الاعتداء التركي.. ما هي النتائج المتوقعة؟ ومن سيكون الخاسر الأكبر؟

الاعتداء التركي.. ما هي النتائج المتوقعة؟ ومن سيكون الخاسر الأكبر؟
الخميس ١٠ أكتوبر ٢٠١٩ - ٠٦:١٣ بتوقيت غرينتش

مصطفى أتاتورك مُؤسّس الجمهوريّة التركيّة الحديثة له مقولةٌ تُدرّس في الجامعات والمدارس التركيّة تقول “الدخول في حروب جريمة ما لم تتعرّض حياة الأمّة للخطر”، ومن المُؤكّد أنّ الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان يحفظها عن ظَهر قلب، ولكنّه وهو العثماني رفض الأخذ بها، ولا بنصيحة حليفه الجديد فلاديمير بوتين الذي طالبه في اتّصالٍ هاتفيٍّ بـ”التّفكير مَليًّا” قبل شَن الهُجوم على شِمال شرق سورية للقَضاء على سيطرة ميليشيات سورية الديمقراطيّة.

العالم - سوريا

أردوغان أعلن بنفسه بِدء هذا الهُجوم، وبدأت الطائرات الحربيّة التركيّة غاراتها امس الأربعاء على مِنطقة “رأس العين” الحُدوديّة، الأمر الذي أثار حالةً من الهَلع في صُفوف السكّان، ودَفع الآلاف منهم إلى الهرب إلى مناطق يعتقدون أنّها آمنة.

وجرى تحشيد مِئات العربات التركيّة المُدرّعة، وأكثر من 80 ألفًا من ميليشيات ما تسمى بـ" الجيش الحر" والفصائل السوريّة الأُخرى التي تأتَمِر بأمر القيادة التركيّة وان الهجوم البري قد يكون مُكلفًا بشريًّا سواءً في صُفوف المدنيين أو المُدافعين من العرب السوريين أو الأكراد أو القوّات الغازية نفسها.

السلطات التركيّة شنّت هذا الهُجوم بعد انسحابٍ جزئيٍّ للقوّات الأمريكيّة من المناطق المُستهدفة، وتخلّي الأمريكان عن حُلفائهم الأكراد، وطعنهم في الظّهر وتركهم يُواجهون مصيرهم ضِد عدو قويّ مرّةً أُخرى.

أردوغان هدّد وتوعّد وحشد الدبّابات والعَربات المُدرّعة على حُدود المِنطقة المُستهدفة شِمال شرق سورية على أمل أن يتم التدخّل، من روسيا أو أمريكا للتوسّط للوصول إلى حلٍّ تفاوضيٍّ، مثلما جرى في مرّاتٍ سابقة، ولكن لم يجِد استجابةً، لأنّ جميع الأطراف، والروس والسوريّون خاصّةً يرفضون مِثل هذا الهُجوم، ويعتبرونه عُدوانًا وانتِهاكًا للسيادة السوريّة.

مُشكلة الأكراد، سواء في شِمال سورية أو شِمال العِراق، أنّهم يُفضّلون دائمًا التّحالف مع أعداء أشقائهم العرب، والأمريكيين والإسرائيليين على وجه الخُصوص، ولا يعترفون بهويّتهم الوطنيّة السوريّة، إلا بعد أن يطعنهم هذا الحليف الأمريكيّ الخائن في الظّهر، ويُفضّل عليهم أعداءهم الأتراك.

بعد أن بات الانسحاب الأمريكيّ مُؤكّدًا، وبدء الهُجوم التركيّ في غُضون ساعات، بدأ “الإدارة الكرديّة الذاتيّة” التي تُمثّل أكراد سورية إطلاق نداءات الاستغاثة سواءً للروس، أو للحُكومة السوريّة بالتدخّل لحمايتهم من هذا الهُجوم التركي، وقال بيان صادر باسمها “الحل الأمثل من أجل نهاية الصّراع والأزمة يكمُن في الحِوار وحل الأمور في الإطار السوري السوري”، وناشدت روسيا بـ”القيام بدور الضّامن في الحِوار مع دِمشق”.

