صحف أديس أبابا تلمح إلى خطط مصرية وشيكة لتدمير سد النهضة

صحف أديس أبابا تلمح إلى خطط مصرية وشيكة لتدمير سد النهضة
الأحد ١٥ مارس ٢٠٢٠ - ٠٦:١١ بتوقيت غرينتش

يبدو أن الحرب الكلامية والإعلامية المستعرة حاليّا بين مصر وإثيوبيا حول سد النهضة ربما تمهد لمرحلة التصعيد العسكري الزاحفة بشكل متسارع، بعد انهيار مفاوضات واشنطن الثلاثيّة، وانسحاب أديس أبابا من جولتها الأخيرة أواخر الشهر الماضي.

العالم - مقالات وتحلیلات

ورفض السودان الانضمام إلى مصر وتوقيع الاتفاق المتمخض عنها بالأحرف الأولى، الأمر الذي شكل صدمة للحكومة المصرية، بعد الصدمة الأكبر التي تعرضت لها من جراء رفض نظيرتها السودانية تأييد قرار لمجلس وزراء الجامعة العربية يحفظ حق مصر والسودان التاريخي في مياه النيل ويطالب إثيوبيا باحترام القانون الدولي، ومطالبة مندوبها بإزالة اسم بلاده من القرار.

بينما تنشغل السلطات المصرية بكارثتي انتشار فيروس كورونا، والفيضانات والعواصف غير المسبوقة التي ضربت مدنها مؤخرا، لجأت إثيوبيا، وعلى أعلى المستويات، إلى التصعيد العسكري في موازاة تصعيد إعلامي غير مسبوق، حيث رددت معظم الصحف الإثيوبية الشعار الذي يقول “الأرض أرضنا.. المياه مياهنا.. ولا توجد قوة على الأرض تستطيع منعنا من بناء سد النهضة وملء خزاناته” في استفزاز مباشر، وقالت صحيفة “كابيتال” الأسبوعية “إن إثيوبيا قد تبدو من الوزن الخفيف عسكريا بالمقارنة مع تفوق القاهرة العسكري الظاهر والمدعوم من دول خارجية، إلا أن مصر تملك سد أسوان العملاق، وتعيش في بيت من الزجاج”.

***

الأخطر من ذلك أن هذه الصحف المقربة من الحكومة ألمحت إلى “نية النظام المصري التخطيط لشن حرب مفتوحة، وسافرة، على إثيوبيا لتدمير 70 بالمئة مما تم إنجازه في عملية بناء سد النهضة”، وجرى دعم هذا التلميح من خلال الزيارة التي قام بها الفريق أول آدم محمد، رئيس هيئة أركان الجيش الإثيوبي، إلى السد مصحوبا بعدد كبير من جنرالاته يوم أمس وتهديده بأن جيش بلاده “مستعد للتصدي لأي هجوم عسكري يستهدف سد النهضة، وسيتم الرد عليه بالمثل”، وأبرزت وسائل الإعلام الإثيوبية تصريحات أخرى موازية للعميد يلما موديسا، قائد القوات الجوية الإثيوبية، قال فيها “إن طائرات إثيوبيا مستعدة لإحباط أي هجمات جوية لضرب سد النهضة ومنشآته”.

اللافت أن خطورة المواجهة المحتملة لا تنعكس في التهديدات العسكرية أو الحرب الإعلامية فقط، وإنما في تحركات دبلوماسية نشطة يقوم بها طرفاها هذه الأيام للتمهيد لها، وشرح مواقف البلدين، فمصر أرسلت وفودا بقيادة وزير خارجيتها سامح شكري، ورئيس مخابراتها العامة عباس كامل إلى معظم العواصم العربية والأوروبية، وفعلت الحكومة الإثيوبية الشيء نفسه وأرسلت مبعوثين إلى عواصم الدول الإفريقية والأوروبية.

