سوريا وارادة المقاومة في مواجهة قانون قيصر 

سوريا وارادة المقاومة في مواجهة قانون قيصر 
السبت ٢٨ ديسمبر ٢٠١٩ - ٠٧:١٤ بتوقيت غرينتش

موجة جديدة من الحرب تفرضها ادارة التوحش الامريكية ضد كل من يخالفها او يواجه مشاريعها، انها موجة العقوبات الاقتصادية والحرب التي بدأت تظهر ملامحها في المنطقة كانعكاس للعقلية التي تسكن البيت الابيض، في مواجهة حائط الصد لدول تشكل رأس الحربة في مواجهة الامريكي في العالم، انها ايران وروسيا والصين، ومعها سوريا.

العالم - كشكول

على طاولة التداول الدولي، يبقى الملف السوري هو جزء من عمليات اختبار اجيال متعددة من الحروب، وهذه المرة الجيل الرابع منها، والذي تشكل فيه العقوبات الاقتصادية، ذروة التصعيد الغربي، حيث دخل على خط المواجهة " قانون قيصر" والذي يفرض عقوبات طويلة الامد على مختلف الجوانب الاقتصادية، في تطور واضح لشكل الحرب المفروضة على البلاد، بعد فشل جيل الحروب الهجينة، والتي استخدمت فيه واشنطن كافة اداواتها من مجموعات ارهابية، ومحاولة اسقاط سياسي واحتلال للاراضي، ما يعني ان الحرب ما زالت مستمرة، والمرحلة القادمة تشكل نمطا مختلفا لم تألفه الساحة الدولية من قبل، انها نظرية الارغام الامريكية، والتي بدأت الادارة الامريكية الاعتماد عليها بعد الفشل العسكري والسياسي، عبر تجنب الصدام العسكري وخلق طرق بديلة لتحقيق اهدافها، وهذه الطرق تقع في فسحة بين حدّي القوة العسكرية الصلبة والقوة الناعمة، في وسائل غير عسكرية لارغام واضعاف ومعاقبة كل اعداء واشنطن، وتحقيق اعلى مردود من خلال عقوبات مالية واقتصادية، والاضرار بالقطاعات الاقتصادية الرئيسية لابطاء النشاط الاقتصادي برمته، ودعم المعارضات في تلك الدول، ودفع الجماهير الى الانفجار وتتحقق الفوضى التي لم تحدث أثناء سنوات الحرب، وبالطبع تعتمد سياسة الحرب الاقتصادية للأميركي على نظريات عديدة في مجال علم النفس الاجتماعي أو علم النفس الجماعي أو علم نفس الجماهير، وهذا بالحرف ما عبر عنه البروفيسور ماكس مانوارينج وهو جنرال في الجيش الامريكي وخبير الاستراتيجية العسكرية في معهد الدراسات التابع لكلية اركان الحرب الامريكية، ضمن محاضرة القاها بتاريخ 1/12/2018 محاضرة في الكيان الاسرائيلي، حيث اكد الجنرال مانوارينج ان " اسلوب الحروب التقليدية اصبح قديما والجديد هو الجيل الرابع من الحرب، فالهدف من الحرب ليس تحطيم المؤسسة العسكرية لاحدى الامم، او تدمير قدرتها العسكرية، بل الهدف هو الانهاك – اي التاكل ببطء لكن بثبات. فهدفنا هو ارغام العدو على الرضوخ لارادتنا" ويضيف قائلا "الهدف زعزعة الاستقرار، وهذه ينفذها مواطنون من الدولة العدو، تمهيدا لخلق الدولة الفاشلة، وهنا نسطيع التحكم فيه".
