'تراكم شعور الاردن بالوحدة' يعرّضه لضغوطات لتمرير صفقة ترامب

'تراكم شعور الاردن بالوحدة' يعرّضه لضغوطات لتمرير صفقة ترامب
الخميس ٢٩ أغسطس ٢٠١٩ - ٠٤:٥٨ بتوقيت غرينتش

قد لا تخدم الأردن أبداً تصريحات مبعوث أميركا للشرق الأوسط جيسون غرينبلات عن تأجيل الشق السياسي في "خطة السلام" الامريكية المعروفة بصفقة القرن الى ما بعد الانتخابات الإسرائيلية المبكرة المفترض انعقادها منتصف الشهر المقبل، ليس فقط لقصر المدة حتى ذلك التوقيت ولكن لكون العاصمة عمّان دفعت وتفعل أكثر من المتوقع كضريبة للاستحقاق المذكور.

العالم- الأردن

النظرة الاستراتيجية للمشهد الأردني يمكنها ملاحظة سلسلة التوترات الاقتصادية والسياسية التي حلت بالأردن بمجرد بدء الحديث عن صفقة وخطة يديرها فريق الرئيس الأمريكي المتشدد سياسيا دونالد ترامب، وتأجيل اعلان الصفقة يعني بالضرورة استمرار الضغوط على عمان دون أي إيضاحات ومواقف معلنة.

بالنظر الى الاقتصاد والذي لا ينفصل عن السياسة وفق التقييمات الاستراتيجية، يمكن ادراك ان الأردن يعاني الوحدة في محيطه والعالم، ويتضاعف أثر هذه الوحدة طالما اقتصاديو المملكة أيضاً لا يستطيعون اتخاذ خطوات أكثر جرأة تنهض باقتصاد بلادهم أكثر وتسهّل حياة المواطنين من جهة، وتجلب المستثمرين من جهة أخرى.

بهذا الوصف يمكن مجدداً استدعاء مشهد ترؤس ملك الأردن لاجتماع مجلس الوزراء قبل أيام وهو يستخدم ولمرة نادرة صفته كرئيس للسلطة التنفيذية، ويطلب من الوزراء ان يزودوه بما انجزوه في عدة سياقات قبل نهاية العام الحالي (2019) ثم يذكرهم ان له 20 عاما والاشكالات تحصل بصورة مماثلة. هذه المفردات تؤكد ان عاهل البلاد غير راضٍ على مسيرة اقتصاد بلاده رغم ثقته وقربه من رئيس وزرائه الدكتور عمر الرزاز.

عاهل الأردن والذي سأل تحديدا عن متابعة مخرجات مؤتمر لندن بعد عودة طازجة له من العاصمة البريطانية، من الواضح انه استمع لما لا يحب ان يسمعه من المسؤولين البريطانيين، ليس فقط حول تجاهل وضعف مهنية عدد من الاقتصاديين الأردنيين في رتبة وزير أو ما دونها ولكن أيضا حول تحول حكومة لندن الحالية بقيادة رئيس الوزراء الجدلي أيضا بوريس جونسون لواحدة من أدوات الإدارة الامريكية الضاغطة على عمان في سياق الصفقة الامريكية المعروفة باسم “صفقة القرن”.

حكومة جونسون تعذّرت من عمان عن متابعة التفاصيل باعتبارها اليوم منشغلة بملف الخروج من الاتحاد الأوروبي “بريكست” الذي من المتوقع ان يؤثر بصورة كبيرة على مصير الاقتصاد البريطاني لبضعة أعوام.

في المقابل، ترزح عمان تحت ضغوطات أمريكية كبيرة ضمن اطار صفقة القرن، وهو الامر الذي كشف الاقتصاد المحلي الأردني المعتمد على المساعدات والمنح فقط، والذي لم تستطع حكومة يقودها احد ابرز خبراء الدراسات الاكتوارية (الدكتور الرزاز) من معالجته خلال العام الأخير، ولا يزال الرئيس يذكر (حتى في مداخلته امام الملك) أن الاقتصاد مليء بالتشوهات وبحاجة لمعالجات.

