هل ولد إتفاق "الرياض2" ميتاً؟

هل ولد إتفاق
الأربعاء ٢٩ يوليو ٢٠٢٠ - ١٢:٥٢ بتوقيت غرينتش

اجواء إحتفالية تسود الرياض بعد الاعلان عن قبول حكومة الرئيس اليمني المستقيل والهارب عبدربه منصور هادي المدعوم من السعودية والمجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من الامارات على الخطوط العامة، لما قيل عن آلية تقدمت بها السعودية لتنفيذ اتفاق الرياض لانهاء الصراع بين حكومة هادي والمجلس الانتقالي، بعد ان بقي حبرا على ورق منذ فبراير/ تشرين الثاني الماضي.

العالم يقال ان

الالية التي اقترحتها السعودية تقضي بإلغاء المجلس الانتقالي للادارة الذاتية وتنفيذ بنود اتفاق الرياض وتعيين حاكم لمحافظة عدن وخروجِ القوات العسكرية منها، وتشكيل حكومة تضمّ وزراء من شمال وجنوب اليمن خلال ثلاثين يوما، بعد تثبيت حالة وقف اطلاق النار وانسحاب قوات الانتقالي وحكومة هادي من المدن.

كان واضحا من خلال المراسيم التي اصدرها هادي اليوم، ان السعودية تضغط من اجل ارضاء المجلس الانتقالي الجنوبي الذي يسيطر عليه الانفصاليون ودفعه للقبول باتفاق الرياض بنسخته الجديدة، فقد عين هادي أحمد حامد لملس الذي كان يشغل منصب الأمين العام لهيئة رئاسة المجلس الانتقالي الجنوبي ، محافظا لمحافظة عدن، وتعيين العميد محمد أحمد الحامدي، مديرا عاما لشرطة محافظة عدن وهو ايضا من الشخصيات الجنوبية المعروفة، وبذلك يكون المجلس الانتقالي قد احكم قبضته الامنية على عدن.

بالمقابل اصدر المجلس الانتقالي الجنوبي بيانا فضفاضا اعلن فيه التخلي عن الإدارة الذاتية، وتعهد بتنفيذ الالية السعودية الجديدة لتقاسم السلطة، دون لتطرق الى تفاصيل هذا التعهد والية تنفيذه.

اللافت ان السعودية والامارات شنتا عدوانهما على اليمن تحت ذريعة الدفاع عن الشرعية ضد "الانقلابيين"!! ، بينما اتفاقية الرياض التي ترعاها السعودية أضفت "الشرعية "على كيان غير شرعي متمثل بالمجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من الامارات، والذي انقلب على "الشرعية" وقاتلها على مدى سنوات ، وهي "الشرعية" التي تزعم السعودية الدفاع عنها، وسقط جراء النزاع بينهما مئات القتلى من الجانبين.

رغم ان اتفاق الرياض "المُحسّن" لصالح الانقلابيين ليس الأول من نوعه ، الا ان هذا الاتفاق يحمل بذور موته في داخله لاسباب عدة، ليس فقط بسبب الصراع القبلي والمناطقي المتجذر في الجنوب، بل بسبب الضغوط التي مارستها السعودية على جميع الاطراف وخاصة حكومة هادي، حتى قيل ان سفير السعودية في اليمن هدد المجتمعين من انهم لا يحق لهم الخروج من القاعة التي اجتمعوا فيها بالرياض الا بعد ان يتفقوا.

يرى المرقبون للمشهد السياسي في المملكة ان الضغط السعودي على هادي للاتفاق مع الجنوبيين المدعومين من الامارات، حتى وفقا لشروطهم، هي محاولة اخيرة للسعودية للظهور بمظهر من يمسك بالملف اليمني بعد الضربات التي نزلت على هيبتها جراء سيطرة المسلحين المدعومين اماراتيا على جميع محافظات الجنوب ، ومنهم من برر الاستعجال السعودي بوجود تحديات كبيرة تواجه الرياض وقد تطيح بدورها الاقليمي بشكل كامل، ومن هذه التحديات الانتخابات الأميركية التي اقترب موعدها وقد تسفر عن هزيمة مدوية لدونالد ترامب، المدافع الشرس للسياسة السعودية امام خصمه جو بايدن الذي لا يكن الود للسعودية كما ترامب.

كما ان الازمة في الجنوب قد طالت ، وان الجنوبيين مصممون على بسط سيطرتهم على كل مناطق الجنوب بدعم اماراتي وكانت اخر معاركهم تلك التي تكللت بالسيطرة على جزيرة سقطري ، وهي تلك السيطرة التي دفعت جهات في حكومة هادي الى طلب العون من الامم النتحدة للتدخل ، الامر الذي رات فيه السعودية تدويلا لازمة الجنوب لا يصب في صالحها.

هذه الاسباب وغيرها هي التي دفعت السعودية للضغط والاسراع من اجل الحصول على اتفاق لا يبدو انه سيقاوم امام الحقائق على الارض، وهو ما تداركه الاتفاق عندما اشار الى انه لن يتم إعلان الحكومة إلا بعد الانتهاء من تنفيذ البنود الأمنية والعسكرية كافة في عدن، وعودة الأوضاع لطبيعتها في سقطري، وهو امر لا يمكن تنفيذه وسط الخلافات ليس على تقاسم الجغرافيا فحسب بل حول تقاسم حقائب المحافظات الجنوبية، التي اثارت حفيظة مكونات أخرى تطمح للشراكة بالحكومة المرتقبة، حيث دعا وجهاء قبليون بمحافظة أبين، لعقد اجتماع عام للتاكيد على حقهم في التمثيل بالحكومة.

يبدو اننا لسنا بحاجة الى وقت طويل لنتعرف على مصير اتفاق رياض "المعدل" او "الرياض2"، فالخلافات هي اكبر من التغطية عليها بممارسة الضغوط السياسية والمادية وحتى العسكرية، لسبب بسيط وهو ان العدوان على اليمن كان من اهدافه اما جعل اليمن تابعا للسعودية، وفي حال تعذر ذلك، يجب اضعافه عبر نشر بذور التفرقة القبلية والمناطقية بين ابناء الشعب اليمني وصولا الى تقسيمه ، كما بدا واضحا من ممارسات الامارات ودور السعودية التي اكتفت بالمشاهدة.