بعد ادلب.. اردوغان فوق الشجرة من ينقذه

بعد ادلب.. اردوغان فوق الشجرة من ينقذه
الجمعة ٢١ فبراير ٢٠٢٠ - ٠٤:٣٧ بتوقيت غرينتش

في مناخ المواجهة شمال سوريا وخلط الأوراق سياسيا وميدانيا، يتنوع الحراك بين كثافة الاتصالات الدبلوماسية، والاعتداءات المتكررة للمجموعات الارهابية بدعم تركي على مواقع الجيش السوري في ريف ادلب، في ظل تصعيد كلامي بين روسيا وتركيا، ما يذكرنا بالتوتر الذي ساد العلاقة بين البلدين في بداية 2015 واسقاط الطائرة الروسية من قبل الاتراك في خريف ذات العام . 

العالم - قضية اليوم

داخل كل هذا التوتر المتصاعد في المنطقة، ثلاث اجتماعات بين وفود تركية وروسية جرت في اقل من عشرين يوماً، هذه الاجتماعات جميعها باءت بالفشل ولم تحقق اي نتائج، نتيجة التعنت التركي، والالتزام الروسي بتطبيق اتفاق سوتشي الموقع في ايلول 2018، والذي ينص على ان تعمل تركيا على تسليم الطريق الدولي الذي يربط دمشق بحلب، عبر اخراج المجموعات المسلحة واخلاء الطريق، الا ان الحكومة التركية لم تنفذ ذلك الاتفاق، لتنطلق عمليات الجيش السوري لتنفذه عسكرياً وامسكت بطرفي الطريق وحررته بشكل كامل، ما يؤكد انه لا خيار امام الرئيس التركي الا الاعتراف بالهزيمة، والشروع في تطبيق التفاهمات في قمة سوتشي، فالكل يعلم ان التركي حاول تأخير تنفيذ الاتفاق، وذلك عبر عدة وسائل كان ابرزها التمسك بداعش كخيار في الشمال السوري، واستمرار دعم المجموعات المسلحة في ادلب، لتعزيز تواجدها، ومؤخرا دفع بجيشه لمساندتها، وامدادها بالمعنويات امام تقدم الجيش السوري والحلفاء.

مع التقدم الكبير للجيش السوري لم يعد امام اردوغان الا العناد، وما التحركات العسكرية التركية والتدخل بشكل مباشر في معركة ادلب، الا احد اشكال المفاوضات القائمة على المبالغة في التصعيد للوصول الى صفقة ما، بالرغم من ان المتابع لتصريحات اردوغان والمسوؤلين الاتراك يدرك ان المعطيات السياسية والعسكرية على الارض، لا تمنح اي قدرة للتركي على رسم اي توجهات لحل الازمة، وان الاندفاعة للدولة السورية لانهاء التواجد الارهابي في ادلب مستمر، وان هوامش المناورة السياسية التركية تبقى في حدود ضيقة، وتعتمد بشكل او بأخر على التدخل الامريكي والناتو في المواجهة مع روسيا والدولة السورية، الا انه لم يذكر احد اردوغان ان التدخل الامريكي لن يتعدى الدعم المعنوي، وان الامريكي يعلم جيدا ان رفع السقوف وترك الباب مواربا مع الروس، لن يوصله الى مكاسب، او ايجاد نصر ولو وهمي امام الداخل التركي، فالتركي يسعى الى الضغط على موسكو لانسحاب الجيش السوري من ريف ادلب، في محاولة لاردوغان لاعادة الاعتبار للنفوذ التركي في ادلب والذي فقد نهائيا مع حصار الجيش السوري لتلك النقاط، والعمل على كسب الوقت لايجاد حلول اقليمية ودولية تتماشى مع احلام تركيا في شمال سوريا.

إن التهديدات التركية بشن عملية عسكرية في ريف ادلب، هي ترجمة حقيقية لمدى الازمة والمأزق الذي يعيشه الاتراك، وبالطبع يعود ذلك الى عدم قدرة الرئيس التركي على الموازنة بين الضغوطات الداخلية وبين التصعيد الخارجي، ما يجعل احتمال الصدام المباشر بين الجيش السوري والاتراك ضعيفاً، وان كل التصريحات النارية التي نسمعها ما هي الا لتحسين الواقع التفاوضي للاتراك، ولن يكون لها اثر في الميدان العسكري، فالجيش السوري مصمم على تطبيق اتفاق سوتشي بمراحل، والمسؤولون الاتراك يدركون ان اي عملية عسكرية في ريف ادلب، ستكون ذريعة للمعارضة في داخل تركيا، للنيل من الرئيس التركي.

ما يعني بالنتيجة انتهاء نظرية المجال الحيوي التركية في سوريا، والمشهد السوري وبالتحديد مدينة ادلب، هي احد مراحل اعادة ترتيب الوضع الاقليمي، وان اي مغامرة تركية، قد تشعل فتيل مواجهة اقليمية واسعة، وبالذات بعد محاولة الولايات المتحدة الاصطياد بالماء العكر بشكل متكرر، فلا الدولة التركية قادرة على الدخول بمصيدة حرب استنزاف طويلة الامد في ادلب، ولا حلف الناتو وواشنطن قادرين على نجدة الرئيس التركي داخلياً، وحقيقة ما يجري في شمال سوريا هو تنفيذ لاتفاق تركي امريكي لاطلاق برنامج امريكي في شمال سوريا يستهدف المجموعات المسلحة، والذي يتلخص بما قال جون بولتن في حديثه لنيويورك تايمز عام 2016، عن خلق دولة على جزء من اراضي العراق وسوريا، تضم جميع افراد المجموعات المسلحة، وتكون منطقة " امنة" كما يطالب الرئيس التركي في هذه الايام، وان ما يجري خلف الكواليس في واشنطن ولندن والرياض وباريس، ان هذه المنطقة ستوفر حماية للمسلحين، بحسب ما سرب، وان الجميع ينتظر عام 2023 ، في الذكرى المئوية لمعاهدة لوزان حتى يتم ضم هذه الاراضي للدولة التركية، ضمن فكرة اعادة رسم خرائط المنطقة كما حدث في نهاية الحرب العالمية الاولى.

حسام زيدان