أوروبا والتبعية المزمنة لأمريكا

أوروبا والتبعية المزمنة لأمريكا
الأربعاء ١٥ يناير ٢٠٢٠ - ٠٦:١٥ بتوقيت غرينتش

في موقف لا يمكن اعتباره متناغما مع الموقف الامريكي فحسب بل تابعا له، بكل ما تحمل هذه الكلمة من معنى، أعلنت الترويكا الاوروبية (فرنسا وبريطانيا وألمانيا) تفعيل آلية فض النزاع النووي مع إيران، بهدف الضغط على ايران وارغامها على العودة الى الالتزام بالاتفاق النووي.

العالم - قضية اليوم

اوروبا التي سكتت دهرا على انسحاب امريكا من الاتفاق النووي دون اي مبرر، نطقت بالامس كفرا عندما حملت الجانب الوحيد الذي التزم بالاتفاق النووي- بشهادة 15 تقريرا صادرا من الوكالة الدولية للطاقة النووية- وهو الجانب الايراني مسؤولية ما اقترفته امريكا وما اقترفته اوروبا ايضا التي تحاول الظهور بمظهر الحريص على الاتفاق.

كان حريا بالاوروبيين، اذا كانوا حقا حريصين على الاتفاق النووي، ان يقفوا على العلة التي كانت السبب وراء كل ما حدث للاتفاق ، وهو ترامب وادارته المتطرفة، لا ان يضغطوا بهذا الشكل الصلف على المعلول وهو رفض ايران الالتزام بالاتفاق من جانب واحد بينما الجانب الاخر، وهو الامريكي لا يعترف به، والاوروبي الذي لم يحرك ساكنا لانقاذه او التعويض عن الانسحاب الامريكي.

كان واضحا منذ اليوم الاول وكأن هناك تقاسم ادوار بين اوروبا وامريكا في اطار التعامل مع الاتفاق النووي، فالجانبان كان يعتقدان انهما تمكنا من تقييد البرنامج النووي الايراني مع اشراف كامل على كل المنشات النووية عبر الوكالة الدولية للطاقة الذرية، من دون ان يقدما بالمقابل اي امتياز لايران، وقد انكشف تقاسم الادوار هذا بعد انسحاب امريكا من الاتفاق النووي، واعادة فرض الحظر السابق على ايران وبشكل اعنف، بينما بقيت اوروبا تشرف على البرنامجح النووي الايراني عبر عمليات الاشراف التي وفرها لها الاتفاق، من دون ان تلتزم باي بند من البنود الـ11 التي كان عليها تنفيذها مقابل التزام ايران بالاتفاق.

التزمت ايران بالاتفاق النووي في محاولة لمماشات اوروبا حت بعد انسحاب ترامب من الاتفاق، واستمر هذا الامر اكثر من عام ، عسى ان تنفذ اوروبا ما عليها من التزمات وفقا للاتفاق، الا ان الذي حصل هو وعود زائفة حول تفعيل الية التبادل التجاري المعروفة بـ "إينستكس" التي كانت سرابا ليس الا، الامر الذي دعا ايران الى تقليص التزاماتها تدريجيا من اجل الضغط على اوروبا ودفعها للالتزام بالاتفاق.

في الوقت الذي كانت اوروبا تتعهد لايران بانها ستجد الية للتعويض عن انسحاب امريكا من الاتفاق، كانت الشركات الاوروبية تنسحب من ايران، كما رفضت المصارف والمؤسسات الاوروبية التعامل مع طهران، بحجة الخوف من العقوبات الامريكية، دون ان تحرك الترويكا الاوروبية ( المانيا وبريطانيا وفرنسا) ساكنا لوقف هذه الانتهاكات الصارخة للاتفاق من جانب شركاتها ومؤسساتها ومصارفها.

رغم مرور وقت ليس بالقليل على الاستعمار الذي مارسته اوروبا على الشعوب العربية والاسلامية، الا ان الروح الاستعمارية مازالت تهيمن على الاوروبيين، فهذه الروح تنطلق من عنجهية ترى في الانسان الاوروبي كائنا يختلف عن باقي البشر، وهذا الامر هو الذي يفسر قرار بريطانيا وفرنسا والمانيا بتفعيل الية فض النزاع، مع الطرف الاكثر التزاما بالاتفاق، بذريعة دفع ايران الى الالتزام بما لم يلتزموا به، وكأن ايران دولة لا تملك من خيار سوى السمع والطاعة للسيد الاوروبي.

مهما كانت الاسباب التي دفعت اوروبا الى تفعيل الية فض النزاع، فانها ستكون الطرف الخاسر وستدفع ثمن تبعيتها المزمنة لامريكا، فايران لن تخسر شيئا حتى لو تم اعادة فرض الحظر الاوروبي عليها، فهناك حظر امريكي مفروض على ايران، يتضاءل امامه الحظر الاوروبي وحتى الاممي ، فقد طال حتى الدواء، حتى سخر احد الكتاب من ان امريكا لن تجد بعد الان في ايران ما تحظره سوى ابتسامة ظريف، ولكن في المقابل ستجد ايران نفسها قد تحررت من كل قيود الاتفاق النووي، كما انها ستحد من حركة مفتشي الوكالة الدولية، وستتخذ اجراءات اخرى لن تخطر ببال العقول الاوروبية المتغطرسة، وعندها لن ينفع الاوروبيين ندمهم.

منيب السائح / العالم