الإتفاق النووي، ولعبة تقاسم الأدوار بين أمريكا وأوروبا

الإتفاق النووي، ولعبة تقاسم الأدوار بين أمريكا وأوروبا
السبت ١٣ فبراير ٢٠٢١ - ٠٥:١٣ بتوقيت غرينتش

كان مستشار القائد العام للقوات المسلحة الايرانية في الشؤون الدفاعية واللوجيستية العميد حسين دهقان، دقيقاً عندما رفض، في تصريح لصحيفة "الغارديان" البريطانية يوم الخميس الماضي، اي دور يمكن ان تقوم به اوروبا كوسيط بين ايران واميركا، من اجل اعادة الحياة الى الاتفاق النووي، وذلك بعد التجربة المرة التي عاشتها ايران مع هذا الدور الاوروبي، الذي كان دون ملامح، وكشف وبشكل لا لبس فيه، عدم امتلاك اوروبا لهوية مستقلة عن أمريكا.

العالم قضية اليوم

الدور الاوروبي، في اطار الاتفاق النووي، لم يكن دون ملامح فحسب، بل كان دورا منافقا ايضا، فقد كان يحاول ان يُظهر استقلالية مزعومة، بينما في الباطن كان متواطئا ويقوم بدور التابع والمكمل للدور الامريكي، فمنذ اليوم الاول للتوقيع علت الاتفاق النووي، لم تخطو اوروبا خطوة واحدة يمكن ان تُظهر جديتها في الحفاظ على الاتفاق ، فلم تمر ايام على انسحاب امريكا من الاتفاق النووي، حتى اعلنت الشركات الاوروبية النفير العام للانسحاب من ايران، بينما الحكومات الاوروبية اكتفت بالتفرج، بذريعة انها لا تملك القدرة على الضغط على شركاتها التي كانت تخشى العقوبات الامريكية.

رغم مرور عام على انسحاب امريكا، ورغم الموقف الاوروبي المتواطىء مع امريكا، بقيت ايران ملتزمة بالاتفاق النووي، واكد هذا الالتزام وبشكل لا لبس فيه 15 تقريرا صادرا عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية، كل ذلك وايران ترزح تحت ضغط عقوبات ظالمة وغير مسبوقة، ورغم كل ذلك كان الثلاثي الاوروبي ، فرنسا وبريطانيا والمانيا، يعيد ذات العبارات الاستفزازية، مثل تحذير ايران من عدم الالتزام ببنود الاتفاق النووي، رغم ان ايران، لم تحصل سوى على وعود زائفة كاذبة من الاوروبيين.

ايران وبعد مرور مهلة السنة التي منحتها للاوروبيين، اعلنت انها ووفقا لنص المادتين 26 و36 من الاتفاق يمكنها ان تقلص التزاماتها، لاجبار الجانب الاخر للعودة الى الاتفاق، وبدأت بالفعل باتخاذ خطوات تدريجية لتقليص التزاماتها بالاتفاق الذي انسحبت منه امريكا ونكثت به اوروبا. وبعد كل اجراء ايراني بتقليص الالتزام بالاتفاق النووي، ترتفع اصوات الثلاثي الاوروبي وهي تهدد وتحذر ايران من مغبة عدم الالتزام بالاتفاق، الاتفاق الذي اسحبت منه امريكا ولم تحترمه اوروبا!!.

كان من الممكن ان تلعب اوروبا دور الوسيط، لو اتخذت مواقف ازاء امريكا مماثلة او حتى قريبة من المواقف التي اتخذتها ازاء ايران، فأوروبا التي كانت تدعي ، في عهد الرئيس الامريكي السابق ترامب، انها مع الاتفاق النووي كما هو ، وعلى امريكا ان تعود اليه ، فاذا بها تنقلب على مواقفها السابقة في عهد الرئيس الامريكي الجديد جو بايدن، وتعلن ان الاتفاق النووي ليس كافيا، وانه لابد ان يشمل البرنامج الصاروخي الايراني الدفاعي ودور ايران في المنطقة، وهي مواقف، بات يكررها اليوم ايضا بايدن، الذي كان يكرر في السابق الموقف الاوروبي، في ضرورة عودة امريكا الى الاتفاق النووي.

بالامس ايضا، اعربت ، فرنسا وبريطانيا والمانيا، عن قلقها المزيف، لما جاء في تقرير للوكالة الدولية للطاقة الذرية يتحدث عن ان طهران تنتج اليورانيوم المعدني، معتبرة إياه خرقا لالتزاماتها، ودعت ايران إلى وضع حد لتلك الأنشطة فورا، والامتناع عن القيام بأي خرق جديد لالتزاماتها النووية.

اللافت ان اوروبا لم تقلق يوما من انسحاب امريكا من الاتفاق النووي، ولم تقلق من فرض امريكا حضرا ظالما ضد ايران، كما لم تقلق من انتهاكها هي للاتفاق وعدم احترامها حتى تواقيعها، ولم تقلق من سحبها شركاتها بالجملة من ايران من اجل سواد عيون ترامب، ولم تقلق عندما تحمل ايران مسؤولية الاتفاق رغم ان ايران هي الطرف الوحيد الذي كان ومازال متمسكا بالاتفاق، كما انها لم تقلق اليوم على مصير الاتفاق عندما تضع العصي في دولاب العودة اليه عندما تشترط ليس فقط ادراج البرنامج الصاروخي الايراني ودور ايران الاقليمي في الاتفاق، بل تشترط اشراك "اسرائيل" والسعودية والامارات، في المفاوضات مع ايران للوصول الى اتفاق جديد!!!.

الرد الايراني على نفاق اوروبا جاء وبشكل حازم على لسان وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف، الذي تساءل في تغريدة على موقع تويتر: "هل قرأت الدول الأوروبية الثلاث الشريكة لنا ( في الاتفاق النووي ) المادة 36 من الاتفاق النووي والرسائل الإيرانية العديدة التي تستند إليها؟.. بإي منطق يتوجب على إيران وقف إجراءاتها التعويضية التي اتخذتها بعد عام كامل من انسحاب امريكا من الاتفاق النووي واستمرار انتهاكه من قبل هذا البلد؟ "ماذا فعلت الدول الأوروبية الثلاث في مجال الالتزام بواجباتها ؟".

بات واضحا لإيران، ان الدور الاوروبي لم يكن يوما افضل من الدور الامريكي. وان زمن تقاسم الادوار بين الامريكيين والاوروبيين قد ولى، وعلى جميع هؤلاء ان يعلموا، وفي مقدمتهم ادارة بايدن، ان النافذة الحالية ستغلق بسرعة، وأن ايران، ستتخذ إجراء جديدا في سلسلة اجراءاتها التي بدأتها ردا على انسحاب امريكا للاتفاق وعدم التزام اوروبا بتعهداتها، وهذا الاجراء سيغير المسار الدبلوماسي لايران بدءا من 21 شباط / فبراير، وعندها لن ينفع الامريكيين والاوروبيين سياسة تقاسم الادوار.

سعيد محمد - العالم