ما معنى 'عمان الجديدة' التي سيدشنها السلطان؟

ما معنى 'عمان الجديدة' التي سيدشنها السلطان؟
الأحد ٠٧ يونيو ٢٠٢٠ - ٠٥:١٩ بتوقيت غرينتش

يبدو أن سلطان عمان "هيثم بن طارق آل سعيد" قد شرع في تأسيس المرحلة الجديدة التي تحدث عنها عند توليه السلطة في يناير الماضي؛ خلفاً للسلطان الراحل قابوس بن سعيد؛ حيث أصدر مراسيم وقرارات يمكن اعتبارها صياغة جديدة لإدارة البلاد على أكثر من صعيد.

العالم - عمان

وكان السلطان الجديد قد تعهّد بالسير على خطى سلفه الراحل، وقال إن بلاده تقف على أعتاب مرحلة جديدة، وإنها ستمضي قدماً في طريق البناء والتنمية، وإن رسالة السلطنة ستظل "نشر السلام في العالم"، كما قال.

كما وعد بتحديث جهاز الدولة الإداري، وتطوير آليات صنع القرار الحكومي، ورفع كفاءة الشركات الحكومية وتعزيز مساهمتها في المنظومة الاقتصادية.

وفي خضم جائحة كورونا التي أربكت حسابات الدول وأتت على جزء كبير من خططها، فإن السلطان هيثم بن طارق اتخذ خلال الفترة الماضية جملة قرارات لإعادة صياغة اقتصاد السلطنة وتعزيز إمكاناتها، كما أنه ألقى حجراً في بركة الأزمة الخليجية الراكدة.

تحرك سياسي

فعلى مستوى السياسة، أعاد سلطان عُمان حديث المصالحة المغلق منذ فترة؛ عبر رسائل حملها وزير شؤون خارجيته، يوسف بن علوي، إلى أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، وأمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، خلال مايو الماضي.

وهذه الرسائل العمانية أعقبتها رسائل بعث بها أمير الكويت إلى أمير قطر والعاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز؛ في محاولة لاستئناف محاولات إصلاح البيت الخليجي، بإيعاز من مسقط، على ما يبدو.

ولاحقاً استقبل سلطان عمان وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، وأجرى اتصالين هاتفيين مع أمير قطر، والعاهل السعودي، الأربعاء (21 مايو).

إدارة جديدة للموارد

وخلال يونيو الجاري، أصدر سلطان عُمان مرسومين سلطانيين تضمنا إنشاء مكتب خاص يتبعه مباشرة، وجهاز استثماري يدير ممتلكات وأصول واستثمارات الدولة كافة.

وبموجب المرسوم السلطاني، أصبح موظفو صندوق الاحتياطي العام للدولة، والصندوق العماني للاستثمار، تابعين لجهاز الاستثمار الذي آلت إليه ملكية كل الشركات والاستثمارات الحكومية، عدا شركة تنمية نفط عُمان، ومساهمات الحكومة في المؤسسات الدولية، والشركات التي يصدر بشأنها أمر من السلطان.

ويحاول السلطان من خلال القرارات الجديدة إعادة صياغة الأوضاع المالية والاقتصادية للبلد الذي يعاني عجزاً في الموازنة بسبب جائحة كورونا وتهاوي أسعار النفط، فضلاً عن قلة احتياطاته من النقد الأجنبي المقدّرة بـ16.5 مليار دولار.

وخلال مارس وأبريل الماضيين، أجرت الحكومة العمانية خفضين متتاليين لموازنة العام الجاري، بواقع 5 بالمئة، في كل مرة؛ لمواجهة تداعيات "كورونا"، ثم أجرت خفضاً ثالثاً بنسبة مماثلة، في مايو، لمواجهة تداعيات انهيار أسعار النفط.

وقالت وزارة المالية العُمانية، إن الخفض الأخير جاء تنفيذاً لتوجيهات السلطان هيثم بن طارق التي تلزم باتخاذ جميع الإجراءات المالية اللازمة لمواجهة آثار انخفاض أسعار النفط، بهدف تقليص النفقات وتقليل عجز الموازنة.

وتعتبر السلطنة، المصنفة ديونها "عالية المخاطر" من وكالات التصنيف الائتماني الرئيسة الثلاث، من أضعف اقتصادات منطقة الخليج (الفارسي) الغنية بالنفط، وقد راكمت ديوناً في السنوات الأخيرة؛ لتعويض الهبوط في إيرادات النفط.

دعم الشباب وتقليص أعداد الوافدين

وكان السلطان الجديد قد تعهّد إبان توليه الحكم، بالعمل على توجيه موارد بلاده المالية التوجيه الأمثل، والعمل على خفض المديونية وزيادة المدخول، كما أبدى اهتمامه بالشباب والمرأة.

