لبنان بين استقالة ناصيف حتي والاجندات الخارجية

لبنان بين استقالة ناصيف حتي والاجندات الخارجية
الثلاثاء ٠٤ أغسطس ٢٠٢٠ - ٠٣:٠٦ بتوقيت غرينتش

في بلد مثل لبنان من الغريب نوعا ما السماع بان وزيرا استقال من منصبه خاصة اذا كان يشغل منصب وزارة غير انتاجية مثل وزارة الشؤون الخارجية، لكن تقديم وزير الخارجية البناني ناصيف حتي استقالته تعكس دلالات عديدة تتعلق بأجندات وسيناريوهات يمكن ان يشهدها لبنان في الايام المقبلة.

العالم - قضية اليوم

بداية وللحديث قليلا عن استقالة حتي، فان الوزير لم يقدم أداء ملفتا كوزير لخارجية لبنان والذي عليه ان يعكس صورة البنود الاساسية التي تبني عليها الحكومة شرعيتها، ومن هذه البنود حق لبنان في مقاومة الاحتلال ومواجهة مشاريعه العدوانية. وفي هذا السياق لم يكن اداء حتي مقنعا بالنسبة لكثيرين على المستويين الشعبي والرسمي، خاصة في قضية السفيرة الاميركية دوروثي شيا، وتصريحاتها التدخلية في الشأن اللبناني. كما لم يكن حاضرا بالشكل المطلوب بعد الاعتداء الاسرائيلي قبل ايام وقصفه قرى وبلدات جنوبية.

اما تقديمه للاستقالة فيثير تساؤلا عن خلفياته ولماذا في هذا الوقت بالذات. ناصيف حتي بنى سيرته الذاتية السياسة ضمن علاقات مع فرنسا والولايات المتحدة، وعلى ما يبدو فانه يتمتع بوفاء كبير لاصدقائه الفرنسيين، ومن هنا كان امتعاضه الكبير من تعاطي حكومة حسان دياب مع زيارة وزير الخارجية الفرنسي جان ايف لودريان الى بيروت ورفض شروطه لتقديم مساعدات اقتصادية للبنان.

تقديم الاستقالة في هذا الوقت لا يشير الى حرص على مصلحة لبنان كما يقول حتي في بيان استقالته، (الذي يحتوي على كلام عاطفي اكثر منه واقعي عملي). وبالتالي من حق اللبناني ان يسأل ماذا اراد حتي من استقالته؟ هل حقا اراد لفت النظر الى الازمة التي يعيشها البلد؟ اليست هذه الازمة موجودة منذ عام 1992؟ اليست الدولة تعاني من فشل في العديد من قطاعاتها ومؤسساتها؟ الان فقط انتبه حتي الى هذه المشاكل؟

هنا وللتوسع قليلا، لا بد من الاشارة الى معطيات تحضر بقوة على الساحة اللبنانية..

استقالة حتي (المقرب من الغرب وتحديدا فرنسا والولايات المتحدة)، تأتي قبل ايام من موعد إصدار المحكمة الدولية الخاصة باغتيال رئيس الحكومة الاسبق رفيق الحريري قرارها النهائي. وهذا ليس بالحدث العابر، والمقصود هنا هو التبعات التي سيتركها القرار الذي قد لا يخلو من اشارات او ربما اتهامات للمقاومة باغتيال الحريري، والدوافع المشبوهة في ذلك معروفة. لكن ما يهم هنا هو الهدف من هذه الاتهامات الواهية التي من المحتمل ان تشعل الساحة اللبنانية في ظل ترويج بعض الاطراف بان الحكومة الحالية هي حكومة حزب الله (ومن السيناريوهات في هذا الاطار تبرير اي عمل ضد الحكومة اللبنانية في حين ان هذه الاطراف اكلت وشربت 15 عاما على حساب قضية الحريري الاب).

هذا السيناريو سيدفع باتجاه الهجوم على الحكومة، وبالتالي سيكون لبنان امام خيارات قاسية. فاما ان تستقيل حكومة حسان دياب ويتم الضغط لعودة سعد الحريري لرئاستها مسلحا بوعود الدعم الاميركي والاوروبي والسعودي والاماراتي، او يدخل البلد في فراغ سياسي يضاف للشارع التائه بين ولاءات الزعماء السياسيين ولقمة عيشه، وما سيعنيه ذلك من انفلات للامور بشكل يهدد وجود المؤسسات الدستورية في البلاد.

استقالة ناصيف حتي ليست بالمهمة سياسيا واداريا بقدر ما هي مهمة في دلالاتها التي تشير الى مساعي إدخال لبنان في حالة من الشلل تسمح للاميركي وغيره بإبعاد حزب الله عن الحكومة والاستفراد به من جهة وفرض سياسات معينة على الحكومة المقبلة التي ستكون مرهونة لإملاءات الاميركي وودائع السعودي في المصارف اللبنانية، بغض النظر عن الاسم الذي سيرأسها.

*حسين الموسوي