سد النهضة يمثل بالنسبة إلى إثيوبيا مشروعا اقتصاديا لإنتاج الكهرباء، وبيعها للجوار الإفريقي، ولكن مياه النيل الأزرق المقام عليها تمثل مسألة حياة أو موت بالنسبة إلى مصر ومئة مليون من أبنائها، لأن أي نقص في حصة مصر التي تبلغ 55.5 مليون متر مكعب سنويا سيعني تجويع خمسة ملايين فلاح مصري على الأقل.

الحكومة المصرية بدأت فعلا مرحلة الإعداد العسكري لأي هجوم محتمل لتدمير السد إذا مضت نظيرتها الإثيوبية في ملء خزاناته بحوالي 74 مليار متر مكعب من مياه النيل الأزرق (تشكل مياهه أكثر من 80 بالمئة من مياه النيل) اعتبارا من شهر تموز (يوليو) المقبل، وفي غضون ثلاث سنوات وليس سبع سنوات مثلما تطالب مصر، وعقد الرئيس عبد الفتاح السيسي اجتماعا مغلقا لقادة الأسلحة المصرية البرية والجوية والبحرية لبحث جميع الخيارات قبل خمسة أيام.

أي خيار عسكري مصري لا يمكن أن يكون في ذروة فاعليته دون تعاون السودان الملاصقة لإثيوبيا، ولا نستبعد وقوف جهات سودانية “موالية” لمصر خلف محاولة الاغتيال التي تعرض لها الدكتور عبد الله حمدوك، رئيس الوزراء السوداني كرد على موقف حكومته الداعم لإثيوبيا، وموقفها من أزمة سد النهضة ورسالة إنذار لها، وربما هذا ما يفسر زيارة اللواء كامل عباس، رئيس المخابرات العامة المصرية، ذات النفوذ الهائل في السودان وإدانته للعملية فور وصوله بساعات بعدها إلى الخرطوم، وكذلك اللواء محمد حمدان دقلو رجل السودان القوي، والنائب الأول لرئيس مجلس السيادة السوداني إلى القاهرة اليوم السبت في زيارة مفاجئة لتطويق الخلافات المتفاقمة بين البلدين.

***

المزاج العام في مصر، بشقيه الرسمي والشعبي “مزاج حرب” وتعبئة عامة، وأي متابع للإعلام المصري المسيطر عليه من قبل الدولة وأجهزتها، يخرج بهذا الانطباع، ولعل توجيه هذا الإعلام انتقادات مبطنة لأبرز حلفاء مصر في الخليج، واتهامهم بالانخراط في تمويل سد النهضة (السعودي والإماراتي) وعدم ممارستها أي ضغط على إثيوبيا للتجاوب مع المطالب المصرية هو أحد أبرز الأدلة في هذا الصدد.

عندما يعيد بعض الكتاب المصريين البارزين تذكير القيادة السعودية، ودون ذكرها بالاسم، بموقف الملك فيصل، رحمه الله، الداعم لمصر وسورية في حرب أكتوبر عام 1973 واستخدامه سلاح النفط، فإن هذا التذكير يشي بالكثير من العتب، وربما الغضب أيضا.

معركة سد النهضة إذا اشتعل فتيلها ستكون بين مصر ودولة الاحتلال الإسرائيلي التي تحمي منظوماتها الدفاعية سد النهضة، وليس مع إثيوبيا فقط، ولهذا تحتاج مصر لدعم كل الدول العربية، ومحور المقاومة أيضا، وهذا ما يفسر زيارة اللواء عباس كامل السرية لسورية واجتماعه مع الرئيس بشار الأسد الخميس الماضي.

الأشهر الثلاثة المقبلة ستكون حاسمة بالنسبة إلى مصر سلما أو حربا، وقد تعيد رسم خريطة تحالفاتها عربيا ودوليا، ومع دول الخليج خاصة، فهي أمام معركة مصيرية، وكل الخيارات مفتوحة، بما في ذلك التحالف مع محور المقاومة والعودة لمواجهة الحلف الإثيوبي الإسرائيلي، والعودة إلى الحضن الروسي، وفك الارتباط تدريجيا مع الولايات المتحدة إذا لم تلجم حليفها الإثيوبي وتنقذ المفاوضات الثلاثية.. والله أعلم.

رأي اليوم..عبد الباري عطوان