في لبنان.. هناك من يقول للبنانيين انا او الشارع

في لبنان.. هناك من يقول للبنانيين انا او الشارع
الأحد ١٩ يناير ٢٠٢٠ - ٠٤:٣٤ بتوقيت غرينتش

ليست جديدة لعبة الشارع في الحياة السياسية اللبنانية، وهي كانت مفيدة لكافة القوى السياسية حينما كانت تعاني من ازمة معينة، لاسيما وان الشارع كان يحضر لاعبا في المناورات والمناكفات والمواجهات السياسية بخلفية طائفية ومذهبية، وهو الاخطر على البلاد.

العالم - قضية اليوم

بدأ الشارع يدخل مرحلة اللعب الخطر بعد استقالة سعد الحريري وحكومته، وبدء طرح الاسماء التي ستخلفه في تشكيل الحكومة الجديدة. اسماء تم حرقها واحدا تلو الاخر حتى تم الاتفاق على وزير التربية الاسبق حسان دياب لتكليفه بتشكيل الحكومة. هنا حان وقت طرح ورقة الشارع بالنسبة لقوى بدات تشعر بانها اصبحت خارج اللعبة السياسية (لسوء تقديرها مسارات الاحتجاجات ولارتمائها تحت مظلة الطائفية لتبرير بقائها في البازار السياسي اللبناني).

منذ استقالته، حاول الحريري اللعب بين خطين، خط التماهي (المقصود) مع الاحتجاجات في الشارع وخط اظهار نفسه الوحيد والاجدر والاولى بقيادة دفة الطرف "السني" في التركيبة السياسية اللبنانية. (وذلك بناء على نفس المعادلة التي اتت بوالده الراحل رفيق الحريري بانه الشخصية الاقدر على قيادة الجناح السياسي للمكون السني في رئاسة الحكومة بعد اتفاق الطائف).

الحريري الابن راهن على امرين، الاول بقاء الشارع في نفس المسار الذي يريده هو اي بما يخدم رؤيته للترويج لنفسه في المرحلة المقبلة. بمعنى ادق توجيه الاحتجاجات للتصويب على العهد ممثلا برئيس الجمهورية ميشال عون وحلفائه (8 اذار).

الامر الثاني تمثل في فشل الطرف الاخر (فريق عون وحزب الله وامل وحلفائهم) في تشكيل الحكومة التي كلف بها حسان دياب، ترافقا مع حرق الاسماء التي تطرح خلفا للحريري ثم الدفع بدار الفتوى لتبني الحريري ممثلا وحيدا (للسنة) في رئاسة الحكومة.

لكن الانتكاسة الاولى كانت في النجاح بتسمية شخص لتشكيل الحكومة، ليسارع الحريري الى اعلان انه لن يعطي دياب الثقة في مجلس النواب، في سعي لضرب مساعيه للتشكيل قبل دخولها المرحلة الجدية. لكن دياب قطع مرحلة مهمة في التشكيل (بغض النظر عن اسهم نجاحه اخر الامر).

هنا كان لا بد من استخدام ورقة الشارع، حيث عادت الاحتجاجات فجاة لتاخذ زخما جديدا، مع التركيز اكثر على العهد وما تسميه قوى (14 اذار) حكومة اللون الواحد. وبدات الامور تاخذ منحى تصاعديا مع حدوث مواجهات لاسيما مع قوى الامن، واعتقالات..ما هدد بالانتقال الى مرحلة اكثر خطورة.

في المقابل كانت الاحتجاجات على القطاع المصرفي والتصويب على حاكم مصرف لبنان رياض سلامة تتصاعد، ليحس فريق الحريري وحلفائه بان لعبة الشارع قد تاتي عليهم بنتائج عكسية. ليخرج الحريري مؤكدا ان سلامة خط احمر، ما استفز الكثير من اللبنانيين لسببين:

الاول هو ان سلامة لعب ويلعب بنظر الكثيرين دورا سلبيا في حل الازمة مع عدم اتخاذه موقفا حازما تجاه المصارف والصرافين بالنسبة لاعطاء المودعين اموالهم وقيمة صرف الدولار.

الثاني هو ان الحريري نفسه بات موضع انتقاد مع تغييبه لحكومته التي عليها القيام بواجباتها كحكومة تصريف اعمال. وهو ما يراه منتقدوه تغييبا متعمدا لاحراج الطرف الاخر المشغول في تشكيل الحكومة.

وبين الشارع والسياسة، باتت اللعبة تنذر بتصعيد يهدد البلاد بكافة قطاعاتها ومؤسساتها، والاخطر يتمثل في وصول الامور الى مواجهة بين شارعين، شارع مهمته خدمة مشروع يروج لفريق معين على انه المنقذ الوحيد (وهذا الفريق يخاف من ضياع مستقبله السياسي نتيجة متغيرات داخلية وخارجية). وشارع مهمته استدراك الوضع وتهيئة الامور لتشكيل الحكومة والبدء بحل المشاكل الاقتصادية والمالية التي يعيشها لبنان. وما بين الشارعين خيط رفيع سيفتح القضية على سيناريوهات مخيفة اذا ما انقطع..عن قصد او غير قصد.