مبادرات تطبيعية جديدة يقودها خليجيون

مبادرات تطبيعية جديدة يقودها خليجيون
الجمعة ٢٢ نوفمبر ٢٠١٩ - ٠٨:٥٨ بتوقيت غرينتش

تتواصل صور التطبيع العربية مع كيان الاحتلال الإسرائيلي، لا سيما من خلال الخطوات الأحادية؛ كالتي ظهرت عبر المطبع السعودي، محمد سعود، الذي قوبل بإهانة كبيرة من قبل الفلسطينيين، في يوليو الماضي، عندما زار المسجد الأقصى في القدس المحتلة.

العالم- السعودية

ثم عودة نفس الشخص ليروج للتطبيع في العاصمة الرياض؛ إذ نشر مؤخراً صوراً له بصحبة المبعوث الأمريكي إلى الشرق الأوسط، جيسون غرينبلات، أبرز المسؤولين عن "صفقة ترامب". ورد الأخير معبراً في تغريدة عن سعادته بصداقة سعود، وأنهما سيتحدثان عن "إسرائيل" والتطبيع مع العرب.

وبعيداً عن المطبع سعود، فإن تطبيعاً من نوع آخر بادرت به السعودية، من خلال الرياضة؛ وذلك حين زار وفد المنتخب السعودي لكرة القدم فلسطين المحتلة، أكتوبر الماضي.

ولم تكن البحرين أقل حظاً في التطبيع من السعودية، فهي التي استضافت، في يونيو الماضي، الورشة الاقتصادية الخاصة بصفقة القرن، في حين أن بادرة التطبيع كانت سبقت هذه الورشة؛ حين زار وفد بحريني ضم 24 شخصاً من جمعية "هذه هي البحرين" "إسرائيل".

ولم تكن الإمارات أفضل حالاً من البحرين؛ حيث شهد تطبيعها مع "إسرائيل" تصاعداً غير مسبوق في الفترة الماضية، كان آخر مظاهره احتفاء رئيس وزراء الاحتلال، بنيامين نتنياهو، بمشاركة كيانه المحتل في معرض "إكسبو الدولي 2020"، المقررة إقامته بالإمارات.

وقال موقع الخليج (الفارسي) اون لاين، ان خطوة جديدة للتطبيع بين دول عربية ودولة الاحتلال الإسرائيلي جاءت هذه المرة عبر مبادرة منظمات مجتمع مدني.

مبادرة التطبيع الجديدة شارك فيها 30 مندوباً من المجتمع المدني من 15 دولة عربية، بالإضافة إلى يهود غير إسرائيليين، التقوا في العاصمة البريطانية لندن، الأربعاء (20 نوفمبر الجاري)، لتشكيل مبادرة جديدة تحمل عنوان "المبادرة العربية للتكامل الإقليمي".

المؤتمر يستند لمبدأ عدم إقصاء أي دولة في شمال أفريقيا والشرق الأوسط، ومن ضمن ذلك كيان الاحتلال الإسرائيلي، من جهود التكامل والتعاون والشراكة في مختلف المجالات، لا سيما الثقافية والفكرية والاقتصادية، بحسب ما أوضحت قناة "الحرة"، التي انفردت بتغطية المؤتمر عربياً.

وقالت القناة: "ساد المؤتمر توجه واضح حول رفض التطرف والتشدد والإرهاب، وحمّل كثيرون المسؤولية للقراءة المغلوطة للدين الإسلامي"، مضيفة أن المشاركين اتفقوا "على أهمية مواجهة ما يسمى بشيطنة الآخر ورفض التحاور معه أو التعاون معه"، في إشارة إلى الطرف الإسرائيلي.

وذهب المشاركون، خصوصاً من البحرين وتونس والجزائر، إلى الإشادة بالدور الاجتماعي والثقافي والتراثي لليهود العرب في بلدانهم، سواء في السابق أو في الحاضر.

وأعرب ممثلون من دول عربية شهدت هجرة يهودية متعددة الدوافع؛ مثل لبنان وليبيا واليمن والجزائر، عن أسفهم لفقدان مواطنيهم اليهود الذين كان لهم دور مهم في التنمية والثقافة والاقتصاد في مجتمعاتهم.

بدوره يرى وسام عفيفي، المحلل السياسي الفلسطيني، أن لبعض دول الخليج الفارسي حصة الأسد من التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي، مشيراً إلى أن "مشروع التطبيع" ينقسم إلى قسمين؛ الأول قبل ثورات الربيع العربي، وكان فيه التطبيع مستتراً، والثاني بعد انطلاق هذه الثورات وأصبح فيه التطبيع مفضوحاً.

ويرى عفيفي الذي تحدث لـ"الخليج (الفارسي) أونلاين" أن المبادرات وتواردها بأشكال مختلفة، سواء على المستوى الرسمي أو المدني في المنطقة العربية، "بات من الخطورة بمكان؛ لأنه أصبح يأخذ مناحي وأشكالاً عديدة"، مشدداً على أن "هناك حالة اختراق مهمة سجلها الكيان على أكثر من صعيد في المنطقة".

