نتنياهو والضم وانقلاب الطاولة 

نتنياهو والضم وانقلاب الطاولة 
الأربعاء ١٧ يونيو ٢٠٢٠ - ٠٢:٥٣ بتوقيت غرينتش

حتى الساعات القليلة الماضية لم يتوقف الهاتف في مكتب رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو عن الرنين وفي كل مرة متصل اما يحاول نصيحة نتنياهو بعدم الاستعجال في قرار الضم او متصل يحاول تحذيره من مغبة القيام بهذه الخطوة التي ستشعل المنطقة.

العالم - قضية اليوم

بالنسبة للعرب الذين يتواصلون مع تل ابيب علنا وسرا، فلا احد منهم حذر نتنياهو او ادان الخطوة المنتظرة وانما جميعهم طالبوه بالتريث واذا كان مضطرا فان لا يكون الضم واسعا كما جاء في خطته، وهؤلاء هم انفسهم تواصلوا مع رئيس السلطة الفلسطينية وابلغوه ان الضم سيكون جزئيا وللمستوطنات الكبرى، لكن المكالمة الأكثر تأثيرا على نتنياهو كانت من نواب امريكيين داعمين لـ"اسرائيل"، ولحزب الليكود تحديدا طالبوه خلالها بعدم الانجرار الى هذه الخطوة لانهم يرون انها ستشكل خطورة على مصير الكيان، والحقيقة ان في تل ابيب من يرى بالخطوة خطرا على الوجود اليهودي ويرون ان هذا القرار وما سيتلوه من قرارات قد يفرض حل الدولة الواحدة والذي يعني فيما يعنيه انتهاء كيان الاحتلال ككيان يهودي، الذين يخشون على يهودية الدولة يبحثون اليوم عن حلول تبعد مليون ونصف مليون فلسطيني يعيشون في المناطق المحتلة في العام 1948 نحو الضفة الغربية لانهم يشكلون عبئا ديموغرافيا على كيانهم، لا بل هناك منهم من يرى بان الدولة اليهودية لن تكتمل عناصرها الا بازاحة هؤلاء العرب باتجاه اراضي السلطة الفلسطينية، نتنياهو يسعى الى ارضاء اليمين ولبنته الاساسية المستوطنين في الضفة الغربية لكن شريكه في الحكم بيني غانتس يحاول ان يكون اكثر عقلانيا من خلال طرحه ضرورة التنسيق في عملية الضم مع الشركاء الاقليميين لعدم خسارة حالة الانفتاح نحو الدول العربية والتي يراهن الاسرائيليون عليها في المستقبل بشكل كبير، وكما يرى احد المسؤولين الاسرائيليين السابقين فإن المكاسب من تأجيل الضم ستفوق عشرات المرات المكسب السياسي من ضم اراض فلسطينية هي اصلا تحت السيادة الاسرائيلية، لكن هناك ما يجعل المراقبين يشككون بنية نتنياهو الاقدام على الضم بداية الشهر المقبل لعدة اسباب اولها ما نقله مسؤولون في اجهزة الامن الاسرائيلية عن عدم تسلمهم اي خرائط تتعلق بعملية الضم للاستناد اليها في ترتيب اوراقهم لمواجهة ردة الفعل الفلسطينية، وثانيا وهو الأهم ان نتنياهو حتى اللحظة لم يقنع المستوطنين الذين لاجلهم سيقدم على هذه الخطوة، ففي آخر لقاء بين نتنياهو وقادة المستوطنين اعترض هؤلاء على نسبة الضم التي تصل الى ثلاثين بالمائة خاصة وانهم اعتبروا بان ما تبقى من الضفة الغربية سيؤدي الى قيام دولة فلسطينية وهو الامر الذي يرفضونه تماما، اما اقليميا فيبدو ان نتنياهو بات يرى ان المحيط وخاصة الذين فتحوا له ابوابهم رغم رفض شعوبهم سيضطرون اسفين لغلق الابواب والعودة الى سرية العلاقات بعد اعوام من المجاهرة باللقاءات مع مسؤولي الاحتلال، ولعل مقالة يوسف العتيبه السفير الاماراتي في واشنطن في يديعوت احرنوت ارسلت برسالة الى نتنياهو ان يتريث وان لا يضحي بالعلاقات الدافئة مع الدول العربية التي اصبح منظروها يفتحون ابوابهم للاسرائيلي ويغلقونها في وجه الفلسطيني ويتهمون مقاومته بالارهاب، دون اسقاط الحالة الداخلية الاسرائيلية فان كل الشواهد تؤكد ان نتنياهو لن يذهب نحو عملية ضم واسعة كما كان يتحدث وانما سيذهب نحو ضم الكتل الاستيطانية الكبرى وربطها بعضها ببعض عبر طريق استيطاني وكما يبدو بدأ العمل به ليكون جزءا من عملية الضم غير المعلنة، لكن ضم المستوطنات الكبرى لا يعني بان فكرة الضم انتهت وبان الاحتلال اكتفى بذلك، عملية الضم هي مشروع اسرائيلي كامل تحدث عنه بنيامين نتنياهو قبل اكثر من خمسة وعشرين عاما في كتابه مكان تحت الشمس حيث قال بانه لن يسمح لفلسطيني ان يقف فوق جبال رام الله ويقصف مطار بن غوريون بصاروخ وفي موقع آخر تحدث الرجل عن العمق الاستراتيجي الذي يشكله غور الاردن لكيانه وعليه فان الرجل بات مضطرا الى سياسة التدريج التي لا تفتح الاعين ولا تحرج الحلفاء من العرب ولا تغضب الاصدقاء في الغرب.

فارس الصرفندي