امريكا في قلب الاحتجاجات.. محامي الشيطان في ازمة لبنان

امريكا في قلب الاحتجاجات.. محامي الشيطان في ازمة لبنان
الأربعاء ٠٦ نوفمبر ٢٠١٩ - ٠٨:٠٠ بتوقيت غرينتش

التدخل الامريكي وحلفائها بالازمة الشعبية اللبنانية يتكشف فصولا. وتصريحات مسؤولي البيت الابيض تدل على مدى تورط واشنطن بتفاصيل الشارع اللبناني.

العالم لبنان.

لم يعد هناك من شك بان الادارة الامريكية معها فريق الاحلاف العربي والغربي تلعب دور محامي الشيطان في ازمة لبنان وحراك شارعه المتفجر منذ اكثر من عشرين يوما.
فما تطالعنا به التصريحات الامريكية من مواقف ذات ابعاد ودلالات مشبوهة يراد منها تغليب وتحريض البعض على الاخر لا سيما الدفع باتجاه التحريض المباشر وشبه المباشر على سلاح المقاومة وركيزة لبنان القوية المتمثلة بثلاثيته الذهبية التي ادت الى ايجاد معادلة قوة وردع بوجه الاحتلال الاسرائيلي.

ويرى المراقبون ان ادارة ترامب وما سبقها من ادارات امريكية لم تكن يومن الى جانب لبنان بمعزل عن تامين مصالحها في المنطقة.وفي مقدمها حماية كيان الاحتلال الاسرائيلي والتغطية على جر ائمه بحق الشعوب الحرة في فلسطين ولبنان وسوريا.
وتشير المصادر الى الفترة الصاخبة، في ثمانينات القرن الفائت عندما قال وزير الخارجية الأميركي آنذاك جورج شولتز: "يجب فرض الحظر على لبنان لأنه موبوء بالطاعون". واليوم، هناك مَن يتذكّر هذه المقولة. فواشنطن تترك لبنان يغلي وحده، وتلتزم الصمت المطبق إزاء أعنف اهتزاز سياسي واقتصادي - وربما أمني - يتعرّض له وهذا المبتغى والهدف الامريكي حسب المراقبين .
وتقول المصادر مستشهدة بحالات تحدث في العادة،مثل حادثٌ عابرٌ في شارعٍ بيروتي يستدعي تعليقاً في المملكة العربية السعودية وحليفاتها الخليجيات ومصر. أما واشنطن، فقبل أسابيع قليلة، أصدرت بياناً من سفارتها في عوكر، يضع النقاط على الحروف، لمجرد أنها سجَّلت هجمة قاسية على رئيس "التقدمي" وليد جنبلاط.
وأمّا الفرنسيون الذين كانوا مُستنفرين، منذ عام ونصف العام، لمنع وصول لبنان إلى الأسوأ مالياً، فإنهم صامتون تماماً فيما الانهيار يكاد يصبح أمراً واقعاً.

إذاً، القوى العربية والدولية التي يعتمد عليها لبنان لإنقاذه، خصوصاً على الصعيد المالي، هي التي تضغط عليه اليوم، بل تستخدم الورقة لدفعه إلى النأي بنفسه عن إيران. وهذه العملية لم تبدأ اليوم، بل هي استكمال لمَسار أخذ يتكرّس في السنوات والأشهر الأخيرة ولماذا يُبدي الخليجيون دائماً كل استعداد لمساعدة لبنان، لكنهم يتراجعون عند التنفيذ؟ والتجربة المريرة التي خاضها الرئيس سعد الحريري قبل انتفاضة 17 تشرين بين فرنسا ودولة الإمارات كانت معبِّرة.

طبعاً، السعوديون هم أكثر المتحمّسين والمترقّبين لِما يجري اليوم في لبنان. وللمصادفة، هو يتزامَن مع الذكرى السنوية الثانية للأزمة التي مرّ بها الحريري، في 4 تشرين الثاني 2017. وهم يجدون أنّ الفرصة سانحة لإبعاد لبنان عن إيران، والباقي تفاصيل.