وفي سياق الاهتمام بالشباب، أحالت الحكومة، أوائل يونيو الجاري، كل من تجاوزوا 60 عاماً من موظفي الشركات الحكومية إلى التقاعد؛ بهدف توظيف الشباب العُمانيين الباحثين عن عمل، وتقليص نسبة البطالة المرتفعة.

كما سعت الحكومة خلال الشهرين الأخيرين، إلى تقليل أعداد الوافدين الذين يتجاوزون حاجز 1.6 مليون شخص من إجمالي عدد السكان البالغ 4.6 ملايين نسمة، وفقاً لما ذكرته النشرة الإحصائية للمركز الوطني للإحصاء الصادرة في نهاية فبراير 2020.

وتراجعت أعداد العمالة الوافدة في عُمان بنهاية فبراير الماضي، بنسبة 6.18% مقارنة بعددهم في الشهر نفسه من العام الماضي، والبالغ 1.782 مليون وافد، بتراجع 110.11 آلاف عامل وافد.

ملامح مرحلة جديدة

المحلل العماني عوض باقوير يقول، إن ملامح المرحلة الجديدة بدأت في الظهور مع ثاني خطابات السلطان هيثم بن طارق، والذي ركز على جملة ثوابت جديدة، أهمها إعادة هيكلة الجهاز الإداري للدولة، ومفاهيم أخرى مهمة لاقت استحسان الشعب العماني؛ كالشفافية والمحاسبة والحوكمة والتركيز على جيل الشباب.

كما أثار التركيز على التقنية والابتكار والثورة الصناعية الرابعة شغف العمانيين، بحسب باقوير، الذي يرى أن تلك القرارات تنسجم مع الرؤية الجديدة للسلطان، لا سيما فيما يتعلّق بأوامر التقاعد لمن أتم 30 عاماً في الخدمة؛ لإتاحة فرصة للشباب.

هذه الخطوات، يضيف باقوير، تخدم الأجيال الجديدة وتتطلّب فكراً جديداً يتماشى مع تحديات المرحلة، كما أن إنشاء جهاز الاستثمار العُماني يأتي في إطار لملمة عدد من المؤسسات المعنية بالاستثمار، في جهاز واحد تديره مجموعة محترفة ويشرف عليه السلطان شخصياً.

هذا الجهاز الجديد بهذه الطريقة يخدم فكرة استدامة التنمية الاقتصادية والاجتماعية والنهوض بطموحات الأجيال الجديدة في حياة كريمة مستقرة، بحسب باقوير.

من هنا، فإن المرحلة المقبلة سوف تشهد، برأي المحلل العماني، مزيداً من التغييرات التي تتماشى مع ظروف المرحلة، ومع رؤية 2040، التي بدأت تحت إشراف السلطان قبل توليه الحكم.

وينظر كثير من العمانيين إلى هذه التغييرات بكثير من التفاؤل والأمل في تحقيق مزيد من الإنجازات والبناء على ما تحقق من نهضة خلال قيادة السلطان الراحل قابوس بن سعيد، كما يقول باقوير.

ويرى المحلل العُماني أن المرسوم الخاص بإنشاء مكتب خاص تابع للسلطان مباشرة، يعطي أهمية لجملة من القضايا الوطنية التي تهم السلطنة وشعبها، مضيفاً: "السياسة الخارجية العمانية سوف تظل ثابتة كما وعد السلطان في خطابه الأول".

ويبقى التحدي الصحي فيما يخص مكافحة فيروس كورونا، وانخفاض أسعار النفط من أكبر التحديات التي تواجه السلطنة ودول مجلس التعاون الخليجي، والتي ستشهد السلطنة في ضوئها نقلة نوعية فيما يخص هيكلة الجهاز الإداري للدولة والإصلاح الاقتصادي، وخطوات أساسية أخرى، برأي باقوير.

معالجة الثغرات

وفي السياق، يقول المحلل العماني مصطفى الشاعر، إن السلطان هيثم بن طارق شرع في تطبيق الرؤية التي أشرف عليها مسبقاً وتوافَق حولها العمانيون، وهو الأمر الذي يثير ارتياح المواطن لتلك الخطوات الجديدة.

ويضيف الشاعر : "السلطان الجديد دبلوماسي ووزير سابق واقترب من العمل الحكومي ثلاثة عقود، وهو ما يجعله قادراً على تنفيذ خطة المستقبل الطموحة التي بدأت إرهاصاتها بإنشاء ما يشبه الصندوق السيادي للبلاد، وإقرار مبدأ التقاعد لمن تجاوز الستين، وهي قرارات هدفها ملاءمة الدولة مع الظروف الحالية، ومعالجة ثغرات رؤية عُمان 2020، والخطط الخمسية السابقة.