعة الماضي.

وكانت وزارة الدفاع التركية كتبت امس السبت في تغريدة "استؤنف اليوم تسلّم أنظمة الدفاع الجوية والمضادة للصواريخ الطويلة المدى إس-400". وأضافت "هبطت الطائرة الروسية الرابعة التي تحمل أجزاءً من (منظومة) إس-400 في قاعدة مرتد الجوية قرب أنقرة".

وأعلن وزير الدفاع التركي، خلوصي أكار، أن توريد أنظمة "إس-400" إلى تركيا يجري بالتزامن مع استمرار عملية تدريب العسكريين الأتراك الذي سيتعين عليهم استخدام هذه الأنظمة.

وترى واشنطن خطرا حقيقيا في أن يتمكن العسكريون الروس الذين سيدربون الأتراك على منظومة إس-400 من كشف الأسرار التكنولوجية للمقاتلة الأميركية الجديدة "أف-35"، التي تريد أنقرة شراءها أيضاً.

وتعتبر الولايات المتحدة أن صواريخ إس-400 تتعارض مع أنظمة حلف شمال الأطلسي الذي يضمّ تركيا، وتخطط لفرض عقوبات على هذا البلد جراء صفقة شراء المنظومة.

وبحسب وكالة "بلومبرغ " فإن واشنطن ستفرض عقوبات شديدة على تركيا بحيث قد لا تكتفي بإخراجها من برنامج تصنيع المقاتلة "إف-35"، بل يمكن أن تفرض عليها أيضا عقوبات أخرى من بين 12 نوعا من أنواع العقوبات المتاحة بموجب القانون الأميركي.

ولفتت "بلومبرغ" إلى العقوبات الأميركية المتاحة، وتشمل حظر صفقات بيع وشراء العقارات، وفرض قيود على الاستثمارات في السندات الأميركية، وتقييد وصول الشركات التركية إلى القطاع المالي الأميركي، فيما يمكن للرئيس الامريكي دونالد ترامب أن يطلب من مؤسسات مالية دولية مثل صندوق النقد الدولي رفض تقديم قروض للمؤسسات التركية التي يتم مقاطعتها، إضافة إلى منع البنوك الأميركية من تقديم قروض للشركات والمصارف التركية تزيد قيمتها على 10 ملايين دولار.

وأضافت الوكالة أنه من الممكن أن يتم استهداف عدد كبير من الشركات التركية العاملة في قطاع الصناعات العسكرية، ما يعني انه سيكون من المستحيل لتلك الشركات شراء مكونات أميركية للمعدات التي تنتجها في تركيا.

الى ذلك، وصف السيناتور الروسي، أليكسي بوشكوف، بيع الأسلحة الأمريكية لحلفاء الولايات المتحدة في حلف الناتو بأنه أحد أهداف وجود هذا الحلف، الأمر الذي يدل، برأيه، على عدم المساواة بين أعضائه.

وفي تعليقه على العقوبات الأمريكية المحتملة على تركيا بسبب شرائها لأنظمة "إس-400" الروسية كتب بوشكوف على صفحته في تويتر: "تفرض الولايات المتحدة عقوبات على تركيا. وكان من الضروري أن تشتري أنقرة مرغمة أنظمة "باتريوت" التي لا تحتاج إليها، وليس أنظمة "إس-400". وفي هذه الحالة لم تكن هناك أي عقوبات. إن بيع الولايات المتحدة لأسلحتها لحلفائها هو أحد أهداف وجود الناتو. و"الآن ندعو الحلف للتحدث عن المساواة بين أعضائه!".

وقبل ذلك دعت مجموعة من أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي الرئيس ترامب إلى فرض عقوبات على تركيا لهذا السبب، بالإضافة إلى حذفها من برنامج صنع المقاتلات الأمريكية "F-35".

وقال إليوت إنجل ومايكل مكفول، العضوان الرئيسيان الديموقراطي والجمهوري في لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب، في بيان مشترك "لقد منحنا الرئيس (التركي رجب طيب) إردوغان الخيار، ولقد اتخذ بشكل واضح الخيار الخطأ".

لكن حتى الآن، رفضت أنقرة كل التحذيرات الأميركية داعية واشنطن إلى عدم اتخاذ تدابير من شأنها "الإضرار بالعلاقات" الثنائية.

ويشهد تسلم منظومة الدفاع الجوي المتطوّرة على التقارب في العلاقات بين روسيا وتركيا التي ابتعدت عن الدول الغربية منذ الانقلاب الفاشل ضد الرئيس التركي رجب طيب إردوغان في تموز/يوليو 2016.

