عطوان: سر هجوم الأسد الشرس على اردوغان بالتزامن مع الاتفاق الروسي التركي

عطوان: سر هجوم الأسد الشرس على اردوغان بالتزامن مع الاتفاق الروسي التركي
الأربعاء ٢٣ أكتوبر ٢٠١٩ - ٠٦:١٣ بتوقيت غرينتش

أن يذهب الرئيس بشار الأسد إلى مدينة إدلب في الوقت الذي كان الرئيسان الروسي والتركي يعلنان بنود الاتفاق الذي توصلا إليه بعد اجتماع صعب استمر أكثر من ست ساعات متواصلة لبحث تطورات الأوضاع في شمال سوريا، ويشن هجوما "شرسا" على خصمه رجب طيب أردوغان يستخدم فيه ألفاظا وتوصيفات غير مسبوقة، مثل اتهامه "باللصوصية"، فإن هذا يعني ثلاثة أمور أساسية:

العالم - سوريا

الأول: أن الرئيس السوري ليس راضيا كل الرضا عن هذا الاتفاق الروسي التركي، أو بعض بنوده، خاصة تشريع إقامة "المنطقة الامنة "التي أنشأها التوغل العسكري التركي، بطول 120 كم وعمق 32 كم في شمال سوريا، وإخلاء المسلحين الأكراد منها، وقيام القوات التركية والروسية بدوريات مشتركة فيها.
الثاني: تمهيد الرئيس الأسد للبدء في معركة إدلب التي وصفها بأنها الأساس لحسم الحرب المستمرة في سوريا، فليس لزيارته المفاجئة هذه التي تتسم بطابع التحدي أي معنى اخر.
الثالث: عدم نجاح الجهود الروسية لترتيب لقاء مباشر وعلني لمسؤولين سياسيين من الجانبين السوري والتركي، سواء على مستوى وزراء الخارجية، أو على مستوى القمة، فلو كانت هذه الجهود الروسية المبذولة منذ أشهر لعقد مثل هذه اللقاءات على أرضية إحياء اتفاق "أضنة"، حققت النجاح المطلوب، لما أقدم الرئيس الأسد على هذا الهجوم الشرس مع الرئيس أردوغان، وفي مثل هذا التوقيت.
***
إذا نظرنا إلى هذا الاتفاق الروسي التركي من زاوية الربح والخسارة، يمكن القول بأن الأكراد خرجوا الخاسر الأكبر منه، لأن أحلامهم في إقامة إدارة ذاتية في الشمال السوري، ناهيك عن قيام جيب مستقل، قد تبخرت كليا، بعد أن خذلهم حلفاؤهم الأمريكان كالعادة، وسحبوا جميع قواتهم من المنطقة وجعلوهم يواجهون مصيرهم لوحدهم عراة من أي دعم.
أما الرابح الأكبر حتى الان، فهو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي بات صاحب الكلمة الأخيرة في الحرب السوريا، وصانع الحرب والسلام في الوقت نفسه، وكل هذا على حساب المشروع الأمريكي الذي مني بهزيمة كبرى، رغم إنفاق الإدارة الأمريكية وحدها، وباعتراف الرئيس دونالد ترامب، أكثر من 70 مليار دولار.
الاتفاق الأمريكي الذي هلل له ترامب واعتبره انتصارا ضخما، لم يعمر إلا بضعة أيام، وحصد الرئيس بوتين كل ثماره دفعة واحدة، وسحب من الرئيس الأمريكي إنجازه الوحيد الذي أراد أن يستخدمه لتغطية هزيمته، وإنقاذ ماء وجهه، وتبرير تخليه عن حلفائه الأكراد الذين خاضوا حربه الكبرى ضد "داعش" في شمال سوريا، وخسروا فيها الالاف من القتلى والجرحى، ولا نعتقد أن الرئيس ترامب سيكون ممنونا من هذه الصفعة المؤلمة، وربما يعود إلى تهديداته.
الطرف السوري حقق بعض المكاسب، أبرزها عودة الابن الكردي الضال إلى الحاضنة السورية الأم بوساطة روسية، ووصول قوات الجيش العربي السوري إلى الحدود التركية الشمالية وإقامة قواعد فيها، واستعادة السيادة على العديد من المناطق الاستراتيجية وأبرزها الأراضي الزراعية الخصبة، وبعض ابار النفط والغاز شرق مدينة دير الزور بعد انسحاب القوات الأمريكية المفاجئ منها، لكن من الصعب إنكار وجود القوات التركية على الأراضي السورية، وإقامة المنطقة الامنة المذكورة انفا، وبموافقة روسية، ولاجال غير محدودة، حيث لم تتطرق النقاط العشر من الاتفاق الروسي التركي إلى تحديد واضح في هذا الشأن، فهذا الوجود يشكل انتهاكا للسيادة السورية.
اتفاق "أضنة" الذي جرى توقيعه عام 1998 بين الجانبين السوري والتركي، ويعتبر أساسا لهذا الاتفاق، لا ينص على وجود أي قوات تركية على الأراضي السورية، وإنما يسمح بتوغل هذه القوات بعمق خمسة كيلومترات لمطاردة "الإرهابيين" إذا لزم الأمر، وليس الإقامة بصفة "مؤقتة" أو "دائمة".
أن تقوم القوات العسكرية الروسية بدوريات مشتركة مع نظيرتها التركية في "المناطق الامنة" المقترحة، وليس القوات السورية، يظل أمرا مقلقا، إن لم يكن محرجا للقيادة السورية، ربما تقبله مضطرة، وعلى مضض، لتجنب الصدام مع الحليف الروسي، مع الاعتراف أن التفاصيل الكاملة عن الاتفاق الروسي التركي في قمة سوتشي الثلاثاء ما زالت سرية، وغير معروفة بالنسبة لوسائل الإعلام على الأقل.
***
هناك حالة من الغموض تسيطر على المشهد السوري بعد قمة سوتشي والولادة العسيرة، وربما القيصرية، للاتفاق الذي نتج عنها بين طرفيها، ولا نملك إلا انتظار انقشاع الغبار وظهور الحقائق واضحة على الأرض، ومثلما تحفظنا ولم نكن من بين المهللين للاتفاق التركي الأمريكي، سنفعل الشيء نفسه، ولو مؤقتا، تجاه الاتفاق الروسي التركي الأخير، وهذا عين الحكمة والعقل في اعتقادنا.. والله أعلم.

عبد الباري عطوان - رأي اليوم