الإدارة بالأزمات والمبادرة الفرنسية في لبنان

الإدارة بالأزمات والمبادرة الفرنسية في لبنان
الثلاثاء ٢٩ سبتمبر ٢٠٢٠ - ٠٤:٠٩ بتوقيت غرينتش

يبدو من الواضح بعد التتبع لمسار الأزمة الاقتصادية المالية التي بدأت عاصفتها تشتد في لبنان مع حراك ١٧ تشرين أول ٢٠١٩، وما تلاها من أزمة صحية مع بداية ربيع ٢٠٢٠ ساهمت في رفع مستوى خطر التهديدات التي تحملها الأزمة الاقتصادية والمالية، أن هناك أيادٍ ظاهرة أمريكية تريد أن تسيّر البلد بأسلوب الإدارة بالأزمات،  لمحاولة تركيعه وأخذه الى خياراتها السياسية المحلية والإقليمية والدولية، كدأبها مع بلدان أخرى، متوسلة العقوبات الاقتصادية، وتجفيف العملة الصعبة الواردة، والوضع على لائحة الإرهاب للمؤسسات والأفراد لتقييد الحركة الاقتصادية للبلد، وإفقاره وجعل شعبه ناقماً على حكامه، بعد استنزاف قدرة الكثير من الناس فيه على الصبر والصمود أمام تحديات الفقر وشح الموارد.

ويدور حول ما تقدّم كثير من عمليات وأهداف الإدارة بالأزمات، التي اعتمدتها أمريكا في عهد ترامب، وهي مستمرة فيها حتى آخر يوم من ولايته الرئاسية.

لذلك فإن تصدي الرئيس الفرنسي ماكرون للملف اللبناني لا يمكن أن يكون دون تنسيق مع الأمريكي، ليستخدم الأدوات ويحقق الأهداف نفسها للإدارة بالأزمات، لجعل لبنان يخضع لشروط وإملاءات وخيارات أمريكا في التطبيع وترسيم الحدود وضرب المقاومة ونزع سلاحها ...

لقد بدا الرئيس الفرنسي يعلّمنا طرق الدخول الى الحياة السياسية، ويحاضر فينا بمفهوم الدولة وشكلها، منصباً نفسه في مكان لا يستحقه، مقدماً الوعظ إلينا بثياب الثعالب الماكرة، متهماً المقاومة بإرهاب اللبنانيين بقوة سلاحها، وهي التي حرّرت وأعزت وأكرمت بلدهم وجعلته موضع نظر واهتمام على الصعيد العالمي.

وقد غاب عن ذهنه حين اتهم الجميع بالسرقة والنهب والهدر والفساد أن الفريق الموالي للغرب وتوجهاته، هو الذي قد حكم البلد بعد اتفاق الطائف، عبر الحريرية السياسية المتحالفة عضوياً مع الشيراكية الفرنسية التي وبالتوافق مع الأمريكي أحدثت كل هذا الفساد لتحين لحظة الحصاد هذه.

لقد بدا الرئيس الفرنسي متمسكاً بقوة بالأجندة الأمريكية، التي كُلّف بها سلفه شيراك عبر ال ١٥٥٩، فطريقته الالتفافية لمقاربتها لا تخفى على من يقرأ بتمعن مواقفه وخطاباته حول الأزمة الاقتصادية والسياسية في لبنان ويحللها، ولا يراه المراقب إلا جندياً مخلصاً في جيش الأحمق ترامب المفتعل للأزمات من أجل إخضاع الدول والشعوب.

كان الأجدر بالرئيس الفرنسي إن أراد أن يلعب دور الحكم العادل ان لا يردد نفس المعزوفة التي تعزفها مراراً وتكراراً الأوركسترا الأمريكية من أن سلاح المقاومة يرهب اللبنانيين فيما هو يرهب ويُرغم أصدقاءه الإسرائيليين، وأن يتحرر نسبياً من التبعية الأمريكية وينأى بنفسه عن الإدارة الأمريكية الحالية الحمقاء مقترحاً خيارات مجدية يجمع عليها اللبنانييون.

أما أن يستفيد من فتح الأبواب له للطعن بحزب الله والمقاومة وسلاحها بطريقة ناعمة فتلك لعبة فاسدة وكلام ممجوج ومواقف قبيحة ووقحة.

إن ما يحاول علاجه ماكرون، مظهراً نفسه بثياب الواعظين، ليقطف نتائج وينجز أهدافاً قد حُدّدت للاستثمار في الإدارة بالأزمات في لبنان، هو من صنع أيادي أزلام وعبيد الغرب في الداخل، لا سيما أمريكا وفرنسا، من السياسيين الفاسدين والمفسدين الذين لم يتورّعوا عن أي عمل آثم خدمة لأسيادهم المستعمرين.

إن من الأفضل والأجدى للبنانيين المرتبطين بالغرب أن لا يراهنوا على بقاء الإدارة الأمريكية الحالية في البيت الابيض ليبقى نهجها سائداً في منطقتنا فإما السير وفق إملاءاتها المذلة وإما سقوط البلد اقتصادياً وسياسياً، وأن يخلعوا عنهم نير العبودية والاستزلام، ويتخلوا عن أنانياتهم ومصالحهم الضيقة، ويتحرروا من أسر العصبية والطائفية لكي يساهموا في عملية إنقاذ بلدهم من براثن أزمات متلاحقة اقتصادية وصحية وسياسية، أصبحت رياحها تعصف بشدة في البنيان اللبناني وقد يُخشى عليه معها من الانهيار والسقوط ما لم يبادر الحريصون بسرعة لاستنقاذه.

#علي حكمت شعيب
أستاذ جامعي

تصنيف :