الحكومة اللبنانية..ذهبت ولم تعد 

الحكومة اللبنانية..ذهبت ولم تعد 
الخميس ١٧ ديسمبر ٢٠٢٠ - ٠٤:٠٣ بتوقيت غرينتش

اللبنانيون معتادون على غياب الحكومة او رئيس للجمهورية لاشهر  وربما سنوات. واعتادوا على مسمى حكومة تصريف اعمال اكثر من اعتيادهم على وجود حكومة فعلية تدير شؤون البلاد. وهذا لا يمكن اعتباره دليل صحة على المستوى السياسي وايضا الاقتصادي وحتى الاجتماعي. 

العالم - قضية اليوم

بعد اتفاق الطائف الموقع قبل ثلاثين عاما، حكمت التفاهمات السياسية تشكيل الحكومات المتعاقبة في لبنان، لكن بعد اغتيال رئيس الحكومة الاسبق رفيق الحريري عام 2005، بدأت الأمور تاخذ مسارا اكثر تعقيدا وتواجه صعوبات كثيرة لاخراج اي حكومة الى النور. وربما منذ استقالة حكومة سعد الحريري قبل اكثر من عام على وقع الاحتجاجات المطلبية دخلت الحياة السياسية نفقا اكثر ظلاما ومرحلة اكثر صعوبة.

فالاصطفافات السياسية اخذت منحى تصاعديا، والاتهامات بين الاطراف والقوى السياسية تخطت حدودا كثيرة، ولا يمكن القول باي شكل ان اللبنانيين مستفيدون مما يجري.

بعد خروجه من السراي الحكومي عاد سعد الحريري ليحجز مكانا له في المرحلة التي سعى لتاسيسها الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الذي شعر فجأة بمحبة عارمة تجاه لبنان واختار ان يمضي موسم الاعياد هذا العام في لبنان للمساعدة في حل الازمة. والحريري من وراء هذه الخطوة يريد البقاء في الصورة ويحاول اللعب على المتناقضات (وهي كثيرة في الحياة السياسية اللبنانية) للظهور في صورة المنقذ بعد الاحداث والتطورات الدراماتيكية الاخيرة في البلاد.

لكن الازمة لا تتعلق بالحريري وشخصه ولا بماكرون ودوافعه تجاه بيروت ولا حتى برئيس الجمهورية ميشال عون وحيثية مواقفه من التشكيلات المتكررة التي يقدمها الحريري ويرفضها رئيس الجمهورية.

الازمة تتعلق بواقع ان الحكومة المتعثر اعلانها هي انعكاس لازمة طريقة ادارة لبنان سياسيا واقتصاديا. وايضا لا يجب اغفال العوامل والابعاد الخارجية للازمة. يسأل كثيرون عن سبب تراجع سعر الدولار مقابل الليرة بشكل ملحوظ بعد تسمية الحريري لتشكيل الحكومة مع انه كان جزءا من الازمة، ولماذا ارتفع الدولار بشكل جنوني عام 2019 بعد استقالة الحريري نفسه واختيار حسان دياب رئيسا للحكومة والتي سميت من قبل اطراف داخلية وعربية وخارجية بحكومة حزب الله تمهيدا لاستهدافها بالعقوبات والضغوطات فقط لانها لا تضم الاطراف التي تفضلها الادارة الاميركية وحلفاؤها العرب.

ليس من الغريب ولا المبالغة القول ان ازمة الحكومة اللبنانية لن تجد حلا لها في الوقت القريب، والسبب وان كانت له ابعاد داخلية تتعلق بالفساد والاصطفافات، الا انه يتعلق ايضا وبقوة بسياسات بعض الدول التي تريد فرض واقع يخدم مصالحها لكن هذه المصالح تقتضي الانقسام والفتنة اذا لزم الامر لتتحقق، وهو ما لا يجب السماح به من قبل اللبنانيين.

وانطلاقا من هذه النقطة، لن يكون مستغربا استمرار الازمة الى ما بعد العام الجديد، حيث من المتوقع تغير عوامل في الساحتين الاقليمية والدولية، والمقصود هنا الادارة الاميركية الجديدة واقتناع الرئيس الجديد جو بايدن ان سياسات دونالد ترامب ضد لبنان كجزء من سياساته ضد محور المقاومة بشكل عام كانت فاشلة ولم تعد بالمردود المطلوب. لذلك هناك اطراف من مصلحتها تاخير حل الازمة سواء داخل لبنان او خارجه، وهذه الاطراف تريد ان تكون جزءا من حل الازمة في عهد بايدن كورقة اعتماد لدى واشنطن، وعندها سنجد ان هذه الاطراف لن يكون لديها اي مشكلة في الشروط والظروف التي رفضتها وترفضها الان بالنسبة لتشكيل الحكومة.

سياسات البعض في لبنان جعلت تشكيل اي حكومة رهنا بارادة الاميركيين وبعض العرب، والبعض هذا لا يريد الا استهداف المقاومة اللبنانية ومعها محور المقاومة ككل، وبالتالي لا بد من تحرك عاجل لاعادة الاعتبار للعامل الداخلي والوطني في تشكيل الحكومة وعدم تركها لاهواء البعض في المنطقة والخارج، والا لن يفرح اللبنانيون بمشهد الصورة الجماعية للحكومة لوقت طويل ربما.
حسین الموسوی