وأضاف: إن "دول الخليج (الفارسي) حازت حصة الأسد من التطبيع؛ لاعتبارات عديدة ومهمة، لكن مبادرات التطبيع لم تنجُ منها بلدان أخرى".

عفيفي يجد أن من الممكن من خلال رصد سريع اكتشاف أن هناك محاولات للكيان للتواصل وخلق علاقات تطبيعية مع الدول مستفيداً من أحداث الربيع العربي.

ومن الواضح أن الولايات المتحدة تضغط نحو التطبيع بين دول خليجية و"إسرائيل"، وقد برز ذلك في عدد من المناسبات؛ لعل أبرزها كان مؤتمر وارسو، في يناير الماضي، الذي شاركت فيه دول خليجية و"إسرائيل" بزعم بحث التصدي لنفوذ إيران.

كما تضغط واشنطن لاتفاقية "لا حرب" بين دول خليجية و"إسرائيل"، ومن ضمن ذلك تعزيز التعاون الاقتصادي، طالما لم تحل القضية الفلسطينية.

في هذا الصدد يرى المحلل السياسي الفلسطيني أن المنظومة الدولية، وتحديداً أمريكا بعد تولي ترامب الحكم، ساهمت بالدفع نحو التطبيع العربي مع الكيان الإسرائيلي.

وذكر أن الشبكة التي تشمل كوشنر وغرينبلات والوزير الصهيوني فريدمان، ساعدت رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، في مشروع التطبيع.

في الصعيد العربي، والإقليمي تحديداً، اتخذت مناحي التطبيع أشكالاً عديدة غير الاتصالات السياسية والتلميحات والمؤتمرات الرسمية، أبرزها الرياضة، ومؤتمرات اقتصادية وطبية؛ بمعنى أنهم بدؤوا يدركون أن التطبيع في هذه المجالات مهم، يقول عفيفي.

وأوضح أن "انشغالات الشعوب والحركة الشعبية المناهضة للتطبيع جعلت هذه المبادرات تمر وتخترق الساحة العربية والأرض العربية"، لافتاً الانتباه إلى أنها حاولت أن تخترق العقل العربي.

واسترسل قائلاً: "تقبل العربي كل هذا الأمر، وبدأت هناك ظواهر مثل الشخصية السعودية النكرة (محمد سعود) التي زارت الكيان، بالإضافة إلى زيارة بعض الإعلاميين، لكن بالمجمل هناك سدود حاضرة تمنع مثل هذه الزيارات".

وأضاف: "تندرج في هذا السياق البحث عن أطر سياسية وأخرى مدنية يظهر فيها الإسرائيلي وكأنه غير فاقع في الظهور، ولكن في ثنايا وفي إطار اللقاءات يستطيع أن يحتل مساحات جديدة بين المثقفين والاقتصاديين ورجال الأعمال والرياضة".

وفي أغسطس الماضي، كشف تحقيق مطوّل نشرته صحيفة "هآرتس" العبرية عن إبرام أبوظبي صفقة ضخمة مع "إسرائيل"، بحيث تزودها الأخيرة بقدرات استخبارية متقدمة، تشمل طائرتي تجسس حديثتين.

وأشار التحقيق إلى أن هذه الصفقة بدأت تتبلور قبل عقد من الزمان؛ برعاية رجل أعمال إسرائيلي يدعى ماتي كوتشافي (MK).

الصحيفة العبرية لفتت الانتباه إلى أن ذلك يؤكد التقارير الصحفية الأمريكية، التي صدرت خلال الأيام الأخيرة، وقد تحدثت عن وجود "تعاون أمني بين "إسرائيل" والإمارات، رغم عدم وجود علاقات دبلوماسية علنية بين البلدين".

وسام عفيفي يعتقد في هذا الصدد أن المسؤولية لمن يتصدون لـ"أخطبوط التطبيع" في المنطقة كبيرة، ويرى أن هناك حاجة إلى "إعادة تعريف الهوية الوطنية والقومية، وإعادة الاحتلال إلى موقعه الطبيعي؛ باعتبار أنه العدو الأول في المنطقة، ومن المهم جداً أن لا تنسينا الصراعات الداخلية والاستقطابات والتحالفات السيئة هذا العدو".

كما يرى المحلل السياسي الفلسطيني أن الاحتلال سوف يوفر أدوات تدينه باعتبار أنه يبقى احتلالاً جاثماً على أرض عربية، وسوف يواصل ارتكاب مجازر وجرائم.

وختم يقول: إن "الاحتلال بحد ذاته يوفر جزءاً أساسياً وكبيراً من أدوات التصدي للتطبيع بجرائمه"، مشدداً بالقول: إن "هذا لا يعني أن نصمت؛ نحن بحاجة إلى جهد كبير على المستوى التثقيفي والإعلامي، وأيضاً الأطر السياسية والمدنية بحاجة بالتأكيد للتفعيل".