7 تطورات تثبت تراجع احتمالات المواجهة العسكرية في الأزمة الليبية

7 تطورات تثبت تراجع احتمالات المواجهة العسكرية في الأزمة الليبية
السبت ٢٥ يوليو ٢٠٢٠ - ٠٤:٠٢ بتوقيت غرينتش

بعد ثلاثة أيام من ترأس الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لمجلس الدفاع والبرلمان المصري، وحصوله على تفويض من الاثنين للتدخل عسكريًا في ليبيا، أعلنت وكالة “الأناضول” الرسمية التركية عن عقد اجتماع طارئ ومغلق الخميس لمجلس الشورى العسكري الأعلى بقيادة الرئيس رجب طيب أردوغان في أنقرة بحضور خمسة وزراء بينهم الخارجية والدفاع والمالية والداخلية ورئيس هيئة أركان الجيش وقادة الأسلحة الجوية والبرية والبحرية.

العالم- مصر

هذه الاجتماعات من قبل قيادتي الطرفين الرئيسين في الأزمة الليبية، أي مصر وتركيا، قد تعني التهديد بالحرب لفتح قنوات الحوار، للتوصل إلى اتفاق وقف النار وتسوية سياسية تؤدي إلى خفض حدة التوتر، والاحترام المتبادل للمصالح على الأرض الليبية لأن الجاهزية للحرب، لا تعني الذهاب إليها، وإشعال فتيلها، فالطرفان التركي والمصري لا يريدانها، لإدراكهما حجم الخسائر الكبرى، المادية والبشرية في حال اشتعال فتيلها.

***

ما يرجح هذه القناعة عدة تطورات مهمة حصلت على الساحة الليبية في الأيام القليلة الماضية:

الأول: رغم التهديدات التركية المتصاعدة باقتحام سرت والجفرة طوال الأسابيع الماضية، وصولًا للهلال النفطي، تشهد هذه الجبهة نوعًا من الجمود، ولا نقول الهدوء، منذ التهديد الذي أطلقه الرئيس المصري من قاعدة سيدي براني الجوية بأن سرت خطٌ أحمر، وتلويحه بتسليح القبائل الليبية.

الثاني: التصريحات التي أدلى بها السيد ياسين أقطاي، مستشار الرئيس أردوغان لموقع “الجزيرة نت” قبل يومين وقال فيها إن بلاده تنظر بجدية لتفويض البرلمان المصري للرئيس السيسي بالتدخل عسكريًا في ليبيا، وتراقب عن كثب التحركات المصرية داخل الأراضي الليبية، فرغم قوله أن هذا التهديد لا يخيف بلاده، كشف عن لقاءات “سرية” على مستوى الخبراء بين البلدين لتفادي المواجهة المسلحة، والسيد أقطاي من الأصوات التي تطالب بالحوار مع مصر وتسوية الخلافات معها.

الثالث: الاتصال الهاتفي الذي أجراه الرئيس دونالد ترامب مع قادة مصر وتركيا وفرنسا بهدف التهدئة وتخفيف حدة التوتر.

الرابع: استئناف الحوار التركي الروسي للوصول إلى اتفاق لوقف دائم لإطلاق النار، وعودة التنسيق بين البلدين في الأزمة الليبية.

الخامس: نفي وزارة الدفاع الجزائرية لتصريحات منسوبة لرئيس هيئة أركان الجيش الجزائري باستعداد قواته للتدخل العسكري في ليبيا، وهو النفي الذي جاء بعد تحذير الرئيس عبد المحيد تبون أثناء لقائه بممثلي الصحافة الجزائرية بأن ليبيا تنزلق إلى “الصوملة” بعد تجاوزها مرحلة “السورنة”، أي الفوضى الشاملة، ومعارضته تسليح القبائل الليبية.

السادس: تهديد الرئيس الفرنسي بفرض عقوبات اقتصادية أوروبية على تركيا بسبب تدخلاتها في ليبيا، وكسر قرار حظر التسليح الأممي، والتنقيب عن الغاز في المياه الإقليمية اليونانية والقبرصية، الدولتين العضو في الاتحاد الأوروبي.

السابع: حديث الدكتور إبراهيم قالن، مستشار الرئيس أردوغان الأول، عن استعداد بلاده للتفاوض مع أي طرف آخر من المنطقة الشرقية الليبية غير الجنرال خليفة حفتر، في تلميح إلى السيد عقيلة صالح رئيس البرلمان الليبي المنتخب في طبرق الذي بات الرجل السياسي الأقوى في الشرق، بسبب نفوذه القبلي وباعتباره القائد الليبي الوحيد المنتخب في انتخابات حرة نزيهة معترف بها دوليًا، ويحظى بدعم عدة دول بينها الجزائر ومصر وتونس وروسيا وفرنسا، ويرى فيه البعض “البديل الثالث”، فهذا الطرح ربما يكون السلم الأهم لإنزال جميع الأطراف من على شجرة الأزمة العالية.

***

ما يمكن استنتاجه من هذه النقاط السبع أن تركيا لا تريد التورط في حرب في جبهة تبعد 1500 كم عن أقرب حدودها وستكون كلفتها الاقتصادية عاليةً، وانعكاساتها على الداخل التركي سلبية خاصةً في ظل الأزمة الاقتصادية المتفاقمة في ظل انهيار الدخل السياحي، وضعف الليرة، وتقلص الاستثمارات الدولية، واحتمال مواجهة عقوبات أوروبية، والشيء نفسه ينطبق على مصر التي تقف على أبواب حرب أخطر على جبهتها المائية الاستراتيجية الجنوبية مع إثيوبيا، حيث تتصاعد التهديدات الإثيوبية ووصول جميع المفاوضات إلى طريق مسدود، فلا أحد يستطيع التنبؤ بنتائج الحرب ولا عمرها، واحتمال تطورها إلى حرب بين قوىً عظمى إقليمية ودولية.

الرئيس أردوغان يخوض حاليًا حربين عسكريتين الأولى في سورية والثانية ضد حزب العمال الكردستاني في العراق وشرق تركيا، وهناك ثالثة تلوح في الأفق بعد تهديده بالانحياز إلى أذربيجان في حربها ضد أرمينيا، وجميع هذه الحروب العسكرية على حدود بلاده، ولا نعتقد أنه من الحكمة خوض حرب رابعة في ليبيا البعيدة، في وقت يتناقص عدد حلفائه وأصدقائه، ويتصاعد عدد أعدائه، أما خصمه الرئيس السيسي، وفي ظل أوضاع مصر الاقتصادية المتدهورة، يدرك جيدًا أنه ليس من الحكمة فتح جبهتين، واحدة في إثيوبيا والثانية في ليبيا، خاصةً أن الخصمين التركي والإثيوبي دخلا في مرحلة التنسيق المباشر ضد مصر العدو المشترك.

نرجح التفاوض بين الطرفين المصري والتركي رغم التهديدات، والاستعدادات المتصاعدة للحرب في الجانبين، لأننا نؤمن بالمثل الشعبي الذي يقول “إن الذي يريد أن يضرب لا يكبر حجره”، ونحن في جميع الأحوال ضد هذه الحرب التي ستدمر قوتين إسلاميتين وجيشهما ولمصلحة إسرائيل.. والله أعلم.

*عبد الباري عطوان - راي اليوم