هل سيستجيب أردوغان لشروط "إسرائيل" التعجيزية؟!

هل سيستجيب أردوغان لشروط
الثلاثاء ١٩ يناير ٢٠٢١ - ١٠:١٦ بتوقيت غرينتش

من سُخرِيات زمن التّطبيع العربي، أنّ حُكومة بنيامين نِتنياهو العُنصريّة لا تكتفي بإقامة عُلاقات دبلوماسيّة وتجاريّة مع الدّول العربيّة والإسلاميّة التي باتت تتودّد إليها بضَغطٍ أمريكيّ، وتخترق بذلك كُل الخُطوط الحُمر، وإنّما تذهب إلى ما هو أبعد من ذلك، وتَفرِض على هذه الدّول شُروطها مُقابل أيّ تبادُل للسّفراء وفتح السّفارات.

العالم - تركيا

وكتب عبدالباري عطوان رئيس تحرير صحيفة رأي اليوم، "فوجئنا اليوم، وما أكثر المفاجآت، والصدمات هذه الأيام، بإقدام صحف ووسائل إعلام إسرائيلية على كشف مضمون رسالة بعثتها حكومة نتنياهو إلى نظيرتها التركية تبلغها فيها بأنها "لن تطبع العلاقات معها بالشكل المطلوب، إلا بعد وقف أنشطة "الجناح العسكري" لحركة المقاومة الإسلامية "حماس" في الأراضي التركية، ومدينة إسطنبول على وجه الخصوص.." .

واضاف عطوان أن مصدر المفاجأة المؤلمة بالنسبة إلينا، أننا كنا، وما زلنا، نتوقع العكس، أي أن يكون الجانب التركي هو الذي يفرض الشروط لا أن يتلقاها، مقابل تطبيع علاقاته الدبلوماسية وتعزيزها مع الاحتلال، كأن يطالب برفع الحصار التجويعي الظالم عن مليوني فلسطيني في قطاع غزة، ووقف جميع أعمال الاستيطان غير الشرعية في الضفة الغربية، وإنهاء كل أعمال الحفر بحثا عن هيكل سليمان المزعوم تحت أساسات المسجد الأقصى في القدس المحتلة، وتطبيق قرارات الشرعية الدولية كاملة، والقائمة تطول، ففلسطين كانت وقفا إسلاميا، وولاية عثمانية".

واشار الى أن أردوغان حَظِي بشَعبيّةٍ كبيرةٍ في أوساط العرب والمُسلمين عندما تصدّى بقُوّةٍ لأكاذيب شمعون بيريس، رئيس الوزراء الإسرائيلي، في مُنتدى دافوس، ودعمت حُكومته قافلة سفن مرمرة في أيّار (مايو) عام 2010 التي هاجمتها قوّة كوماندوز إسرائيليّة قُبالة السّواحل الفِلسطينيّة المُحتلّة وهي في طريقها لكسر الحِصار عن قطاع غزّة، ممّا أدّى إلى استِشهاد 10 ناشطين، وطرد السّفير الإسرائيلي عام 2018 احتجاجًا على السّياسات الإجراميّة لحُكومته، وذهب إلى ما هو أبعد من ذلك عندما أدان عمليّات التّطبيع العربيّة، والخليجيّة تحديدًا مع دولة الاحتِلال الإسرائيلي، وهدّد بقطع العُلاقات وسحب السّفراء معها، ولكنّه يبدو، ولأسبابٍ عديدةٍ، بصَدد التّراجع عن هذه السّياسات، والقُبول بالشّروط الإسرائيليّة جُزئيًّا أو كُلِّيًّا، ففي 25 كانون أوّل (ديسمبر) الماضي، أكّد الرئيس أردوغان رغبة بلاده في إقامة عُلاقات أفضل مع دولة الاحتِلال الإسرائيلي، ولكنّه انتقد السّياسة الإسرائيليّة تُجاه الفِلسطينيين ووصفها بأنّها غير مقبولة، وخط أحمر بالنّسبة إلى أنقرة، وكشف للصّحافيين الذين التفّوا من حوله بعد صلاة الجمعة في مسجد آيا صوفيا في الوقت نفسه، بأنّ المُحادثات على المُستوى الاستِخباري جرى استِئنافها بين الجانبين من أجل تطبيع العُلاقات وعودة السّفراء.

