تونس تنتخب برلمانا جديدا في مناخ سياسي متوتر

تونس تنتخب برلمانا جديدا في مناخ سياسي متوتر
الأحد ٠٦ أكتوبر ٢٠١٩ - ١١:٤٣ بتوقيت غرينتش

فيما تتواصل عمليات الاقتراع في الخارج لليوم الثالث، فتحت مراكز الاقتراع في تونس، أبوابها أمام الناخبين للإدلاء بأصواتهم في ثاني انتخابات برلمانية بعد إقرار الدستور الجديد للبلاد. ويحق لأكثر من سبعة ملايين تونسي التصويت لانتخاب برلمان جديد يتوقع ان تكون تشكيلته مفتوحة على كل الاحتمالات وسط تنافس شديد بين القوى السياسية ومخاوف من تشتت المشهد الانتخابي.

العالم- تقارير

يواصل الناخبون التونسيون الإدلاء بأصواتهم في ثاني انتخابات برلمانية بعد إقرار الدستور الجديد للبلاد عام 2014. ودُعي أكثر من 7 ملايين ناخب تونسي لاختيار برلمان جديد يتألف من 217 مقعداً يتنافس عليها نحو 15 ألف مرشح من أحزاب وائتلافات ومستقلين، في ظل مخاوف من تداعيات نتائج الدورة الأولى من الانتخابات الرئاسية على الناخبين.

وأظهرت توجّهات التصويت الرئاسي في الدورة الأولى أنّ الناخبين التونسيّين اختاروا اللجوء الى "تصويت العقاب" ضدّ رموز المنظومة الحاكمة التي عجزت عن إيجاد حلول اقتصاديّة واجتماعيّة وبخاصّة في ما يتعلّق بالبطالة وارتفاع الأسعار والتضخّم.

واسفرت الدورة الأولى للاستحقاق الرئاسي، التي أجريت قبل نحو ثلاثة أسابيع، عن وصول وجهين جديدين إلى جولة الإعادة هما قيس سعيّد الأكاديمي المستقل، ونبيل القروي قطب الإعلام المحتجز منذ أغسطس/آب الماضي بتهمة غسل الأموال والاحتيال الضريبي والذي ينفي ما ينسب إليه من اتهامات. ومن المقرر أن يتنافس المرشحان الفائزان في الدورة الثانية يوم 13 أكتوبر/تشرين الأول الجاري.

وبحسب الهيئة العليا المستقلة للانتخابات التونسية فمن المقرر أن تستمر عملية التصويت في الانتخابات البرلمانية حتى الخامسة مساء بتوقيت غرينتش في حين قد شرع المواطنون المقيمون بالخارج في التصويت منذ أول أمس الجمعة، على ان يستمر تصويتهم حتى اليوم الاحد.

وأعلن عضو الهيئة العليا المستقلة للانتخابات التونسية أنيس الجربوعي أن نسبة التصويت في الانتخابات البرلمانية بالخارج بلغت حتى أمس السبت 7%.

وحول الاقتراع بالداخل، قال الجربوعي -في تصريح إذاعي- إنه تم ترتيب كافة الإجراءات بالتعاون مع الجيش الوطني ووزارة الداخلية لتأمين مراكز الاقتراع، ونقل المواد الانتخابية إلى جميع المراكز الانتخابية بمختلف الولايات.

متنافسون جدد

وتعدّ الانتخابات الحاليّة مفصلية في تاريخ البلاد التي تمرّ بأزمات اقتصاديّة واجتماعيّة خانقة منذ ثورة 2011.

ودخل الانتخابات البرلمانية متنافسون جدد الى جانب الأحزاب، على غرار المستقلّين الذي يمثّلون ثلثي القائمات المشاركة، ومن المنتظر أن يُحدِثوا مفاجأة وأن يحصلوا على عدد مهمّ من المقاعد.

وأثار ظهورهم بقوّة تخوّفاً لدى بعض الأحزاب، فقد دعا رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي إلى عدم التصويت لهم، معتبراً أنّ "التصويت للمستقلّين تصويت للفوضى".

وتمكّن حزب "قلب تونس" لمؤسّسه نبيل القروي من تكوين قاعدة شعبيّة مهمّة وذلك من خلال حملات التبرّع والزيارات الميدانيّة التي كان يقوم بها القروي للمناطق الداخليّة منذ ثلاث سنوات ووزّع خلالها مساعدات وسدّ فراغًا تركته السلطات في هذه المناطق المهمّشة.

ويُشير بعض استطلاعات الرأي غير الرسميّة الى أنّ "قلب تونس" سيتمكّن من نيل المرتبة الأولى أو الثانية.

وأعلن "قلب تونس" في المقابل أنه لن يخوض في أيّ توافقات وتحالفات مع حزب النهضة واتّهمه "بالوقوف وراء سجن القروي" وبأنّه المستفيد من ذلك.

