لا جدوى من مطاردة صغار الفاسدين في السعودية وترك الهوامير

لا جدوى من مطاردة صغار الفاسدين في السعودية وترك الهوامير
الإثنين ١٦ مارس ٢٠٢٠ - ٠٧:٠٢ بتوقيت غرينتش

أعلنت هيئة الرقابة ومكافحة الفساد في السعودية انها تجري التحقيق الإداري والجنائي مع 893 شخصاً بتهم الفساد والإخلال بالواجبات وأنها باشرت التحقيق الإداري مع 219 موظفاً نتيجة الإخلال بواجبات الوظيفة العامة، والتحقيق الجنائي وسماع أقوال 674 شخصا، أوقفت منهم 298 متهما، وبينت أن من بين المتهمين 8 ضباط، أحدهم برتبة لواء، وضباطا متقاعدين بوزارة الدفاع، وضابطا برتبة مقدم في أحد قطاعات وزارة الدفاع، و3 ضباط برتبة عقيد في قطاعات وزارة الداخلية، و15 شخصاً من بينهم لواء وعميد بأحد قطاعات وزارة الداخلية، وقاضيين، و9 مسؤولين في جامعة المعرفة الأهلية بمنطقة الرياض.

ولیس هناك أي انسان في الكون يرفض محاربة الفساد في الدوائر الحكومية، إلا اذا كان هو فاسد فمن الطبيعي انه يرفض بل ويعرقل عمليات مكافحة الفساد، ولكن أن يتفشى الفساد وينتشر في السعودية بهذا الشكل وتعلن السلطات عن التحقيق مع نحو 900 فاسد، فهذا يدعونا الى التفكير بجدية الى البحث عن الجذور الرئيسية لتفشي الفساد وانتشاره.

ولكن قبل كل شيء ينبغي التنبيه الى حقيقة في غاية الأهمية، وهي أن حكومات العالم الثالث والحكومات المستبدة على وجه التحديد تقوم بين فترة وأخرى بحملة لمكافحة الفساد، لتسبغ صورة النزاهة والعصامية على نفسها، بينما الحكومات التي يسري الدستور والقانون على الجميع فيها ليست بحاجة للقيام بمثل هذه الحملات، وانما مجرد وقوع أي عمل فاسد فان السلطات المختصة تقوم بمعالجته، كما انها ليست بحاجة لتعلن بانها من الان فصاعدا ستتشدد في مكافحة الفساد ولن تتسامح معه، فهل يا ترى أنها لم تكن متشددة وكانت متسامحة معه من قبل لتعلن انها من الان فصاعدا لن تتسامح معه.

هذا ان دل على شيء فانما يدل على أن السلطات كانت ولاتزال وستبقى متراخية في التصدي للفساد، ويدلل على أن تحركها واعلانها عن هذا التحرك تريد تحقيق غايات أخرى، سواء لتوجيه رسائل للمعارضة أو للمسؤولين (الذين يريدون اللعب بذيولهم)، لذلك لا يمكن أن تثق الشعوب بمثل هذه الاعلانات وهذه الحملات.

في بلد مثل السعودية الذي يفعل فيه ولي عهدها الامير محمد بن سلمان ما يشاء دون حساب وكتاب لا يبقى معنى لمحاربة الفساد، فلو قرأنا البيان الذي أصدرته الهيئة لرأينا انه يقول أن المتهمين أقروا بالحصول على 379 مليون ريال عبر الاختلاس والرشوة وغير ذلك، ومع أن الحصول على ريال واحد من المال العام بطرق غير قانونية وشرعية لا ينبغي التسامح فيه، ولكن أين هذا المبلغ المذكور من مئات المليارات من الأموال العامة التي فرط بها بن سلمان على هذا البلد أو ذاك أو هذا الرئيس او ذاك من أجل تثبيت سلطته، والمضي قدما في مخططاته.

راجعوا الاخبار والصور التي نشرت حول الهدايا والأوسمة التي قدمها الملك وابنه للرئيس الاميركي دونالد ترامب وزوجته والوفد المرافق حينما زاروا المملكة، سترون كيف أن الـ 379 تبدو حقيرة وضئيلة ولا تعد شيئا أمام هذا البذخ من أموال السعوديين، وراجعوا أيضا ارقام المليارات التي أبرمها بن سلمان مع ترامب لشراء الأسلحة الأميركية، ليستخدمها ضد شعب مظلوم وبلد فقير، وفي حرب عبثية لا يدرى ما هي المحصلة النهاية منها، سترون أن 379 مليون ريال لا تعد شيئا امام هذه الصفقات.

اليوم تفتخر ارامكوا بانتاج 13 مليون برميل نفط يوميا، فيا ترى أين تذهب أموال هذه الملايين من براميل النفط، ولماذا ترفع السعودية حجم انتاجها رغم انها تعلم جيدا انها كلما رفعت انتاجها سينخفض سعر النفط، ألا يدل ذلك على وجود عجز كبير في الأموال تضطر معه السلطات الى رفع انتاجها من أجل الحصول على المزيد منها، من أجل تسديد نفقات الحرب العبثية على اليمن.

هذا هو الفساد بعينه، ولو لم يكن الملك والأمير والرئيس والوزير والمدير فاسدا لكان من المستحيل أن يكون الموظف الصغير فاسدا، فعندما يرى الموظف أن مديره ووزيره ورئيسه وأميره وملكه معفي عن المحاسبة، ويعبث بالمال العام بما يشاء، عندها سيتجرأ على ممارسة الفساد والرشوة والاختلاس، لذلك حري بهيئة الرقابة ومكافحة الفساد أن تطارد الهوامير والرؤوس الحقيقية للفساد، الى جانب مطاردتها لصغار الموظفيين والعسكريين، بل أنها لو طاردت الرؤوس الحقيقية فان الصغار لن يجرأوا على ممارسة الفساد.