اثيوبيا بدأت ملء خزان سد النهضة.. الم يحن الوقت لرد مصري قوي؟

اثيوبيا بدأت ملء خزان سد النهضة.. الم يحن الوقت لرد مصري قوي؟
الثلاثاء ١٤ يوليو ٢٠٢٠ - ٠٥:١٤ بتوقيت غرينتش

لم يفاجئنا، ولا الحكومة المصرية، بطبيعة الحال، التصريح الذي ادلى به سيليشي بيكيلي وزير الطاقة والري الاثيوبي اليوم، واعلن فيه فشل المفاوضات الثلاثية التي انعقدت تحت مظلة الاتحاد الافريقي واستمرت 11 يوما بحضور مراقبين من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الامريكية وافريقيا لسبب بسيط لان اثيوبيا تستغل مثل هذه المفاوضات لكسب الوقت، والضرب بعرض الحائط بالمطالب المصرية والسودانية بالحفاظ على حقوقهما المشروعة في مياه النيل.

العالم- مصر

ما يدعم هذا الراي اظهار صور لأقمار صناعية تابعة لوكالة الفضاء الأوروبية توثق بدء السلطات الاثيوبية بملء خزان سد النهضة بالمياه اثناء انعقاد المفاوضات بحضور وزراء الري في الدول الثلاث المعنية، ودون أي احترام لجنوب افريقيا التي ترعى هذه المفاوضات.

الحكومة الاثيوبية أعلنت اكثر من مرة، وبطريقة استفزازية، انها لن تُخطر مصر والسودان بنواياها في ملء الخزان، فهذه مسألة سيادية، وهدد رئيس هيئة اركان جيشها بأن قواته على درجة عالية من الجاهزية للدفاع عن السد في مواجهة أي ضربات مصرية.

***

سيناريوهات “تضييع” الوقت، باشغال مصر والسودان في مفاوضات عبثية الواحدة تلو الواحدة ستستمر، لأنه من المفترض ان يقدم الوزراء الثلاثة المشاركين فيها تقارير الى رؤسائهم الذين سيشاركون في قمة مصغرة تحت رعاية الرئيس الجنوب الافريقي في الأيام القليلة المقبلة، لا نعتقد ان هذا الرئيس سينجح حيث فشل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب احد ابرز حلفاء اثيوبيا.

ندرك جيدا ان السلطات المصرية، عندما تستمر في هذه المفاوضات العبثية، تريد طرق جميع الأبواب، واستنفاذ كل الوسائل الدبلوماسية المتاحة، بما في ذلك الذهاب الى مجلس الامن الدولي، لتبرئة نفسها من أي لوم في المستقبل في حالة اللجوء الى الخيار العسكري كحل أخير، ولكن ونظرا لإساءة فهم اثيوبيا لهذا الموقف “البراغماتي” الذي يعكس رغبة في تجنب الحرب وتبعاتها، وتصرفها بكل غطرسة وتعالي، فان مصر مطالبة بالرد القوي الذي يتناسب مع مكانتها وثقلها الإقليمي، وارثها الحضاري.

فعندما تتحرك السلطات المصرية، التي تملك تاسع اقوى جيش في العالم، فان الآخرين يدركون معنى هذا التحرك، والنتائج التي يمكن ان تترتب عليه، ودليلنا ان الهجوم الذي كان وشيكا على سرت الجفرة في ليبيا تراجع فورا بعد اعلان الرئيس عبد الفتاح السيسي اثناء حضوره عرضا عسكريا في قاعدة سيدي براني قرب الحدود الليبية بأن هاتين المدينتين (سرت والجفرة) خط احمر، وجزء أساسي من الامن القومي المصري لا يمكن السماح باجتياحهما ولا نستبعد ان تكون الطائرات التي هاجمت قاعدة “الوطية” الجوية جنوب غرب ليبيا وضربت منظومات دفاعية تركية فيها بطائرات مصرية، من نوع رافال الفرنسية المتطورة.