ورغم رفع شعارات النهضة والاعتماد على الذات، بقيت عمان وشقيقاتها من المحافظات الأردنية تحيا في مستوى ازمة اقتصادية غير مسبوقة ويتحدث الخبراء الدوليون على ان الاقتصاد الأردني خلال اشهر مقبلة قد يتعرض للانكشاف.

عاهل المملكة وهو يمنح فرصة لفريق الرزاز لتقديم خططهم قبل نهاية العام يدرك حقيقة اقتصاد بلاده جيدا ويدرك اكثر ان محيطه الإقليمي بعد حليفيه العالميين لم يعد يحفل كثيرا بعمان واقتصادها.

بريطانيا وأميركا تستغلان اذن الازمة الاقتصادية التي تحياها المملكة بينما يراقب الاتحاد الأوروبي ويحاول إيجاد وسائل لمساعدة محدودة، ويشكو من قصور في الجانب الأردني المفاوض والمحاور والمتابع لاي منح او قروض عبره، في وقت يدرك فيه ان البلاد بحاجة لعملات اجنبية وتسهيلات خارجية.

في الاثناء، حليفا الأردن التقليديين في الرياض وأبو ظبي منشغلان بنفسيهما بصورة لا تصدقها مراكز القرار المحلية في الاردن ولا مراكز الدراسات الدولية، وتؤكد ان الضغط في سياق تمرير صفقة القرن من أبو ظبي والرياض يسير على قدم وساق وتتصدره السعودية لصالح التغيير بوضع المقدسات، وسحب الوصاية على القدس من الاردن.

أبو ظبي من جانبها تريد استخدام عمان في عدة ملفات خارجية واهمها الملف الليبي الذي لا تزال عمان- رغم تورطها فيه- تفضّل ان تظل مشاركتها فيه ضمن نطاق محسوب ومحدود.

يفرض بهذا المعنى الاستحقاق السياسي المتمثل بصفقة القرن ايقاعه على الاقتصاد الأردني، والأخير مشوّه ومتهالك من الداخل وتحتاج معالجته للكثير من المرونة التي لا يبديها فريق الدكتور الرزاز، ما أدى لفشله في سياق الإصلاح الضريبي وحتى بناء علاقات اقتصادية جيدة مع محيط الأردن على أسس براغماتية، إذ علاقة عمان اليوم مع سوريا تكاد تستحيل للعدم، وعلاقته مع العراق بطيئة ومحفوفة بالعقبات وكذلك مع مصر.

العلاقة مع الفلسطينيين تبدو جيدة سياسيا الا ان إيقاع الإشكالات الفلسطينية من جهة وصفقة القرن من أخرى تفرض نفسها على الجانبين، في وقت يبدو فيه اليمين الإسرائيلي منقلبا تماما على كل الاتفاقيات المكتوبة وغير المكتوبة مع الأردن، وعلى مصالح عمان.

يحصل هذا كله بينما تصطدم أيضا سياسة الانفتاح على المحور القطري التركي بالكثير من العقبات وتنمو العلاقات ببطء سلحفائي مع تراكم المخاوف الداخلية الأردنية تارة، وتزايد الانقسام في مراكز القوى في الأردن حول التعامل مع الدولتين تارة ثانية، في وقت تنشغلان هما فيه بدورهما بالتصعيد في الخليج (الفارسي) وسوريا وغيرها.

بكل الأحوال، تدفع عمان اليوم بوضوح ثمن سنوات من السياسات الاقتصادية الفاشلة والمعتمدة على الخارج ما يجعلها امام مأزق حقيقي عنوانه “بيع القرار السياسي” امام استحقاق صفقة القرن وهو الامر الذي ليس سهلا ان تختاره دولة كالاردن ليس فقط لخطورته على البلاد والمواطنين بل لانه ببساطة قد يسهم بوضوح في خلخلة كل اساسات الأردن الذي يعرفه العالم.

لذا مطلوب من الفريق الاقتصادي المتوقع استجلابه للحكومة خلال فترة وجيزة ان يتخذ قرارات تسيّر عجلة الاقتصاد بصورة اكثر سرعة لغايات تحريك السوق قبل مرور الأشهر الخطرة المقبلة عليها عمان.

* رأي اليوم