وهنا يجب الاشارة الى ان هذه ليست المرة الأولى التي تتعرّض فيها دمشق للعقوبات الامريكية، تاريخاً بدأت أول موجة للعقوبات في 1979 حين تم اعتبار سوريا "دولة داعمة للإرهاب" بحسب التصنيف الصهيوني، تبعتها عقوبات عام 2004 بعيد الغزو الأمريكي للعراق عبر ما اسموه حينها قانون "محاسبة سوريا ومنع السوريين حينها من استيراد كثير من التجهيزات ذات المكون الأمريكى، ثم أتت عقوبات 2011 بعد الحرب المفروضة على البلاد والتي منعت تصدير الدولة السورية النفط والفوسفات بشكلٍ رسمي وشملت المصرف المركزي والمصرف التجاري، وبدأت حزمة العقوبات تتوسع بحسب رغبة اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة الامريكية، الا ان العقوبات هذه المرة تبدو الاكثر قسوة، بالنسبة لدولة تواجه حربا شرسة منذ اكثر من ثماني سنوات، وتسرق مقدراتها الاقتصادية ومواردها الطبيعية، لذلك يعتبر قطاع الطاقة من اكثر القطاعات الاقتصادية المتضررة جراء هذه العقوبات، كون هذا القطاع هو المحرك الرئيسي لكافة القطاعات الاقتصادية الاخرى في البلاد، ما يفسر التدخل للتضييق على وصول اي امدادت نفطية عبر البحر الى الداخل السوري، ما يلحق الاذى بالدولة السورية ويبطء عملية اعادة الاعمار الهدف الابرز لقانون قيصر، ما يجعل المشهد الاقتصادي والسياسي السوري اليوم امام بوابات حلول اخرى، تفتح افاق مختلفة للاحتمالات التقليدية، بعد قدرتها على تجاوز تعقيدات هائلة طيلة فترة الحرب، ونجحت بانفراجات جزئية ساهمت في تعزيز الصمود الشعبي والرسمي، وساهمت بتحقيق نتائج على المستوى السياسي والعسكري.
الجيمع طبعا يتفق على ان اقرار قانون قيصر، بعد تحقيق اتفاق بين النواب الجمهوريين والديمقراطيين في الكونجرس، وجعل الملف يشغل حيزا من اهتمام مجلس الشيوخ وبعدها الرئيس ترامب، هو جزء من المواجهة المباشرة مع الولايات المتحدة الامريكية، والذي جاء ليشمل قطاعات حياتية شديدة الاهمية، بهدف تقويض الامريكي لكل المكتسبات التي حققت على الجبهات العسكرية، وعملية تحرير ريف ادلب، والوصول الى الاستراد الدولي الواصل بين حلب ودمشق، وقبلها افتتاح معبر البوكمال وما له من اهمية اقتصادية وسياسية، وكل التوافقات السياسية من استانا الى سوتشي واللجنة الدستورية، ما يعني ان ابواب الصراع مازالت مفتوحة على كافة الاحتمالات، وهذا الامر يفهمه الشارع السوري والاوساط السياسية في داخل البلاد جيدا، ما استدعى تماسكا اقوى، وتماهي بين القيادة السياسية والشارع، لتدعيم المواجهة والمقاومة الاقتصادية، عبر استراتيجيات تنقسم بين ما هو ضروري وعاجل، وهو توفير كل مصادر الطاقة لاستمرار عجلة الانتاج وتوفير البدائل من بضائع في الاسواق، وتحريك الاقتصاد، بالتزامن مع محاولات ضبط اسعار الصرف ومواجهة التذبذب بسعر صرف الدولار، والاستمرار في التخطيط ودراسة وتنفيذ اعادة الاعمار.
ما يثير السخرية، ان الادارة الامريكية تزعم ان هذه الحزمة من العقوبات تأتي بحسب وصفها، لمصلحة الشعب السوري، وهم يدركون تماما ان المتضرر من هذه العقوبات هي الشعوب، فالادارة الامريكية تعتقد انها قادرة على خداع الرأي العام الدولي، لكن ارادة الشر تبقى مكشوفة كقرص الشمس، والامريكي يمثل هذه الارادة عبر حروبه المتعددة التي تستهدف الانسان كإنسان في كل اصقاع الارض.

* حسام زيدان