ماذا عن احترام مبادئ العدالة؟

هل نجحت السعودية في طي ملف الاغتيال بتسع جلسات؟

هل نجحت السعودية في طي ملف الاغتيال بتسع جلسات؟
الثلاثاء ٢٤ ديسمبر ٢٠١٩ - ٠٥:٥٦ بتوقيت غرينتش

“الإعدام والسجن” لقتلة خاشقجي: لماذا أبقت السلطات السعودية هوية وأسماء القتلة الثمانية “مجهولة”؟ وهل يعود المستشار القحطاني والعسيري إلى منصبيهما بعد مفاجأة براءتهما؟.. كيف جرى التركيز على حضور تركيا وعائلة المغدور المحاكمة ولماذا؟..

العالم - السعودية

تعهد الأمير محمد بن سلمان بمحاسبة المسؤولين عن مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده في تركيا، بل وتحمل ولي عهد المملكة، مسؤولية الجريمة لأنها وقعت في عهده، أو في ظل سلطته كما قال، تحقق الأمر فيما يبدو، جرى التحقيق، وتمت المحاكمة داخل المملكة، أو وفق السيادة وفق التعابير السعودية، خمسة صدر بحقهم حكم الإعدام، وثلاثة آخرين بالسجن.

المفاجأة اللافتة، أن الأحكام التي تنوعت بين الإعدام، والسجن، أبقت على هوية “قتلة” خاشقجي مجهولة، وهو ما طرح تساؤلات الهدف من إخفائها، مع ظهور صور وأسماء المتورطين مسبقا على وسائل الإعلام، وإمكانية عدم تنفيذ الأحكام بحقهم على أرض الواقع، فيما أكدت النيابة السعودية على أن الجريمة لم تتم بنية مسبقة، وهو ما يعيد التذكير بتصريحات سعودية رسمية تباينت وقت مقتل خاشقجي، حيث كانت قد نفت علمها بدخول الأخير لقنصليتها، ثم أقرت بوقوع الجريمة، وأنها وقعت في حينها دون تخطيط مسبق أو متعمد، وبتعليمات عليا، وجراء خلاف لحظي بين الضحية والجناة، وهي أحكام كذلك قابلة للاستئناف، والصادرة عن المحكمة الجزائية يمكن أن تستأنف، وهذا يعني قانونا أن الأحكام الصادرة بحق المتهمين المجهولين يمكن أن تخفف، ولم يغلق الباب النهائي للفصل بها أمامها.

العربية السعودية، تريد أن تغلق ملف مقتل خاشقجي إلى غير رجعة، حيث كان لافتا مع إصدار الأحكام، التركيز الإعلامي السعودي على مسألة حضور ممثلين عن تركيا جلسات المحاكمة التسع (البلد التي وقعت على أراضيها) الجريمة، وهدد رئيسها رجب طيب أردوغان بملاحقة المتورطين فيها حتى أعلى الهرم السعودي، وهو ما أوحى للبعض من المراقبين، أن الملف يراد طيه تركيا مقابل تسويات، بحضور ممثلين عنها، إلى جانب دول دائمة العضوية في مجلس الأمن وهو ما أعلنه المتحدث باسم النيابة العامة السعودية شلعان الشلعان، وهو ما قد يضفي على جلسات المحاكمة طابع الشرعية، والمصداقية أمام العالم، وبتحقق شرط محاكمة المتورطين على أراضي المملكة، وعدم تسليمهم، كما جرت العادة في مثل تلك القضايا بحسب الأدبيات السعودية.

وبالرغم من “التمثيل التركي” التي أعلنت عنه النيابة السعودية، علقت الخارجية التركية حول الحكم، وقالت إنه أبعد ما يكون عن تحقيق العدالة، وكررت دعوتها للتعاون القضائي مع السلطات السعودية في مقتل خاشقجي، مما يطرح التساؤلات حول خطوات جدية قادمة من عدمها، وحقيقة وجود التسويات معها، ويجري كل هذا، على وقع المناوشات الإعلامية الدرامية السعودية- التركية، آخرها الهجمة على حكومة الوفاق الليبية “الشرعية” التي يدعمها أردوغان بقيادة فايز السراج، فيما تصطف المملكة إعلاميا إلى جانب حليفيها الإماراتي والمصري، بقيادة المتقاعد العسكري خليفة حفتر.

بعض الانتقادات وجهت من قبل المناوئين لسياسيات المملكة الحالية، بعد إعلان صدور الأحكام، حول قصر عدد الجلسات، أمام قضية رأي عام، هزت العالم، وطالت اتهاماتها ولي العهد الأمير بن سلمان، الذي كان قد نفى علمه بالجريمة، أو إعطائه أي تعليمات لتنفيذها، فتسع جلسات، يصدر الحكم بالعاشرة، لهو محل انتقاد وجدل، وتشكيك، بغض النظر عن استمرارها لمدة قرابة العام، أقله بالنسبة لأمين عام منظمة “مراسلون بلا حدود” كريستوف دولوار، وأنيس كالامار، مقررة الأمم المتحدة فالأول دولوار اعتبر أن العدالة لم تحترم، حيث لم تحترم برأيه المحاكمة مبادئ العدالة “المعترف بها دوليا”، أما كالامار فوصفتها بالهزلية.