فالحرب على الفساد تقود حتماً إلى تسيير الدولة اللبنانية لشؤونها من داخل المؤسسات وبقواها الشرعية. وهذا يعني تلقائياً إبعاد نفوذ "حزب الله والبُعد السياسي لعملية الإصلاح هو ما تريده القوى الدولية والعربية المناوئة لمحور المقاومة وعلى الأرجح، أوقف الفرنسيون سلسلة مؤتمراتهم "الخيرية" للبنان، أي باريس 1 و2 و3، لأنهم يريدون تحقيق هذا الهدف أيضاً. فقد كان ممكناً أن يتعاملوا مع باريس 4، أي "سيدر"، كما تعاملوا مع المؤتمرات السابقة، بمزيد من "التطنيش" وتمرير المساعدات إلى لبنان من دون إلزامه بشروط الإصلاح.

وكذلك، كان واضحاً أنّ المؤسسات الدولية قررت التوقف عن مراعاة لبنان. ولذلك، خَفّضت تصنيفه السيادي، وأصدرت التقارير السلبية الصريحة حول أوضاعه المالية، خلافاً لما فعلته على مدى سنوات.

ويقول متابعون: ففي العمق، الكلمة السرّ موجودة في واشنطن. فعلى مدى 3 سنوات، أوصَلت رسائلها الواضحة إلى لبنان ومفادها أنّ أمامه خيارين: إمّا أن ينأى بنفسه عما تسميه النفوذ الإيراني، وإمّا أن يتحمل عواقب توسيع العقوبات لتشمل الدولة اللبنانية ككل.

وتتابع المصادر حتى الأمس القريب، بقي الأميركيون يحرصون على عدم إحراج لبنان، وأبقوا الباب مفتوحاً للتمييز بين حزب الله وشركائه في السلطة، على أساس أنّ هناك خصوصية معينة تُجبر الفئات الأخرى على مراعاة المكوِّن الأساسي في الطائفة الشيعية، حتى إشعار آخر.

لكنّ هذه المراعاة المزعومة زالت تحت وطأة "الكباش" الساخن المفتوح ولذلك، بدأ يرشح من الأوساط المعنية في واشنطن كلام أكثر جدية مَفاده أنّ العقوبات ستستهدف قوى لبنانية أخرى، إضافة إلى حزب الله، وهذا يعني التيار الوطني الحر تحديداً.
وفي الموازاة، تقول المصادر ان واشنطن، ومعها قوى دولية وعربية، تقود عملية عزل لبنان كله عن نفوذ "الحزب"، وهذا الأمر ستكون له عواقب قاسية على الوضع اللبناني، خصوصاً على المستويات الاقتصادية والمالية والنقدية.
وفي رأي المطّلعين أنّ الكلام على انخراط الولايات المتحدة في التضييق مالياً على لبنان، في هذه المرحلة، ليس دقيقاً. فهي لو قامت بذلك لَما تَمكّن لبنان من الصمود لأيام. إنها فقط رفعت جزءاً من غطائها الحامي للبنان الرسمي، كإنذار، كي تدفعه إلى النأي بنفسه عن نفوذ "الحزب". وتأجيل المساعدة المقرّرة للجيش، بمقدار 105 ملايين دولار، هي مجرد رسالة.
وهكذا، وانطلاقاً من مقولة شولتز عن البلد المَوبوء، يمكن القول إنّ الأميركيين يتصرفون اليوم وكأنّ الشرق الأوسط كله موبوء. ولذلك، يسحبون أيديهم من حروبه المباشرة، ويجلسون خلف الكواليس يترقّبون كيف تخوض شعوبه مواجهاتها وتعالج مشكلاتها بنفسها.

فهل تكتمل فصول المشهد حتى النهاية أم انّ المُخرِج سيَعمد إلى إجراء تغييرات على السيناريو؟ وما سيكون الاتجاه الغالب: المواجهة أو الصفقة فهل تؤسس التدخلات الخارجية الى مساحة فوضى لبنانية تذهب في نهايتها الى تامين مصالح المتدخلين على حساب المصلحة اللبنانية.

حسين عزالدين