لبنان يتّجه لوقف سداد الدين

لبنان يتّجه لوقف سداد الدين
الأربعاء ١٢ فبراير ٢٠٢٠ - ٠٩:٣٣ بتوقيت غرينتش

مع اقتراب استحقاق سندات اليوروبوندز في 9 آذار(مارس) المقبل بقيمة 1.2 مليار دولار، يحتدم النقاش حول خيارَين: الاستمرار في سداد الدين أو التخلّف عنه.

العالم_لبنان

و كتبت صحيفة "الاخبار" اللبنانية اليوم الاربعاء: على ضفّة السداد، يقف حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وحيداً، فيما يتموضع رؤساء الجمهورية والمجلس النيابي والحكومة في موقع أقرب الى رفض السداد، والسعي الى مشورة تقنية من صندوق النقد الدولي تساعدهم على تغطية اتخاذ القرار.

بعد 25 يوماً يستحق دَين على لبنان بقيمة 1.2 مليار دولار. هذا الدين هو عبارة عن سندات خزينة بالعملة الأجنبية (يوروبوندز) أصدرتها وزارة المال في آذار 2010 لمدّة 10 سنوات وبفائدة سنوية 6.375%، أي أن الخزينة دفعت سنوياً لحملة هذه السندات 76.5 مليون دولار، أو ما مجموعه 765 مليون دولار خلال السنوات العشر الماضية..

ويأتي هذا الاستحقاق في ذروة الأزمة المالية ــــ النقدية التي بدأت منذ سنوات وتفاقمت مؤشراتها منذ ظهور سعرَين لصرف الليرة مقابل الدولار، بفارق يزيد 55% على السعر المدعوم من مصرف لبنان (1507.5 ليرات وسطياً مقابل 2325 ليرة في السوق الموازية) وعدم قدرة مصرف لبنان على اتّخاذ تدبير نهائي مقبول في مواجهة تمويل السلع الأساسية مثل المحروقات والدواء والقمح والمستلزمات الطبية، بل اختبر المقيمون في لبنان تقنيناً في هذه السلع لعدّة أيام، ودفعوا فروقات سعر الصرف من رواتبهم التي تآكل أكثر من 34% منها بفعل وجود سعرَين لليرة (نسبة تآكل الليرة محتسبة من قبل جهات متخصّصة على أساس سلّة من السلع المستوردة بسعر الليرة في السوق الموازية). والأسوأ من ذلك كلّه، أن حاكم مصرف لبنان أقرّ بأن المصارف تودع لديه 70 مليار دولار بالعملات الأجنبية، بينما هو لا يملك أكثر من 30 ملياراً في احتياطاته بالعملات الأجنبية؛ من ضمنها احتياطات إلزامية بقيمة تفوق 19 مليار دولار.

إزاء هذا الوضع، واصلت القوى السياسية عقد اجتماعات ولقاءات منذ تأليف الحكومة إلى اليوم، من دون أن تحسم موقفها النهائي بعد. إلا أنه ظهرت مؤشرات في الأيام الأخيرة عن موقف ستتخذه الحكومة في اجتماع يُعقد في قصر بعبدا ظهر الخميس المقبل مع بروز أرجحية تدعم التوقف عن السداد وإطلاق عملية التفاوض مع الدائنين بالاستناد إلى مشورة صندوق النقد الدولي. وبحسب مصادر مطّلعة، فإن رئيس الحكومة حسان دياب دعا إلى اجتماع للجنة الوزارية ــــ المالية قبل ساعتين من موعد جلسة الحكومة لمناقشة القرار النهائي، علماً بأنه تبلّغ من معظم الوزراء رفضهم مواصلة سداد الديون.

في الواقع، إن اللقاءات التي عقدت بعد تأليف الحكومة لم تتوصّل إلى نتيجة سوى تلك التي كشف عنها رئيس مجلس النواب نبيه بري، الذي أشار إلى أن بتّ سندات آذار ينبغي أن يستند إلى مشورة (تقنية) من صندوق النقد الدولي. بعض المراقبين يشيرون إلى أن برّي كما غيره من زعماء الكتل السياسية في لبنان، يبحثون عن وصيّ ما يلصقون به أخذ لبنان نحو هذا الخيار أو ذلك، وهم لا يبدون أي نيّة لتحمّل المسؤولية، ليس فقط لأنهم ليسوا قادرين على تحديد الخيار الأنسب، بل لأنهم ليسوا قادرين على الخروج من حدود اللعبة المحليّة التي تنطوي على تبادل الاتهامات كسباً للشعبية.

وتشير المصادر إلى أن المشورة المنتظرة من الصندوق، سبقتها تحضيرات مع صندوق النقد والبنك الدولي من أجل إنجاز خطّة تمهيدية لاتخاذ القرار النهائي، على أن تكون جاهزة خلال بضعة أيام لعرضها على الدائنين الأسبوع المقبل إذا اتخذ القرار بالتوقف عن السداد. وتتضمن هذه التحضيرات الآتي:

ــــ مشاورات عقدت بين مسؤولين محليين مع ممثلي صندوق النقد الدولي في منطقة الشرق الأوسط، لدرس «الإخراج» المناسب لما يسمّى «مساعدة تقنية» سيقدّمها صندوق النقد الدولي بشأن إعادة هيكلة الدين العام. وهذه المساعدة تشمل تقديم الدعم العلني لعملية إعادة هيكلة الدين العام، وتقديم الدعم التقني للسيناريوات المحتملة بشأن إعادة الهيكلة ونتائجها على الوضع المالي للخزينة ومصرف لبنان والمصارف. هذا الدعم هو البديل من لجوء لبنان إلى برنامج مع الصندوق. وهناك الكثير من القوى السياسية التي تعتقد بأن الحصول على هذه المساعدة التقنية أهون مما قد تفرضه تطورات الأزمة المالية ــــ النقدية ــــ المصرفية في الأيام المقبلة، إذ ستصبح الخيارات مؤلمة جداً وقد تفرض على لبنان اللجوء «مكرسحاً» إلى برنامج مع صندوق النقد، بينما يمكنه اليوم الحصول على مساعدة تقنية وهو يملك بضعة مليارات من ذخيرة الاحتياطات بالعملات الأجنبية.

ــــ بعد يومين يفترض أن يُنجز البنك الدولي بالتعاون مع وزارة المال خطّة متوسطة الأمد تمتد على ثلاث سنوات لتحفيز النموّ الاقتصادي ستعرض على اللجنة الوزارية، ثم على الدائنين، في إطار خطّة شاملة مع سيناريوات صندوق النقد الدولي. وقد سبقتها موافقة البنك الدولي على منح لبنان قرضاً ميسّراً بقيمة 400 مليون دولار سينفق في مجمله على برنامج استهداف الأسر الفقيرة الذي يعدّ برنامجاً زبائنياً لتوزيع المساعدات على الأزلام والتابعين لهم سياسياً المسجّلين في البرنامج المعتمد كسياسة عامة بدلاً من أن يكون برنامجاً ظرفياً لمساعدة هذه الأسر على تخطّي مرحلة الفقر.