الاستفزازات الإثيوبية لمصر والسودان تتصاعد

الاستفزازات الإثيوبية لمصر والسودان تتصاعد
الإثنين ٠١ يونيو ٢٠٢٠ - ١٠:٠٤ بتوقيت غرينتش

تواصل السلطات الإثيوبية استفزازاتها لنظيرتها المصرية مع اقتراب بدء تنفيذ المرحلة الأولى من ملء خزان سد النهضة في مطلع شهر تموز (يوليو) المقبل بحوالي 18.4 مليار متر مكعب من مياه النيل الأزرق، في وقت لم يتحدد حتى الآن موعد استئناف المفاوضات الثلاثية التي رحبت بها مصر وإثيوبيا بوساطة سودانيّة كمحاولة أخيرة للإنقاذ قبل الانفجار العسكري المحتمل.

العالم - افريقيا

أحدث فصول هذه الاستفزازات تصريحات سيليشي بيكيلي وزير المياه والري الإثيوبي أثناء اجتماع له أمام قادة الأحزاب السياسية ورجال دين حول تطورات المفاوضات مع مصر والسودان، التي قال فيها إن إثيوبيا "لن تعترف" بالحقوق التاريخية لمصر في مياه النيل، وتجد تأييدا ومساندة في هذا الإطار من دول حوض النيل، في إشارة إلى اوغندا وكينيا التي ينبع من أراضيها وبحيراتها (فيكتورا) النيل الأبيض.

***

الحكومة المصرية تلتزم الصمت، وتتحلى بأعلى درجات ضبط النفس، وتترك الباب مفتوحا على مصراعيه أمام الجهود للوصول إلى حلّ سياسيّ للأزمة، ولكن هذه "المرونة" يساء فهمها من قبل الطرف الإثيوبي "المتنمر" الذي لم يتورع عن إعطاء الضوء الأخضر لجيشه للتوغل في الأراضي السودانية ودعم ميليشيات مسلحة خارجة عن القانون والاستيلاء على عشرات الهكتارات والدخول في صدامات مع الجيش السوداني أدت إلى مقتل نقيب، وإصابة سبعة آخرين.

هذا الاعتداء الإثيوبي العسكري على السودان ربما يأتي ردا على رفض حكومته توقيع اتفاق ثنائي حول سد النهضة يستثني مصر، ويعمل على عزلها إقليميا ودوليا، فتوقيت هذه الاشتباكات بالذخيرة الحية "مريب"، ويعكس غطرسة أديس أبابا وتعاليها واستهتارها بالشريكين المصري والسوداني، وبدعم إسرائيلي واضح، وأمريكي متستر.

الحكومة المصرية وفي ظل هذا التصعيد، يجب أن تصحح الخطأ التاريخي الذي ارتكبته نظيرتها في زمن الرئيس حسني مبارك من حيث تبني سياسات معادية للجار الاستراتيجي السوداني منذ محاولة اغتيال الرئيس المصري (مبارك) في أديس أبابا عام 1996، ومن بينها تصعيد الخلاف حول حلايب وشلاتين، وفرض السيادة المصرية عليهما من جانب واحد، هذا التصحيح الذي تأخر في رأينا بات ضروريا ومصلحة مصرية قبل أن يكون مصلحة سودانية.

الرئيس الراحل مبارك كان يقدم أحقاده الشخصية تجاه السودان على مصالح بلاده الاستراتيجية، خاصة تلك المتعلقة بالأمن المائي المصري، والحقوق التاريخية لمصر في مياه النيل التي تعطيها نصيب الأسد (58.8 مليار متر مكعب)، وحان الوقت لإصلاح هذا الخلل عبر بوابة التوترات الحالية على الحدود السودانية الإثيوبية، ورفض الخرطوم توقيع الاتفاق الثنائي مع إثيوبيا حول سد النهضة، فالآن هو الوقت الأنسب للتقارب مع السودان، وإبعاده عن إثيوبيا وحليفتها دولة الاحتلال الإسرائيلي التي تتسلل إليه (السودان) عبر بوابة رفع العقوبات الأمريكية، وإزالة اسم السودان من قائمة الإرهاب.

لسنا مع الحل العسكري، ودخول مصر حربا مع إثيوبيا وتدمير سد النهضة لإنقاذ ملايين الفلاحيين المصريين من المجاعة، إلا بعد استنفاد كل الجهود السياسية والدبلوماسية، ولكن إذا وصلت هذه الجهود إلى طريق مسدود، ويبدو الحال كذلك حتّى الآن، فلا بديل عن الخيار العسكري مهما كانت النتائج، وسيكون دعم السودان لمصر ضرورة استراتيجيّة ملحّة لا يمكن الاستغناء عنها.

أولويّات الجيش المصري في الوقت الراهن، ومع اقتراب فرض إثيوبيا لسياسات الأمر الواقع، والمضي قدما في ملء خزان سد النهضة دون اتفاق، ليس الحرب في سيناء ولا حتى في الصحراء الليبية، رغم أهمية التركيز على الجبهتين لخطرهما على الأمن القومي المصري لأن سد النهضة بات يشكل تهديدا وجوديا لمصر، وأصبح مسألة حياة أو موت بالنسبة إلى القيادة والشعب المصري.

***

لنكن أكثر صراحة ونعيد التأكيد بأن أخطر عدوين لمصر هذه الأيام هما إثيوبيا و"إسرائيل"، وأن التحالف الاستراتيجي المتصاعد يستهدف زعزعة أمنها، واستقرارها، واستنزاف إمكانياتها، والحيلولة دون نهوضها، واستعادة دورها القيادي، العربي والإفريقي، وأول خطوة للتصدي لهذا الخطر تعزيز التحالف مع السودان على أرضية المساواة والاحترام المتبادل، وإزالة كل رواسب إرث الماضي العنصري البغيض الذي تراكم طوال الثلاثين عاما الماضية من الحكم السابق.

الدبلوماسية الناجحة هي التي تستند إلى القوة بشقيها العسكري والاقتصادي، والتحالفات القوية، الإقليمية والدولية، ونجزم بأنّ الوقت قد حان لكي يهز الجيش المصري عصاه، بطريقة أو بأخرى، وتبدأ القيادة المصرية في استخدام أوراق ضغطها على إثيوبيا، وهي كثيرة، وقبل بدء ملء الخزان ويصبح الوقت متأخرا.. والله أعلم.

  • عبد الباري عطوان – رأي اليوم