ارتفاع الضرائب يسقط المزيد من السعوديين في قاع الفقر

ارتفاع الضرائب يسقط المزيد من السعوديين في قاع الفقر
الخميس ٣٠ يوليو ٢٠٢٠ - ٠٦:٥٤ بتوقيت غرينتش

تحوّلت الحياة في السعودية بالنسبة للطبقة الوسطى إلى معاناة كبيرة في ظل ارتفاع كلفة الفواتير ورسوم الكهرباء والماء، وإلغاء بدل الغلاء، وزيادة ضريبة القيمة المضافة التي وصلت نسبتها إلى 15 في المائة، بداية من شهر يوليو/ تموز الجاري، من المبيعات بدلا من 5%، إضافة إلى انخفاض كبير في الرواتب، وإغلاق لمشاريع كبيرة كانت توظف مئات الآلاف من السعوديين بفعل الصعوبات الاقتصادية التي تعانيها البلاد بسبب آثار فيروس كورونا على الاقتصاد، إضافة إلى انخفاض أسعار النفط.

العالم - السعودية

وأدى ذلك إلى دفع المزيد من السعوديين إلى خانة الفقر البالغة نحو 25%، حسب تقديرات غير رسمية.
وتعرض الاقتصاد السعودي للانكماش بنسبة 1 في المائة في الربع الأول من العام الجاري، فيما سجلت ميزانية السعودية خلال النصف الأول من العام الجاري عجزا بقيمة 143.3 مليار ريال (38.2 مليار دولار)، بسبب تراجع أسعار النفط بفعل فيروس كورونا، حسب بيانات رسمية، أعلنت أول من أمس.
وكانت السعودية قد خفضت ميزانيتها بواقع 50 مليار ريال (13.3 مليار دولار)، عقب وباء كورونا، كما قررت تأجيل بعض المشاريع المرتبطة برؤية 2030 للحد من الإنفاق المالي، لكن المشاريع الأساسية في هذه الرؤية، مثل مشروع مدينة "نيوم" الذي سيكلف 500 مليار دولار، لا تزال قائمة حتى الآن. وسحبت أيضا نحو 51 مليار دولار خلال الأشهر الأربعة الأولى من العام الجاري.
وقررت السلطات السعودية رفع ضريبة القيمة المضافة من 5 في المائة والتي بدأت في تطبيقها عام 2018 إلى 15 في المائة ابتداء من مطلع شهر يوليو/ تموز الجاري. ويقول الاقتصاديون المؤيدون للحكومة السعودية إن هذه الإجراءات القاسية لا بد منها لحماية الاقتصاد، والمحافظة على استقرار التدفقات المالية للبلاد على المدى القصير والبعيد وتجنب الوقوع في مصيدة الديون والتي قد تؤدي إلى إفلاس البلاد مستقبلاً.
في المقابل، يرد المعارضون بأن السلطات لم توقف الحرب في اليمن والتي تستهلك جزءاً كبيراً من موارد البلاد في ظل فشل الجيش في إحراز النصر على أنصارالله، إضافة إلى صفقات شراء الأسلحة التي تقوم بها السعودية من الولايات المتحدة لإرضاء الرئيس الأميركي دونالد ترامب، والذي تحول إلى مبتز للرياض.

ويمكن لمن يمر على الأحياء الشعبية في العاصمة الرياض ملاحظة ازدياد معدلات الفقر بين الطبقات الفقيرة التي استفادت من ارتفاع أسعار النفط والمنح والتسهيلات المالية التي قدمها الملك السعودي الراحل "عبد الله بن عبد العزيز" إبان فترة ارتفاع أسعار البترول العالمية، واختفاء مشاهد الرفاهية التي كانت الطبقات الوسطى تتمتع بها في السعودية.
ويقول ناصر الشمري، وهو أحد سكان الرياض الذين كانوا يعيشون في حي شعبي فقير قبل أن تؤدي المنح المالية التي قام الملك الراحل عبد الله بمنحها لهم إلى تغيير أسلوب حياتهم: "لقد عدنا إلى نقطة الصفر وأسوأ، كل شيء صار غالياً وانعدمت الوظائف العامة. كنت أتلقى إعانات خاصة بالعاطلين من العمل، لكن هذه الإعانات توقفت، أما برامج الابتعاث والتشجيع على شراء البيوت والاستثمار فقد اختفت".
وحسب بيانات رسمية، بلغت نسبة البطالة في الربع الأول من العام الجاري 11.8%. والآثار المدمرة لهبوط أسعار النفط والتخبطات التي يعيشها الاقتصاد السعودي وتصاعد كلفة المعيشة لم تقتصر على العاصمة الرياض، بل تشتد وطأتها في المدن الحدودية السعودية التي يعيش فيها الريفيون والبدو، خصوصاً المناطق التي تقع على حدود الكويت والعراق والأردن، شمال البلاد.
ويقول م. العنزي، وهو شاب سعودي يبلغ من العمر 28 عاماً، إن ضريبة القيمة المضافة الجديدة إضافة إلى فواتير الكهرباء والماء أدت إلى إفقار جزء كبير من سكان مدينة عرعر التي تقع على أطراف الحدود السعودية العراقية. ويقول العنزي لـ"العربي الجديد": "أعرف عائلات كاملة أصبحت تحت خطر الفقر بسبب السياسات الحكومية الاقتصادية، فاتورة الكهرباء والماء التي كانت لا تمثل شيئاً من ميزانية الأسرة السعودية صارت تلتهم جزءاً كبيراً من الراتب، فضلاً عن ارتفاع أسعار المواد الغذائية والوقود والدخان إلى مستويات قياسية".

من جانبه، قال شاب سعودي مقيم في مدينة حائل، شمال البلاد، رفض ذكر اسمه، لـ"العربي الجديد": "لقد أخلف محمد بن سلمان بوعده للشعب السعودي. رأيناه وهو يخرج في عام 2018 ليقول إن حكومته لن تفرض ضرائب على السعوديين حتى عام 2030، ولم تكد تمر سنتان على حديثه حتى ارتفعت الضريبة إلى 15 في المائة وزادت أسعار كل شيء، حتى حليب الأطفال صار مشمولاً بالضريبة، وفي الوقت نفسه لم أر مصروفات رجال الأسرة الحاكمة أو حاشية بن سلمان قلت أو تم تقليصها".
ويعاني المتقاعدون السعوديون من زيادة كلفة الحياة عليهم، إذ يتقاضى عدد كبير منهم رواتب تقاعدية تصل إلى 3000 ريال سعودي (ما يعادل 800 دولار)، وهي رواتب لا تكفي لسداد فاتورتي الكهرباء والماء اليوم، فضلاً عن شراء مستلزمات الحياة الضرورية.
وسربت وسائل إعلام سعودية خبر فرض ضريبة على الدخل في محاولة لجس نبض الشارع بعد تصريح وزير المالية محمد الجدعان، لوكالة "رويترز"، بأنه لا يستبعد فرض هذه الضريبة منطقياً، لكن هذا التسريب قوبل برفض كبير وغضب شعبي عارم من قبل السعوديين الذين هددوا عبر وسائل التواصل الاجتماعي بتحركات سياسية واجتماعية ضد الحكومة، وهو ما جعل السلطات تصدر بياناً رسميا عبر وكالة الأنباء السعودية (واس)، قالت فيه إنها لم تناقش هذا الخيار مطلقاً. وقال وزير المالية إن تصريحاته فهمت بشكل خاطئ.

المصدر: العربي الجديد