لماذا نعتقد أن نتنياهو لا يكذب هذه المرّة؟!

نتنياهو يتباهى بالتطبيع مع جميع الدول العربيّة باستِثناء اثنتين

نتنياهو يتباهى بالتطبيع مع جميع الدول العربيّة باستِثناء اثنتين
الجمعة ٢١ فبراير ٢٠٢٠ - ٠٦:٠٩ بتوقيت غرينتش

كتبت جريدة رأي اليوم مقالاً حول كلام رئيس وزراء الإحتلال الأخير عن زياراته السرية الى عواصم عربية وتطبيع تلك الدول مع الإحتلال متسائلة عن تأثير هذا التطبيع على الإقتصاد الدول العربية التي طبعت مع الإحتلال منذ زمن بعيد

العالم - مقالات

وجاء في مقال رأي اليوم:

يبالغ بنيامين نتنياهو في التباهي هذه الأيام بعلاقات حكومته التطبيعية مع جميع الدول العربية باستثناء دولتين أو ثلاث، ولا يترك مناسبة أو لقاء تلفزيونيا، إلا ويتحدث عن زياراته السرية لعواصم عربية لا يمكن الإفصاح عن عددها مثلما قال في آخر مقابلاته مع تلفزيون “هلا” الإسرائيلي، الناطق بالعربية بمناسبة لقائه مع الفريق عبد الفتاح البرهان، رئيس المجلس السيادي السوداني في عنتيبي الأوغندية، ومُرور الطيران المدني الإسرائيلي بالأجواء السودانية والسعودية.

من المؤلم أنّ بعض ما يقوله نتنياهو صحيح، فبوابات التطبيع مع دولة الاحتلال الإسرائيلي باتت مفتوحة على مصراعيها هذه الأيام في السر والعلن، خاصة في منطقة الخليج (الفارسي)، فمعرض إكسبو في الإمارات يستعد لافتتاح الجناح الإسرائيلي واستقبال الزوار القادمين من تل أبيب، وقطر لا تمانع في مشاركة رياضيين وأطباء في مسابقاتها وندواتها، وسفير سلطنة عمان في واشنطن كان ثالث المصفقين للرئيس ترامب ونتنياهو أثناء إعلانهما تفاصيل صفقة القرن.

نتنياهو يقول إن التطبيع مع الدول العربية يتزايد بشكل كبير ليس بسبب التهديد المشترك ممثلا بإيران، بل بسبب شغف الدول العربية بالتكنولوجيا وتطور أساليب الزراعة الإسرائيلية، وهذا مردود عليه بأن هذه التكنولوجيا موجودة في دول عظمى صديقة للدول المطبعة، مثل أمريكا والعديد من الدول الأوروبية، والشي نفسه يقال أيضا عن التطور الزراعي الإسرائيلي، ولا نعتقد أن دولة الاحتلال أكثر تقدما من دول عريقة مثل أستراليا في هذا الإطار.

دولة الاحتلال والولايات المتحدة استخدمت الخطر الإيراني المزعوم وبشكل متعمّد مبالغ فيه من أجل ترهيب هذه الحكومات العربية وابتزازها، وتوفير الذرائع لها لاختراق كل الخطوط الحمراء، والتخلي عن واجباتها الدينية والعروبية والأخلاقية للتطبيع مع دولة الاحتلال.

نعترف أن إقتصاد الإحتلال قوي، وأن صناعة التكنولوجيا تتطور، ولكن هذا الوضع لا يمكن أن يستمر، ويكفي التذكير بأن معظم شركات التكنولوجيا في كيان الإحتلال هربت إلى نيويورك ولندن وباريس بمجرد انفجار الانتفاضة الثانية المسلحة عام 2000، وانهارت السياحة بشكل غير مسبوق للسبب نفسه، وتراجع إقتصاد الإحتلال بمعدلات غير مسبوقة، وعدة صواريخ دقيقة متطورة تقصف تل أبيب سواء من جنوب لبنان أو قطاع غزة ستحدث التأثير نفسه.

التّطبيع الذي يتحدث عنه نتنياهو يتم مع حكومات عربية، وليس مع الشعوب، وهؤلاء المتصهينين الذين يزورون القدس المحتلة، وخاصة من السعودية، هم من عملاء هذه الحكومات، وبأمر من المسؤولين فيها، ولا يمثلون الشعوب الخليجية والعربية الأخرى التي ما زالت ترى في دولة الاحتلال عدوا محتلا للأرض والمقدسات العربية والإسلامية.

لا نعرف ماذا استفادت الحكومات العربية التي طبعت مع "إسرائيل" وقبل أكثر من ربع قرن على الأقل، فالاقتصاد الأردني يعيش أسوأ أيامه، والدين العام وصل إلى 42 مليار دولار، والمصري ما يقرب 250 مليار دولار، والسلطة الفلسطينية تعيش حالة من الإفلاس وتستدين من البنوك المحليّة وديونها فاقت الخمسة مليارات دولار.

الحكومات الخليجيّة التي تطبع سرا وعلنا مع دولة الاحتلال ستواجه الإفلاس عام 2034، حسب تقرير صندوق النقد الدولي، وستضطر للاستدانة لتغطية العجوزات الضخمة المتوقعة في ميزانيتها بسبب انخفاض أسعار النفط والغاز إلى معدلات أقرب إلى الصفر نظرا لتوجه صناعات السيارات إلى الكهرباء، والتحول إلى مصادر الطاقة البديلة مثل الشمس والرياح، وزيادة المعروض النفطي في الأسواق بسبب النفط الصخري، ورخص تكاليف إنتاجه بشكل متسارع، فماذا سيفعل التطبيع مع دولة الاحتلال لشعوب هذه الدول التي ستجلدها حكوماتها بسوط الضرائب والرسوم العالية.

إنه ليس تطبيعا مجانيا وإنما باهظ التكاليف أيضا، ولن تجني منه الحكومات المطبعة غير الإهانة والإذلال وربما ثورة شعوبها ضدّها، لتراكم الأسباب وتصاعد الاحتقان، وانهيار الدول الريعية، وانعدام الرشاوى لشراء الذمم، وتهدئة الشارع.

فليتباهى نتنياهو بأصدقائه العرب الجدد وتطبيعهم كيفما شاء بمساعدة صديقه وحليفه ترامب وابتزازه، أما هؤلاء الأصدقاء الذين باعوا ضمائرهم ودينهم ومقدساتهم، فأيامهم القادمة حافلة بالصّفقات المؤلمة وعروشهم ستكون الأكثر تهديدا بالزوال، ومن يضحك أخيرا يضحك كثيرا.