القِيادة السوريّة استقبلت وفدا يُمثّل هذه الإدارة الكرديّة في دِمشق، وجرى التوصّل إلى تفاهماتٍ تعهّدت فيها هذه القِيادة بحماية الأكراد والدّفاع عنهم في مُواجهة أيّ هُجوم تركي، ولكنّهم نكثوا كُل هذه الاتّفاقات، وذهبوا إلى الأمريكان ووقفوا في خندقهم ضِد الدولة السوريّة، فهم يُصبحون مُواطنين سوريّين من واجب الدولة حِمايتهم عندما يُريدون، وأكرادًا يُريدون التّمسّك بهُويّتهم الكرديّة، والانفصال عنها، عندما يتلقّون أيّ إشارةً بالدّعم من أمريكا.

الحُكومة السوريّة، ورغم هذه الجُحود الكرديّة، أكّدت مُنذ اللّحظة الأُولى لبِدء الحُشودات التركيّة استعدادًا للهُجوم “تنديدها بنوايا أنقرة العُدوانيّة وتعهّدت بالتّصدّي لأي هجوم تركي”، وقال مصدر رسمي في الخارجيّة السوريّة في بيانٍ نقله الإعلام “نُدين بأشد العبارات التّصريحات الهَوجاء والنوايا العدوانيّة للنظام التركي والحُشود العسكريّة على الحُدود السوريّة” مُؤكّدًا “التّصميم والإرادة على التصدّي لهذا العُدوان بكافّةِ الوسائل المشروعة”، وشدّد البيان “أنّ سورية على استعدادٍ لاحتضان أبنائها الضّالين إذا عادوا إلى جادّة الصّواب”، وهذا ليس غريبًا على تسامُح القِيادة السوريّة وسِعَة صدرها.

لم تُقدّم أيّ حُكومة أخرى للأكراد مثلما قدّمت الحُكومة السوريّة الحاليّة، 300 ألف كردي، مُعظمهم جاءوا لاجئين من تركيا هَربًا من الاضطهاد، ولكنّهم، أو نسبة كبيرة، منهم ردّت على هذا الجميل بالانخِراط في المشروع الأمريكيّ الهادِف إلى تفتيت سورية ووحدتيّها الديمغرافيّة والجُغرافيّة.

الحرب في بدايتها ومَحفوفةٌ بالمخاطر بالنّسبة للرئيس التركي، خاصّةً في ظِل غِياب الدّعمين الروسيّ والإيرانيّ بَل ومُعارضتها كُلِّيًّا، والاستعداد السوريّ للتصدّي لهذا الهُجوم، وهو تصَدٍّ مشروع، ودِفاعًا عن التّراب الوطنيّ.

الرئيس التركي يُؤكّد أنّه يخوض هذه الحرب دِفاعًا عن الأمن القومي التركي في مُواجهة الارهاب، وهذا حَقٌّ مَشروعٌ أيضًا، ولكن ليس بالغزو والاحتلال، وإنّما بالحِوار مع الجار السوريّ وبرعاية الحَليف الروسيّ المُشترك.

الرئيس الروسي كان حكيمًا عندما اقترح حلًّا ناجِعًا ومُجرّبًا للطّرفين السوريّ والتركيّ، وهو إحياء اتّفاق أضنة الذي وقّعه مُمثّلون عن البَلدين عام 1998 وجرى الالتزام به، وحقّق نتائج كبيرة في مُكافحة الإرهاب وتحقيق السّلام والأمن للطّرفين، ولكنّ أردوغان رفض هذا الاقتراح الروسي، وفضّل اللّجوء للقوّة على التّنسيق والتّعاون والتّحاور مع دِمشق، وهذا أمْرٌ مُؤسِفٌ، وقد تكون تركيا الخاسر الأكبر من جرّاء هذا الخِيار المحفوف بالمخاطر وغير مضمون النّتائج.. واللُه أعلم.

رأي اليوم