تركيا والاختباء وراء اصبع المماطلة والتعطيل

تركيا والاختباء وراء اصبع المماطلة والتعطيل
الأحد ٢٠ سبتمبر ٢٠٢٠ - ٠٥:٠٤ بتوقيت غرينتش

لا يمكن للمرء ان يغفل تعثر المفاوضات الروسية التركية، بعد خلافات انعكست بشكل مباشر على التنسيق بين الطرفين في ادلب، تعليق موسكو مشاركتها بالدوريات على الطريق الدولي الواصل بين حلب واللاذقية، ترافق ذلك مع تصاعد غبار القصف المتبادل بين الجيش السوري والمجموعات المسلحة وجبهة النصرة، حيث لم تستطع الدبلوماسية التركية رتق عيوب سياستها تجاه سورية، وبدت الدولة التركية عاجزة عن ضبط إيقاع التناقضات والعلاقات الملتبسة مع شركائها الضامنين في استانا، الجانب الإيراني والروسي.

العالم - يقال ان

لم تكن تلك المرة الأولى التي تظهر فيها الخلافات بين الجانب التركي والروسي بما يخص ملف ادلب، وهذه المرة ما تم الحديث عنه للاعلام من قبل الجانبين الروسي والتركي، يظهر جبل جليد من التناقضات بين ضامني استانا، ففي هذه المفاوضات، كان ملف ادلب، حاضرا بقوة على طاولة المفاوضات، التي شهدتها انقرة بين وفد عسكري روسي وقادة اتراك، والذي كان من المفترض ان يخرج بمقررات تنهي تواجد المجموعات المسلحة بالقرب من طريق M4 الواصل بين حلب واللاذقية. ما يشير الى تعقيد طرق التوصل الى حل سياسي، واعتماد اليد على الزناد، لتكون هي صاحبة القرار في انهاء تواجد المسلحين، بعد المراوغة التركية، ومحاولة كسب الوقت، الذي لم يعد في صالحها او صالح المجموعات المسلحة، وهناك من يجزم ان ما اعلن بعد هذه المفاوضات، ما هو الا جزء بسيط مما تم النقاش حوله، وان هذا اللقاء جاء وفق قناعة المشاركين فيه، ان النقاط التي تجمع الطرفين، اقل بكثير مما يختلفون عليه، ما يعني عبثية المحاولة امام المراوغة التركية المستمرة، وما رفض انقرة تخفيض عدد نقاط المراقبة التركية في ادلب، والتي وصلت الى ستة وخمسين نقطة، في مخالفة واضحة لاتفاق استانا وسوتشي، الا حالة من حالات الهروب إلى الأمام التي يمارسها التركي بشكل دائم، والاختباء خلف إصبعه للتملص مما فرضه مسار سوتشي واستانا من التزامات.

هذا الرفض يأتي ضمن رهان الاتراك على الولايات المتحدة الامريكية، التي لم تتوقف عن اعلان دعمها للتواجد التركي في ادلب، وتسعى للحفاظ على الوضع الراهن في المحافظة المختطفة من قبل المجموعات المسلحة، وهذا كان واضحا في تصريحات المبعوث الأمريكي جميس جيفري، الذي يتحرك ضمن استراتيجية ادامة الحرب العسكرية في سوريا، وتعطيل أي حل ينهي تواجد المسلحين في شمال البلاد عموماً، بالتزامن مع محاولات مستمرة لتغير صورة جبهة النصرة والمجموعات المسلحة، واخراجها بصورة المعارضة المعتدلة وفق المعايير الامريكية التركية، وإقناع العالم ان جبهة النصرة واكلة الاكباد، لا يشكلوا إرهابا على المستوى الدولي، وهنا تأتي محاولة كسب الوقت، وإعادة التدخل الأمريكي بالملف من البوابة التركية، والسؤال المشروع، لماذا هذا الرفض التركي لتخفيض عدد هذه النقاط، والدعوة الروسية لتنفيذ ما اتفق عليه في سوتشي، ان تكون 12 نقطة، واليوم تشهد ادلب وحدها أكثر من ستة وخمسين نقطة، بعتاد عسكري يصل أحيانا الى المدرعات القتالية، والمدافع الثقيلة، وصواريخ الدفاع الجوي، واعداد من الجنود أصبح يوازي اعداد مسلحي المجموعات الارهابية، ليأتي الجواب ان رفض الاتراك ذلك الطلب، ما هو الا دليل واضح على ان الاتراك يحاولون فرض الامر الواقع في تلك الجغرافيا السورية، وحماية للمجموعات المسلحة ومحاولة طمأنتها.

إن الطلب الروسي الذي جاء بالتأكيد بتوافق مع التوافق الدولة السورية، كان مثالا واضحا على الدبلوماسية الذكية، لسوريا وحلفائها، وهو اختبار حقيقي، لنوايا الجانب التركي الذي من المفترض ان يكون شريكا في ثلاثية الدول الضامنة، والذي يتنصل منذ توقيعه على اتفاقية سوتشي، ويبتعد بمبررات كثيرة، عن تنفيذ التزاماته، ما يضع جميع الأطراف امام صوت وحيد، بعد غياب صوت المصداقية التركية، وهو ازيز الرصاص، وتدخل الجيش السوري وحلفائه لإبعاد المجموعات المسلحة عن الطريق الدولي، وإعادة افتتاحه امام الجمهور، وهذا يعني ان وقت ذر الرماد في العين قد انتهى، والان الشريك الثالث في مثلث ضامني استانا، هو من يعرقل بوضوح وبدون مواربة أي حل سياسي لإنهاء الازمة في ادلب، ما يدعم الحل السياسي العام في البلاد، والوصول الى نتائج في لجنة مناقشة الدستور، والكثير من الخطوات السياسية اللاحقة.

إن الرفض الروسي للمشاركة في الدوريات المشتركة على الطريق الدولي، ما هي الا رسالة أرسلها الروسي للأتراك، بالذات بعد الهجمات المتعدة التي شنتها مجموعات مسلحة على العربات الروسية في تلك الدوريات، وبعدها جاء غياب التوافق في الاجتماع الأخير، ما يعني ان ذلك التعثر السياسي، انعكس على الميدان، مع انطلاق القاذفات الروسية من مطار حميميم لتستهدف مواقع للمجموعات المسلحة، التي تخرق اتفاق وقف الاعمال القتالية، ما يرشح دخول المنطقة دائرة التصعيد العسكري من جديد.

من هنا يمكننا الجزم ان كل الثغرات التي ترافق الدور التركي في الحرب المفروضة على سوريا، تؤكد ان لعبة انقرة شارفت على نهايتها، وثمة راي على الأرض يؤكد انه لا مفر من التعاطي مع حالة التسويف التركي، وانغلاق الأفق السياسي معها، بشكل مختلف، ويجب اختراق الحائط المسدود الذي يبنيه الاتراك في كل مرة، وان البدائل متاحة، واليد ما زالت على الزناد.

حسام زيدان / العالم