الأسد في إدلب... معالم المرحلة المقبلة ارتسمت

الأسد في إدلب... معالم المرحلة المقبلة ارتسمت
الأربعاء ٢٣ أكتوبر ٢٠١٩ - ٠١:٤٣ بتوقيت غرينتش

اليوم الثاني والعشرون من شهر تشرين الأول / أكتوبر ، ربما سيكون بداية لمستقبل جديد للمنطقة.. بداية هذا اليوم كانت طبيعية جداً، حتى شاهد الجميع صور الرئيس السوري بشار الاسد، في واحدة من أخطر جبهات القتال في المنطقة ككل إن لم يكن في العالم “إدلب”.

العالم - مقالات وتحليلات

لنفصّل المشهد كاملاً، أولاً الرئيس وصل إلى الخطوط الأولى للجبهة في منطقة الهبيط بسيارته المدنية وليس بحوامة أو بعربة عسكرية مصفحة. ثانيا كان بزيه المدني الكامل، وبدون درع واقٍ من الرصاص وهذا الأمر تحديداً كان واضحا في الصور التي نشرت للزيارة. ثالثا تفقد الضباط وصف الضباط والجنود كُل في موقعه وبسلاحه الكامل أيضاً وبدون أن يكون بينهم وبينه فاصل أو مرافقة شخصية له. وأشرف شخصياً على سير المعارك العسكرية في جبهة إدلب، وكانه يقول انا في سورية ولكن رسائلي وصلت الى سوتشي قبل ان يبدأ لقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع نظيره التركي رجب طيب اردوغان.

هذه الأمور مجتمعة ونضيف لها تأكيد الرئيس الأسد أن جبهة إدلب مهمة وأن المعركة في الشرق تهدف لتشتيت الجيش. وأن حسم معركة إدلب هو الأساس لإنهاء الفوضى والإرهاب في كل سورية. أمور تجعلنا نتصور معالم المرحلة المقبلة في الشمال الغربي. أولها أنّ القيادة في دمشق تتابع كل صغيرة وكبيرة في العمل العسكري مثل العمل السياسي ولا يغيب عنها أيّ تفصيل مهما كان صغيراً. ثانياً حسم معركة إدلب هو على رأس أولويات الدولة السورية، وإنّ صبر دمشق قد نفذ على التلكؤ التركي في تنفيذ إتفاقياته، وإن مناطق خفض التصعيد باتت أمراً ثانوياً بالنسبة لدمشق.

والنقطة المهمة التي يجب أن لا نغفل عنها هي الزيارات المتكررة التي يقوم بها الرئيس الأسد إلى الجبهة، وهناك قصة حدثني إياها صديقي الذي هو ضابط في الجيش السوري، وقال لي أنّ الرئيس الأسد يقوم بعدد كبير من الزيارات إلى جبهات القتال شهرياً، وهذه الزيارات لا يتم تصويرها، وانه وأصدقاءه في كل صباح أو مع بداية المساء ينتظرون هذه الزيارة. هذه القصة تؤكد على نقطة مهمة ألا وهي الترابط والتلاحم بين رأس القيادة وبين الجندي على الأرض، لذلك هذا الجيش لم يهزم.

زيارة الرئيس الأسد حملت العديد والعديد من الرسائل أهمها كانت للحلفاء الذين تحدثوا في الآونة الأخيرة عن نيتهم إيجاد تقارب بين دمشق وأنقرة، ونوع من المصالحة، ليخرج الرئيس الأسد وينسف كل ما قيل ويقال حول هذه الاشاعات، فلا مصالحة مع لص سرق كل شيء، لأن المصالحة لا تكون مع الممثل والبيدق، بل تكون مع المشغل له وليس الشغيل، وطالما أنَّ دمشق لا تقبل المصالحة مع الذي يعطي أردوغان الأوامر، فلن تقبلها معه، لأنها عبارة عن مضيعة للوقت ليس إلا.

الرئيس الأسد هو في الأصل طبيب لذلك مهنة الطب وخصالها متأصلة به لأبعد الحدود، لذلك يشخص الحالة بدون رتوش ومجاملات، ويقول ماهو المرض وكيفية العلاج. لذلك نقل الصورة واضحة عما يحدث في الشرق السوري، وأن المتهم الاول هم الإنفصاليون الذين تجاهلوا تحذيرات دمشق المتكررة بأنَّ الأميركي سيتركهم لمصيرهم أمام أيّ مواجهة مع تركيا، ومع ذلك رفضوا وأصروا على الرفض، وبسبب هذا التعنت كانوا المطية والحجة التي سهلت على التركي إجتياح الأراضي السورية.

الرئيس الأسد أشار في كلامه إلى نقطة مهمة جداً، ودائماً ما كنت اتحدث عنها أثناء إعداد التقارير الأخبارية، ألا وهي أنَّ الأتراك يتقدمون بطريقة سريعة جداً في الشمال الشرقي السوري، وسط مقاومة ضعيفة جداً من قبل قسد وحلفائها الإنفصاليين، وكان السؤال هنا لماذا؟ والجواب واضح وهو أنَّ قدرتهم القتالية محدودة جداً وخبرتهم فيها أيضاً، ومعاركهم مع داعش كانت إعلامية أكثر من أن تكون واقعية، مثلاً مدينة الرقة دمرت تماماً حتى دخلوا إليها مثلها مثل الطبقة، وإلى الآن هناك علامات إستفهام كبيرة وكثيرة حول كيفية القضاء على داعش في مناطقهم وأين هم قيادات الجماعة.
وبالتالي ما كان من الدولة السورية إلا أن تصرفت بحكمة كبيرة، وأرسلت الجيش السوري ليكون سداً مانعاً أمام أي تقدم تركي. ليعود الرئيس الأسد ويعرض المساعدة على أي مجموعة تريد مقاومة الإحتلال التركي، مثلما كانت دمشق هي السباقة لدعم أي جماعة تقاوم داعش، قبل أن ينقلب الكرد ويذهبوا للحضن الأميركي.

هذا اليوم كان متميزاً ومفصلياً بسبب إنقعاد القمة الروسية التركية بخصوص سورية، وما أن انتهت حتى أتصل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالرئيس الأسد وأطلعه عما تم الإتفاق عليه. لنرى موقفاً حازماً جداً من قبل دمشق بأنها لن تقبل أي إحتلال وستقوم بمواجهته، وإستعداد قوات حرس الحدود السورية للتوجه إلى الشمال.
هذا الموقف القوي يؤكد أنَّ دمشق لن تقبل أي قرار يتخذ إن كان لا يخدم مصلحة البلاد واستقلالها وسيادتها قبل أي شيء.

الرئيس الأسد أكد مرة أُخرى أنّه سياسي بارع، وعسكري محنّك، وطبيب ناجح، دائماً يواجه أي مخطط ضد سورية بزيه المدني.

ابراهيم شير - كاتب واعلامي سوري