وقال الصحفي التركي، الخبير في شؤون الشرق الأوسط، موسى أوزوغورلو، لصحيفة "أوراسيا ديلي"، إن منظومة إس-400، ليست مجرد مسألة عسكرية، إنما وسياسية. تحتاج تركيا إلى بديل عن العالم الغربي، وهذا البديل هو روسيا. بمجرد أن تشتري تركيا المنظومة، ستغدو علاقتها مع روسيا أقوى، ما يعني أن تركيا ستكون في المحور الروسي لفترة طويلة من الزمن. تحاول روسيا أيضا إيجاد شرخ بين دول الناتو، وفي الوقت نفسه تريد أن يكون لها حليف في الشرق الأوسط.

وكانت أنقرة وموسكو على وشك القطيعة في تشرين الثاني/نوفمبر 2015 عندما أسقطت مقاتلات تركية طائرة روسية على الحدود السورية التركية، لكن البلدين عادا وعمدا إلى تطبيع علاقاتهما تدريجياً للتعاون خصوصاً في الملف السوري.

واتصل وزير الدفاع الأميركي الجديد مارك اسبر بنظيره التركي خلوصي آكار، الجمعة، وقال الاخير ان انقرة كانت "مهددة بشكل جدّي" وان شراء صواريخ اس400 "لم يكن خيارا بل هو شيء الزامي" بحسب بيان لوزارة الخارجية التركية.

وبحسب آكار فإنّ أنقرة ملزمةٌ باتّخاذ خطواتٍ في مواجهة "الهجمات المكثّفة" على حدودها مع سوريا. واضاف ان تركيا هي القوة الوحيدة القادرة على إنشاء "منطقة آمنة" في شمال سوريا.

ويُفترض ان يتوجّه وفد اميركي الاسبوع المقبل الى انقرة لاستكمال المحادثات.

وبحسب الباحث في مركز الأمن الأميركي الجديد نيكولاس هيراس، إن منظومة إس-400 "تغيّر قواعد اللعبة في ما يخصّ الاستراتيجية الدفاعية الجوية لتركيا".

وقال في تصريح له "من منظور الأمن الوطني، تركيا بحاجة إلى منظومة دفاعية جوية فعّالة تتمتع بمدى ممتاز لتغطية كل الأناضول، و(صواريخ) إس-400 تلبي تماماً هذه الحاجة".

وأضاف "ليس سراً أن إردوغان يريد أن يجعل من تركيا قوة أوراسية، ما يفترض إيجاد توازن بين العلاقات مع روسيا والصين من جهة ومع الولايات المتحدة من جهة أخرى". وتابع "ليس مؤكداً أن تبقى تركيا إلى ما لا نهاية في المعسكر الأميركي".

ورأى نيكولاس دانفورث من مركز أبحاث "جيرمان مارشال فاند" أن شراء هذه الصواريخ يعكس رغبة أنقرة في انتهاج "سياسة خارجية مستقلة وإعادة هيكلة علاقتها بالولايات المتحدة".

وأضاف "يعتقد القادة الأتراك نظرا إلى أهمية تركيا، أن بإمكانهم من خلال التصرف بهذا القدر من الحزم، إرغام واشنطن على إبداء المزيد من المراعاة للمصالح التركية".

وأوردت صحيفة "ملي غازيتي" التركية، أن البطارية الأولى من منظومات "إس-400" الروسية سينشرها العسكريون الأتراك بضواحي مدينة شانلي أورفا، بالقرب من الحدود مع سوريا.

وأوضحت الصحيفة أن القرار بنشر الصواريخ في هذا المكان بالذات، قبالة محافظة الرقة السورية، تم اتخاذه "بعد دراسة معمقة للمنطقة وتقديرها من قبل السلطات".

وأضافت "ملي غازيتي" أن ثمة خططا لنشر بطارية أخرى من "إس-400" في محافظة مرسين، بشرق شواطئ تركيا المتوسطية، أو في محافظة هاطاي جنوب البلاد.

وتخصص منظومة "إس-400" الروسية لمواجهة الطائرات الاستراتيجية والتكتيكية والصواريخ الباليستية، وغيرها من وسائل الهجوم الجوي، في ظروف عمل منظومات تشويش إلكترونية وغيرها. وبمقدور المنظومة تدمير الأهداف الطائرة على مدى 400 كلم والأهداف الباليستية المحلقة بسرعة تبلغ 4.8 كلم في الثانية، على ارتفاعات تتراوح بين عدة أمتار وعشرات الكيلومترات.