وكانت قد ترددت أنباء، حول حصول تسوية مالية ما، بين عائلة المغدور الصحافي جمال خاشقجي والسلطات، مقابل تنازلهم عن رفع قضايا في المحاكم الدولية، في مقابل هذا، أكدت النيابة العامة حضور عائلة الصحافي الراحل جلسات المحاكمة، وهو ما يعني موافقتها بشكل أو بآخر على الشكل النهائي للأحكام الصادرة بحق قتلة والدهم، ودون توجيه أي انتقادات “لمبادئ العدالة” وظروف تنفيذها، كما وتأكيد ابنه صلاح خاشقجي مسبقا، أنه يرفض استغلال والده للنيل من وطنه، وهو الذي جمعه مع الأمير بن سلمان، مشهد مصافحة لافت أثار العديد من التكهنات حول ظروفه، وبعد مقتل والده حيث ظهر صلاح بثوب “غير مكوي” مما أثار العديد من علامات الاستفهام.

بعض الأوساط السعودية الافتراضية، تقول إن سلطات بلادها أحكمت السيطرة في ملف خاشقجي، وقدمت محاكمة عادلة وفق الأدلة والقرائن، ولكن المفاجأة اللافتة الكبرى التي قد تعيد تسليط الأضواء على القضية الدموية، أن المحكمة أطلقت سراح 10 أشخاص، من بينهم نائب رئيس المخابرات أحمد عسيري، والمستشار سعود القحطاني، وهو ما يعني كما يرصد معلقون، براءة المسؤولين من الصف الأول جميعهم، وانتفاء نظرية تقديم “كبش فداء” منهم، وحتى ربما عودتهم إلى رأس عملهم ومناصبهم، في ظل تقارير استخبارية، وصحفية، قالت إن القحطاني مسؤول عن إعطاء الأمر المباشر لقتل خاشقجي عبر وسيلة تواصل مرئية، وتواصله مع ولي العهد بالخصوص، فيما كانت وجهت تساؤلات للأمير بن سلمان في مقابلات صحفية أجراها، حول مدى واقعية عدم علمه، أو مسؤولي الدولة المقربين منه (مستشارين) بالجريمة، وجرأة من جرى توجيه الاتهامات لهم اليوم بالإعدام أو السجن، للإقدام على التنفيذ لوحدهم، وهو ما فسره الأمير فيما ما معناه بأعداد موظفي الدولة المهول، الذي لا يمكنه من معرفة كل تفصيل يجري فيها.

التحقيقات أيضا، وبحسب النيابة العامة، أثبتت عدم وجود عداوة بين المدانين وخاشقجي، وهو ما يطرح تساؤلات في أوساط المراقبين، حول الأسباب الحقيقية التي دفعتهم إذا إلى ارتكاب الجريمة، وأسباب كل هذا الدموية التي انتهت بتقطيع الجثمان، وغياب ما يفسر وجود عداوة وبغضاء وحقد دفين، مع النفي الرسمي لوجود تعليمات عليا، ولماذا يجتمع أكثر من 11 شخص بالأساس في تركيا على قتل خاشقجي، حكمت السلطات السعودية نفسها على خمسة منهم بالإعدام، وآخرين بالسجن، فيما أجمعت تقارير استخبارية أمريكية، على عدم قدرة خاشقجي على المقاومة، نظرا لسنه، وعدم تمتعه بالقوة الكافية، وبالتالي عدم الحاجة لتواجد أكثر من 10 أشخاص للتنفيذ حاكمتهم المملكة ذاتها لضلوعهم في مقتل الصحافي الشهير، وفي مشهد قد يعيد للأذهان، طريقة مقتل محمود المبحوح أحد أعضاء كتائب عز الدين القسام، والذي قاوم قبل أن يتمكن قتلته الإسرائيليين (مجموعة موساد) من حقنه بمادة سامة بفندق في مدينة دبي، ثم خنقه بالوسادة حتى موته، وهو المطلوب الأول للجيش الإسرائيلي، السبب الذي يفسر اغتياله، فيما كان خاشقجي يرفض تصنيفه معارضا لنظام بلاده.

ووفق التقييمات الأمريكية (إدارة دونالد ترامب)، قد تكون السعودية قد نفذت دعوات وزارة خارجيتها، إلى إجراء محاكمة عادلة، وشفافة، ومحاسبة المسؤولين عن جريمة القتل، لكن ومع استثناء هذه المحاكمة حتى أبرز الضالعين بالجريمة، قد تضع السلطات السعودية نفسها في مواجهة مع المجتمع الدولي المعني بحقوق الإنسان في أقله، وقد تكون تلك السلطات، سيئة الحظ فيما لو خسر داعمها الأبرز ترامب، على موعد مع المرشح الديمقراطي المحتمل للرئاسة جو بايدن الأكثر حظا للفوز، والذي كان قد هدد المملكة، بمعاقبتها تحديدا على جريمة اغتيال خاشقجي، كما وتحويلها إلى دولة منبوذة، وهي تهديدات تصفها أقلام سعودية، بالصوتية، والمتغيرة، فور فوز المرشح، وتنصيبه رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية، الذي ستجمعه مصالح اقتصادية مجبرا مع الدولة النفطية.

“رأي اليوم” - خالد الجيوسي