اللاجئون السوريون.. بين الازمة الانسانية والاستغلال الدولي

اللاجئون السوريون.. بين الازمة الانسانية والاستغلال الدولي
الأربعاء ١١ نوفمبر ٢٠٢٠ - ٠٧:١٨ بتوقيت غرينتش

الحرب السورية اشهر معدودة وتكمل عقدها الاول، عشر سنوات افرزت كل انواع المآسي لكن أسوءها واكثرها وجعا هي قضية اللاجئين، ومن المجحف ان يتم تصنيفهم كطبقة واحدة، لانهم فئات مثل المجتمع السوري، الجزء الاول والاكبر منهم هم الضعفاء او الفقراء وموزعون بين لبنان والاردن والعراق وتركيا، اما الفئة الثانية فهم الطبقة المتوسطة وجلهم يعيشون في اوروبا بين المانيا والسويد وهولندا وفرنسا، والفئة الاخيرة هم الاغنياء الذين وجدوا من اللجوء فرصة للحصول على الفيزا لاوروبا بعد ان باتت صعبة على السوريين.

العالم - مقالات وتحليلات

مؤتمر دمشق حول اللاجئين كان فرصة مهمة لتهيئة الارضية لعودة الشريحة الاولى منهم على الاقل، وهم مئات الالاف ان لم يكن الملايين، والمؤتمر عقد في فترة مهمة وهي بداية الشتاء، لان الجميع يعلم ان الظرف المعيشي للاجئين في خيم دول الجوار. هذه المخيمات التي بات رجالها مرتزقة رخيصي الثمن بالنسبة لتركيا او عمالة بدون قيمة في لبنان.

اما النساء والاطفال فحالهم ليس افضل لان حوادث القتل والخطف والاغتصاب بحق السوريين يوميا نسمعها من لبنان وتركيا، لذلك تهيئة الارضية لعودتهم اهم خطوة تقوم بها الدولة السورية.

اما اللاجئون في اوروبا ربما يكون من المبكر الحديث من اجل عودتهم، لانه بكل سهولة لن يعودوا طواعية بل هاجموا وتهكموا على المؤتمر قبل انعقاده حتى. واوروبا الان مقبلة على ازمة مالية كبيرة خصوصا بعد جائحة كورونا واثارها الاقتصادية، اضافة الى ان الاحزاب القومية واليمينية المتطرفة بدأت تصعد الى السلطة تدريجيا.

وبحسب ما نشرت الصحف الفرنسية، فان بعض الدول الاوروبية استغلت فترة حظر التجول خلال وباء كورونا لحصر السوريين ومعرفة اوضاعهم لديها، وبالتالي باتت لديها قائمة كبيرة بملفاتهم.

وبحسب ما رشح من معلومات فان 70 بالمئة منهم سيتم فتح ملفات لجوئهم قريبا والبت بها من جديد، اضافة الى ان عام 2022 سيكون حاسما بالنسبة للاجئين، فمعظم الدول الاوروبية وعلى رأسها فرنسا وايطاليا والسويد واسبانيا وحتى اليونان هي مع ترحيلهم وعودتهم الى سوريا، وبالتالي لم يبقَ الا المانيا التي تسعى الاحزاب فيها الى اجبار انجيلا ميركل على ترحيلهم، ومن ذهب بالعوامة سيعود بالباخرة الى ميناء اللاذقية بعد عامين.

"العمل يجعلك حرا" هذا هو الشعار الذي كان مكتوبا على معسكر الاعتقال النازي المشهور "داخاو" والذي كان من اكبر واهم معتقلات نظام أدولف هتلر في المانيا، فكرة المعسكرات النازية كانت مبنية على وضع اسرى الحرب والمعارضين السياسين والشيوعين من انصار الاتحاد السوفيتي في مكان واحد، ومن ثم جعلهم يعملون في مصانع تابعة للقوات الخاصة الالمانية، وقام الاطباء بحساب عدد السعرات الحرارية التي يستهلكها الاسير في عمله، ومن ثم يأمر ان يعطى نصفها حتى لا يصابوا بالترهل ويموتوا تدريجيا، اضافة الى ان شعار المعسكر "العمل يجعلك حرا" ومن يأكل اقل سوف يقل عمله وبالتالي لن يصبح حرا، اي ان طوق النجاة الكاذب هذا كان عبارة عن مسكن الم للاسرى.

بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية بـ5 اعوام فقط، اي في عام 1950، كان 12٪ من سكان أوروبا في سن الخامسة والستين، أما اليوم فقد تضاعفت هذه النسبة، وبحسب التوقعات فانه في عام 2050 ستصبح نسبة السكان الذين تتجاوز أعمارهم الخامسة والستين أكثر من 36٪ وهذا يعني ان اوروبا ستكون اسما على مسمى القارة العجوز.

المانيا مثلا والتي هي من الدول الأكثر سكاناً في أوروبا، لكن في المقابل معدل الخصوبة فيها من أدنى النسب في العالم، وتعاني من تراجع في عدد السكان بسبب تناقص الولادات الطبيعية، إذ تمثل فئة الأعمار الأقل من 15 سنة 16% من مجموع السكان. وبحسب معطيات دائرة الإحصاء الحكومية، سوف تنخفض نسبة المواطنين الألمان القادرين على العمل من 61 في المئة الى خمسين، وهذه هي إحدى المشكلات الرئيسية التي تواجه الحكومة لأنه بعد بضع سنوات سيزداد عدد المتقاعدين بـ6 ملايين وتنخفض الأيدي العاملة بمقدار 5 ملايين.

وطبعا المانيا هي مثال وليس استثناء لان هذا الامر ينطبق على السويد وفنلندا والدنمارك وغيرها من دول القارة العجوز.. وهذا الامر يؤرق الحكومات الغربية بشكل كبير لانها ستكون مجبرة على دفع الضمانات الصحية للمواطنين ورواتب التقاعد، وبالمقابل ليس هناك ايدي عاملة تكفي لسد فراغهم.

بعد اندلاع الحرب في سورية عام 2011، ذهب الملايين من السوريين الى اوروبا بحرا، وهنا وجدت القارة العجوز ضالتها، شباب يافع في مقتبل العمر متلهف للحياة الغربية، وعندما وصلوا تم وضعهم في معسكرات تشبه تماما تلك التي اوجدها هتلر، ورفعت شعارات منها "العمل يجعلك حرا"، ولكن هل كانت صادقة هذه الشعارات؟ بعد شهور وربما سنوات في هذه المعسكرات التي سميت "كامب" يخرج اللاجئ الى سوق العمل بشروط غربية، وليس جميع المهن، ولكن المهن التي يترفع الاوروبي عن العمل بها، ويوضع له راتب نصف الذي يأخذه ابن البلد، وضمان صحي اقل بدرجات كبيرة منه ايضا.

ولذلك يضطر اللاجئ للعمل ضعف مجهوده ليحصل على نفس المبلغ او ما يقاربه، ولكن يخسر حياته الانسانية، وبعد سنوات من هذا العمل يرى نفسه قد كبر وشاخ، وما جمعه في هذه البلد انفقه فيها ايضا حتى يحاول العيش بطريقة كريمة او حرة، وبعد هذه السنوات يكون قد تحرك في داخله الحنين لبلده، فيأخذ مرضه وشيخوخته معه ويرحل الى دولته لانه لن يستطيع العلاج في الغرب بسبب ارتفاع التكلفة الطبية.

لنعقد مقارنة بسيطة بين معسكرات هتلر وكامبات اوروبا الان، ما الفرق بينهما؟ الاول قتل اسراه بسرعة والثاني قتلهم ببطئ شديد، الاول استفاد منهم عسكريا فقط، اما الثاني استفاد منهم في كل شيء، الاول كان معسكره اجباريا، اما الثاني كان اراديا، ولكن الاثنين وجهان لعملة واحدة.. الاستعباد من اجل المستقبل هو مشكلتنا في هذه الامة.

العالم العربي يضم ثروات كبيرة وعقول جبارة وايدي عاملة هائلة، ولكن جميعها تصرف على تغذية نار الفتنة فيما بيننا، هذه الاموال تصرف على شراء السلاح وقصف العرب باموال العرب، والعقول تهدى لعدو، اما الايدي العاملة اما ان تكون مسلحة بعد ان يتم غسل ادمغتها، او ان ندفعها لتركب البحر بتوابيت خشبية الى اوروبا ومن ثم تدخل معسكرات الاعتقال بشكل ارادي لتكون ترسا في الة الغرب، الذي لم ولن يكتفي باشعال الحروب في دولنا طالما هي المستفيد الاول والاخير منها، ولن يكون هناك ضحية غيرنا، لاننا القاتل والمقتول معا.

ابراهيم شير - كاتب واعلامي سوري