وقل عطوان إن هاكان فيدان، رئيس المُخابرات التركيّة، زار فِلسطين المُحتلّة أكثر من مرّةٍ في الفترة الأخيرة والتقى نظيره الإسرائيلي يوسي كوهين لبحث القضايا الخِلافيّة تمهيدًا لعودة العُلاقات إلى صُورتها الطبيعيّة، وزيادة التّبادل التّجاري بين البلدين الذي يَبْلُغ ثمانية مِليارات دولار حاليًّا، وعدد رحَلات الطّيران التركي إلى تل أبيب التي تَبْلُغ حاليًّا حوالي 60 رحلةً أُسبوعيًّا، ويتَردَّد أنّ إلهام علييف رئيس أذربيجان هو الذي يقود جُهود الوِساطة في هذا الإطار كمُكافأةٍ لدوريهما، أيّ تركيا وإسرائيل، في دعمه في حرب “قرة باخ” الأخيرة ضدّ أرمينيا.

وأكد انه لا نعرف حتّى الآن كيف سيكون ردّ الحُكومة التركيّة على هذه الشّروط الإسرائيليّة إذا ثَبُتَ صحّتها، وهي تبدو صحيحةً، لأنّ عدّة وسائل إعلام إسرائيليّة نشرت النّص الرّسمي للرّسالة ونقلتها وكالات أنباء عالميّة ولكن ما نتَمنّاه أن يأتي الرّد رفضًا قويًّا، ليس لأنّ هذه الشّروط “مُهينة” لتركيا الدّولة الإقليميّة العُظمى في المِنطقة، وإنّما لأنّ التّطبيع التّركي مع دولة الاحتِلال، وتجميد العُلاقة مع حركة “حماس” البوّابة الرئيسيّة لتركيا إلى قُلوب المُسلمين، عربًا كانوا أو غير عرب، سيُؤدِّي إلى خسارة تركيا لهيبتها ومكانتها في العالم الإسلامي، خاصّةً أنّ هذه الهيبة بدأت تتآكل بعد تدَخُّلاتها العسكريّة في سورية وليبيا وتَراجُعِها أمام مطالب الاتّحاد الأوروبي في أزمة شرق المُتوسّط.

وقال عطوان إذا كان أردوغان يُراهِن على تحسين وضع بلاده الاقتصادي، ووقوف اللّوبي الصّهيوني إلى جانبه في مُواجهة إدارة الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن الذي لا يكن الكثير من الوِدِّ لتركيا، ويُجاهِر بدعمه للانفِصاليين الأكراد، فإنّ رِهانه خاطِئٌ، لأنّ “إسرائيل” ترى في تركيا، وكُل الدّول والشّعوب العربيّة والإسلاميّة خطرًا وجوديًّا عليها.

واضاف ان التّطبيع المُثمِر بالنّسبة إلى تركيا هو الذي يجب أن يتم مع جيرانه في سورية والعِراق، ومِصر وباقي الدّول العربيّة الأُخرى، وتحسين العُلاقات معها، فهي دول تجمعها مع تركيا الرّابطة الإسلاميّة، ويُمكن أن تكون سنَدًا لها، فإسرائيل أضعف من بيت العنكبوت، والزّعامة الأمريكيّة للعالم التي تحظى بدعمها تتآكل في ظِل احتِمالات انهِيارها وصُعود قِوى أُخرى مِثل الصين وروسيا.

وفي الختام تسائل عطوان انه كيف ستكون الشّروط الإسرائيليّة لو كانت حُكومة “حزب العدالة والتنمية” الحاكمة في أنقرة، تُقَدِّم الصّواريخ الدّقيقة، وتكنولوجيا صِناعتها والطّائرات المُسيّرة، أو صواريخ “الكورنيت” التي أذلّت دبابة “الميركافا” والقبب الحديديّة فخر الصّناعة العسكريّة الإسرائيليّة، إلى حركة “حماس” وحركات المُقاومة الأُخرى، مثلما فعلت، وتفعل إيران وسورية و”حزب الله” حاليًّا؟