ويظهر حزب "ائتلاف الكرامة" كمنافس قوي على مقاعد البرلمان بعد أن نال رئيسه المحامي سيف الدين مخلوف ترتيباً متقدّماً في الدورة الرئاسيّة الأولى وحصد 4,3 في المئة من الأصوات.

وتضمّ قائمات "ائتلاف الكرامة" مرشّحين محافظين، وكانوا عبروا عن دعمهم لسعيّد.

كما ان جمعية "عيش تونسي" التي تديرها ألفة تراس تنافس على مقاعد في البرلمان وقد دشنت حملة انتخابية تقوم على مقاومة الفساد ومعالجة المشاكل الاقتصادية في البلاد.

ويجعل تعدد الأحزاب واختلافها من إنجاز بقيَّة مراحل المسار الانتخابي أمراً صعباً، خصوصاً أنّ تشكيل الحكومة يتطلّب توافقاً واسعاً وغالبيّة 109 أصوات. وتظهر في الأفق بوادر نقاشات محتدمة من أجل التوصّل إلى توافقات.

برلمان مشتت

ويتوقع مراقبون أن يصبح المشهد السياسي في البلاد مشتّتاً، مع تركيبة برلمانيّة مؤلّفة من كُتل صغيرة، ما سيجعل من الصعب التوافق على تشكيلة الحكومة المقبلة، وذلك على ضوء نتائج الدورة الأولى من الانتخابات الرئاسيّة التي أفرزت مرشحين غير متوقّعين.

وهيأت هذه النتيجة مسرح الأحداث لانتخابات صعبة اليوم، وتصويت يمكن النظر إليه باعتباره أكثر أهمية من الانتخابات الرئاسية ذاتها، لأن البرلمان هو الذي سيشكل الحكومة المقبلة.

وبموجب دستور 2014 يكون رئيس الوزراء المنتمي لأكبر حزب بالبرلمان هو المهيمن على معظم السياسات الداخلية، في حين يتحمل الرئيس المسؤولية المباشرة عن الأمور الخارجية والدفاع.

الائتلاف الحكومي

وإذا فشل أكبر حزب في الفوز بعدد كبير من المقاعد، مع وجود الكثير من المستقلين، فقد يجد صعوبة في تشكيل ائتلاف يضم ما يصل إلى 109 نواب مطلوبين لتأمين الحصول على دعم بالأغلبية لحكومة جديدة.

وتكون أمامه مهلة شهرين من تاريخ الانتخابات: إما أن ينجح في ذلك أو يكلف الرئيس شخصية أخرى بتشكيل حكومة. وإذا فشل، فستجرى الانتخابات مرة أخرى.

حملات الانتخابات

ولم تكُن حملات الانتخابات النيابيّة لافتةً، بل كانت باهتةً أحياناً، بسبب تغيير روزنامة الانتخابات بتقديم موعد الرئاسية على البرلمانية جرّاء وفاة الرئيس الباجي قائد السبسي، إضافة إلى "صدمة" الدورة الأولى من الانتخابات الرئاسيّة.

وسجّلت انتخابات الدورة الرئاسيّة الأولى نسبة مشاركة ناهزت الخمسين في المئة. وتحضّ الهيئة العليا للانتخابات المسجّلين على التوجّه الأحد بكثافة للتصويت.

ونظّم التلفزيون الحكومي ثلاث مناظرات تلفزيونيّة لمرشّحين للانتخابات البرلمانية، إلا أنّها لم تلق نجاحاً ومتابعة من التونسيّين كما كان عليه الحال في الدورة الرئاسيّة الأولى.

كما كان لاستمرار سجن القروي ورفض مطالب الإفراج عنه منذ توقيفه في 23 آب/أغسطس الفائت تأثير على المشهد الانتخابي، وتصَدَّرت قضيّته الجدل السياسي خلال الأيّام السابقة.

ملفات حساسة

وأمام البرلمان الجديد ملفّات حسّاسة ومشاريع قوانين أثارت جدلاً طويلاً في السابق وأخرى مستعجلة وأهمّها احداث المحكمة الدستورية وقانون الماليّة للسنة المقبلة.

ولم تتمكّن البلاد من التوفيق بين مسار الانتقال السياسي الذي تقدّم بخطوات كبيرة منذ الثورة، وبين الانتقال الاقتصادي والاجتماعي الذي لا يزال يُعاني مشاكل لم تستطع الحكومات المتعاقبة إيجاد حلول لها.

وتجري الانتخابات فيما تعيش تونس تهديدات أمنيّة متواصلة، ولا تزال حالة الطوارئ سارية إثر عمليّات مسلحة في السنوات الفائتة ألحقت ضرراً كبيراً بقطاع السّياحة الذي يُعدّ أحد ركائز الاقتصاد التونسي.