رسائل نارية في ريف الرقة.. عين عيسى تعود لواجهة الاحداث

رسائل نارية في ريف الرقة.. عين عيسى تعود لواجهة الاحداث
الخميس ١٠ ديسمبر ٢٠٢٠ - ٠٣:٥٢ بتوقيت غرينتش

من جديد عادت بلدة عين عيسى في ريف الرقة الشمالي الى واجهة الاحداث الميدانية، السخونة في الأجواء الميدانية جاءت بعد جولة من القصف المدفعي والصاروخي والمعارك المحدودة، التي صعد فيها الجيش التركي والمجموعات المسلحة التابعة له وتيرة الاحداث، وصلت لمستوى الترويج لعملية عسكرية تركية محتملة تجاه البلدة الاستراتيجية. 

العالم - قضية اليوم
لم يبتعد الهجوم التركي الأخير كثيرا عن الاطار المتوقع، حيث تسعى تركيا منذ فترة الى ارسال رسائل بالنار للحكومة الروسية، مفادها اخلاء طريق حلب الحسكة الدولي المعروف بـ M4 من جماعة قسد، فكان الاتجاه نحو عين عيسى كونها عقدة وصل جغرافية هامة لوقوعها في منتصف الطريق بين منبج في ريف حلب والحسكة. ما دفع التدخل الروسي الضامن في اتفاق سوتشي الموقع بعد ما سمي في وقتها عملية نبع السلام التركية، حيث كشف مصدر مطلع عن تفاهم بين الروس والجيش السوري وقسد، بخصوص هذه البلدة، وبعد التهديدات التركية لها، واكد المصدر ان التفاهم يقضي بانتشار الجيش السوري على كامل خطوط التماس مع الجيش التركي والمجموعات المسلحة المدعومة منه في محيط عين عيسى، بالإضافة الى انشاء نقاط مراقبة يتواجد فيها الجيش السوري والشرطة العسكرية الروسية وقسد، في كل من الريف العربي والشرقي لبلدة عين عيسى وعلى طريق M4 وحتى داخل البلدة، بهدف وضع حد للتهديدات التركية، واكد المصدر ان الجيش السوري والشرطة العسكرية الروسية ارسلوا تعزيزات للمنطقة وبدأوا بإنشاء نقاط المراقبة في محيط البلدة.
بين حسابات البيدر التركي في شمال وشمال شرق سورية، وإصرار الدولة السورية على استعادة كل شبر من أراضيها يتواجد فيه الجيش التركي بشكل غير شرعي ويشكل قوة احتلال، تراكم الحكومة التركية أخطاء كثيرة، تشكل بنظر القانون الدولي انتهاكات خطيرة، وحتى في السياسة تندرج تلك الأخطاء ضمن قانون الابتزاز المرفوض، وبالتالي أوصل الاتراك بهذه الطريقة هذه المنطقة الى جغرافيا تعيش على معطيات يتحكم بها فائض التخمة السياسية والعسكرية، ما يفرز حروب ومعارك، بالأصل هي نتاج عقلية فائض العدوان الذي تقف وراءه حسابات ومعادلات تمثل منظومة الحرب الظالمة ضد سوريا، التي تتشكل على أرضيتها قواعد الاشتباك الجديدة بين قوى منها عالمية ومنها الإقليمية، وتأتي قضية الرسائل بالنار في بلدة عين عيسى احد امثلة هذا الاشتباك الدولي والإقليمي، كون هذه المنطقة تشكل موقعا استراتيجيا هامة، لتموضعها على كتف الطريق الدولي M4 الرابط بين حلب والحسكة، ويستمر حتى الحدود العراقية، حيث يمتلك هذا الطريق بعدا سياسيا وامنية واقتصاديا هاما بالنسبة لتركية، هذا من جانب ومن جانب اخر تشكل البلدة مفصلا هاما في مناطق تواجد قسد وتفصل مناطق تواجدها في ريف حلب ومنبج مع عين العرب في شمال الخارطة السورية بالإضافة الى انها صلة وصل لتلك المناطق مع الرقة والحسكة، ما يعني فصل منبج وعين العرب عن الرقة والقامشلي وعزلهما تماما، وهذا يمهد لاحتلالهما من قبل الجيش التركي في أي فرصة تسنح له، اما على المستوى السياسي، فإن هذه البلدة تشكل العاصمة الإدارية والرمز السياسي الهام لقسد، وهنا نقرأ الاستماتة التركية لضرب هذه الرمزية، والاستفادة من ذلك بضرب التقارب الكردي الكردي الجاري تحت وصاية أمريكية، وخلط الأوراق في المنطقة، كل ذلك يأتي ضمن استغلال ما تبقى من العهد الرئاسي لترامب، وفي سباق مع الزمن قبل وصول بايدن للكرسي الرئاسي وهو الرافض لمعظم سياسات اردوغان في المنطقة.
إن الوقائع تذكرنا بالتجارب السابقة من محاولات التركي التوغل اكثر في داخل الأراضي السورية، وهذا ما يدفع الدولة السورية بكافة مكوناتها لمنع هذا التمدد، وإقامة الحلم التركي المستمر بالمنطقة العازلة او الامنة في شمال البلاد، رغم اختلاف الظرف السياسي بعد انتصارات الجيش السوري وتوازنات القوى في المشهد الإقليمي والدولي، ومنع تحول الشمال السوري الى تجربة شمال قبرص التي دخلتها تركيا عام 1974 وبقيت جاثمة فيها الى الان، وعبر هذا التواجد افشلت تركيا مرارا توحيد الجزيرة القبرصية، وهذا ما تسعى اليه تركيا في الشمال السوري، هو انتزاع أجزاء من الأراضي السورية وزعزعت وحدة الأراضي السورية، تتماهى في ذلك مع الحلم الأمريكي في الشمال، وهنا كان واضحا امام الدولة السورية ان المشروع التركي هو التوسع تحت حجج وذرائع مختلفة، والسيطرة التدريجية على مناطق، سيكون مصيرها التغير الديمغرافي، ما يمهد فصلها عن سوريا.

إن عدم الالتزام التركي في بنود اتفاقية سوتشي والتي أوقفت الاجتياح التركي لشمال سوريا، والاعتداءات المتكررة على بلدة عين عيسى، هو جزء من تكتيك تركي اصبح مكشوفاً، يمارس بشكل واضح في ادلب، وتطبيق الاتفاقيات هناك، لكن في مناطق شمال شرق سوريا يأتي هذا العدوان التركي المتشظي متآلفاً مع الوهم الأمريكي، حاله في ذلك حال الأوهام المتورمة والأحلام المرضية للمراهنين على الأميركي والارتزاق السياسي، ويبقى مفهوم الحفاظ على السيادة الوطنية ووحدة أراضي البلاد، هو الهم الأكبر لدى الدولة السورية، التي تدفع برجالها للوقوف بوجه هذه الهجمة التركية الجديدة، وهذا لن يؤجل أولوية المعالجة الميدانية لكل اشكال الإرهاب، وما يعني انتشار الجيش السوري في تلك المناطق هو قرب الاجل لما تبقى من تلك المجموعات بعد التصدي لمشاريع الدول الإقليمية الداعمة لكافة اشكال المجموعات المسلحة، وحتى المدعومة من الولايات المتحدة الامريكية.

حسام زیدان