صحيح ان مصر تعطي أولوية الى التهديد القادم لأمنها القومي من ليبيا لانه يتقدم على نظيره الاثيوبي، لان ملء الخزان يحتاج الى ثلاث سنوات، حسب التقديرات الاثيوبية، ولكن الانتظار وحده لا يكفي، ويجب التعاطي معه بالدرجة نفسها من الاستعداد والاهمية، مثل ان توجه القيادة المصرية إنذارا لاثيوبيا بأن تجويع 4 ملايين عائلة مصرية “خط احمر” أيضا، وان مصر لا يمكن ان تسقط الخيار العسكري من حساباتها للدفاع عن امنها القومي المائي، بما في ذلك حصار اثيوبيا بحريا، ومنع السفن من الوصول اليها عبر قناة السويس او باب المندب، الى جانب إجراءات أخرى ابرزها ضرب الوحدة الترابية والعرقية الاثيوبية الهشة.

ربما يجادل البعض داخل مصر بأن تراجع مصر ومكانتها، ودورها الريادي القيادي، جاء بسبب التركيز والانشغال بإرساء قاعدة اقتصادية قوية، ولكن هذا الجدل يمكن ان يكون صحيحا في ظل ظروف طبيعية، ويصلح لدول في أوروبا الشرقية او الشمالية مثلا، وليس في مصر التي تواجه اخطارا من الجهات الاربع من الغرب (ليبيا) والشرق (الإرهاب القادم من سيناء) والشمال (دولة الاحتلال الاسرائيلي) والجنوب (اثيوبيا وسد النهضة).

هيبة مصر العسكرية هي ام جميع “الهيبات” الأخرى، سياسية كانت او اقتصادية، ولا بد من تعزيزها والحفاظ عليها، واذا كان الاختبار الأول في ليبيا اعطى ثماره، فمن المؤكد ان الحال كذلك سيكون في اثيوبيا، بل وكل القارة الافريقية.

نقولها للمرة الالف ان الخطر الأكبر الذي يهدد مصر يأتي من الشمال، ومن دولة الاحتلال الإسرائيلي، المتآمر الأكبر على امن مصر واستقرارها، ولم تقم لمصر قائمة منذ ان صادقت هذا العدو، ووقعت معه معادة سلام، حتى لو كانت هذه الهدنة لتجنب شره، والتقاط الانفاس، والشرح يطول.

شعرنا بالصدمة ونحن نقرأ تصريحات جو بايدن، المرشح الديمقراطي للرئاسة الامريكية، التي تطاول فيها على مصر بقوله ان الدعم المالي لها ليس مفتوحا، او شيكا على بياض، ولم يصدر حتى كتابة هذه السطور ردا مفحما له، فأمريكا هي المستفيد الأكبر من صداقتها مع مصر، وليس العكس، ولا نعتقد ان ثمن “الصمت” المصري، أي مليار ونصف المليار من الدولارات سنويا، تذهب معظمها لصناعة السلاح الأمريكي، يجب ان يستمر في ظل سياسات الخذلان الامريكية لمصر، وآخرها التواطؤ مع الرفض الاثيوبي لاتفاق واشنطن النهائي لتسوية الخلاف حول سد النهضة، وبتحريض إسرائيلي.

مصر دولة إقليمية عظمى، ويجب ان تستعيد دورها القيادي في المنطقة، وان تهز العصا الغليظة في وجه كل المتآمرين وعلى رأسهم اثيوبيا ودولة الاحتلال الإسرائيلي، الداعم الأكبر لغطرستها، وتهديدها “بتعطيش” أربعة ملايين فدان مصري وتحويلها الى ارض بور.

الدول لا تختار اقدارها، ولا تستطيع الهروب من موقعها الجغرافي وما يترتب عليه من تحديات، ولا بد من خروج مصر من “شرنقتها” وفي اسرع وقت ممكن، وستجد الحكومة المصرية مئة مليون مواطن مصري خلفها الى جانب 300 مليون عربي، ونحن نستثني من بين هؤلاء المتهافتين للتطبيع مع دول الاحتلال، ويفرطون بالقضايا العربية والإسلامية.

*عبد الباري عطوان - رأي اليوم