آية الله عيسى قاسم: الحراك الشعبي البحريني سيبقى مستمرا بهدف اصلاح الوضع

آية الله عيسى قاسم: الحراك الشعبي البحريني سيبقى مستمرا بهدف اصلاح الوضع
السبت ١٣ فبراير ٢٠٢١ - ٠٤:١٣ بتوقيت غرينتش

أكد آية الله عيسى قاسم ان: الحراك الشعبي البحريني سيبقى مستمرا بهدف اصلاح الوضع، موضحا ان المعادلة القائمة في البلاد هي قديمة رجعية جائرة لا تناسب الشعب البحريني الابي.

العالم - البحرين

وقال آية الله عيسى قاسم في كلمته بمناسبة ذكرى الثورة البحرينية التي بدأت في شباط 2011، ان النظام البحريني تحرك غاضبا واستهدف جميع المقدسات واستجلب القوات السعودية من اجل القضاء على الثورة نهائيا، لكن لا العنف المبالغ فيه ولا القوات المستوردة ولا اساليب التعذيب استطاع ان يسكت صوت الشعب ويخمد المعارضة.

واكد ان الحراك الشعبي البحريني سيبقى مستمرا بهدف اصلاح الوضع، لافتا ان المعادلة القائمة في البلاد هي قديمة رجعية جائرة لا تناسب الشعب البحريني الابي.

وتابع آية الله قاسم: نظام الحكم من المفترض ان يكون بخدمة شعبه مخلصا ووفيا، مشيرا الى ان موقف المعارضة البحرينية هو الثبات حتى النصر.

وقال : عقد من الزمن مضى على الانتفاضة والاسلوب القمعي الذي يتبعه النظام مع المعارضة والشعب كله، لم يتراجع، لافتا ان النظام يتفنن في الاسلوب القمعي الذي يستخدمه ضد الشعب ، مؤكدا ان المعارضة تريد تحقيق اهداف لصالح الوطن والشعب دون اي تمييز.

واضاف ان الحراك في البحرين هو من اجل وطن للجميع لا يكون مزرعة للفساد ولا مرتعا للفسق ولا منطلقا للشر على الامة قائلا: خط الحراك الشعبي قام على اساس توحيد الوطن والاصلاح وعلى الحراك ان لا ينسى الكرامة الانسانية بالنسبة لكل انسان.

وقال سماحته ان الافراج عن السجناء مطلب كبير واساسي لكنه لا يمثل الهدف الذي انطلق من اجله الحراك بل هدف الحراك الشعبي هو انقاذ المواطنين من المحن التي يعيشها ومن تحرك على طريق الحراك يجب ان لا يتراجع ومسجلا على نفسه الفشل.

واعتبر آية الله قاسم توقف الحراك انما يكون بالانتصار المتمثل بالاصلاح الذي يتوخاه، مؤكدا ان المعارضة والشعب معها عازمون عل استمرار الحراك حتى تحقيق النصر لافتا ان معنى النصر هو نصر الاهداف التي تصب في خانة الوطن كله وليس نصر الذات وان يكون ارضاء لله تعالى.

وتابع سماحته : يجب ان يسود العدل بدل الظلم وأن يعم الخير البلاد وهذا هو هدف الحراك والاصلاح المطلوب هو اصلاح يجلب العدل بدل الظلم وتحل الوحدة بدل الفرقة والتراص بدل التفكك.

ولفت آية الله قاسم انه لا يسمح للحكومة ان تضطهد أي مذهب او طائفة، قائلا: نريد دستورا يعطي للشعب حق الرأي في مسالة الحكم، لن يأتي دستور يقبل هيمنة "اسرائيل" واي عدو على مصير الشعب.

وفي جانب اخر من كلمته اشار آية الله قاسم الى ان ايران وقفت بشموخ امام جميع ضغوط الادارة الاميركية السابقة وانتهاكاتها للاتفاق النووي، قائلا: لو عادت اميركا للاتفاق النووي ورفعت حظرها على ايران وتوقفت حرب اليمن وتم تعويض شعبه لكان في ذلك نصر المنطقة وشعبها.

واضاف سماحته : غبي جدا من يتمنى من اطراف المنطقة ان يبقى التوتر فيها، يجب ان يربح الجميع وتعود الاخوة الاسلامية ويكون الجميع على خط التقدم ولكن هذا خيار لا يريده اولئك الاشرار.

وهذا هو نص كلمة الشيخ قاسم:

لماذا انطلق الحراك الشعبي؟

تحت قسوة التعامل السياسي من النظام الحاكم مع الشعب وتهميشه له، وسلب الحقوق، واهمال كل النداءات وطلبات الإصلاح، ومعالجة الوضع المزري الخانق، وسدّ كل الأبواب من الجانب الرسمي للوصول إلى حلّ؛ انطلق الحَراك الشعبي في صورة اعتصام شعبي حاشد هائل احتجاجي في دوّار الؤلؤة على سوء الأوضاع مطالبٍ بالتغيير الجدّي الذي ينهي المعاناة الشعبية، ويضع حدّاً لحالة التهميش للشعب واستئثار النظام بالسلطة مع التعامل التعسّفي معه.

من التعامل الطاغوتي مع الشعب، ومن كون الشعب عزيزاً لا صبر له على الضيم، ولا يقبل العبودية لغير الله سبحانه. وفي ظل هبوب رياح الربيع العربي؛ انطلق الحراك الشعبي التغييري بأسلوبه السلمي في البحرين، مستهدفاً التغيير الاصلاحي الجدّي الذي لا يقف عند حدّ الحلول الشكلية ولا السطحية ولا المجزوءة فضلاً عن الوعود المعسولة والتمنيات الكبيرة الساخرة.

ومن حقّ كل شعب أن يتحرك وأن ينتفض وأن يثور من أجل استرداد حقوقه والاعتراف بكرامته وموقعيته.

وما حدث من جانب النظام أنْ فَقَدَ أعصابه ولم تبقَ له ضابطة من دين ولا ضمير ولا قانون عالمي في ردّة فعله الجنونية ضد الشعب، فأسالَ الدماء البريئة، وملأ السجون، وحطّم حاجز كل الحرمات، ولم يسلم مقدّس من المقدّسات من جوْره، واستجلب القوات الخليجية لوأد الحركة الشعبية والقضاء عليها قضاءً نهائياً، يُتيح له أن يتصرف كيفما شاء في مصير الشعب من غير صوت منكِرٍ أو كلمة معارضة.

لكن لا العنف الظالم المبالغ فيه، ولا القوى القتالية المحليّة والمستوردة والجيش المنتدب، ولا جيش المخابرات، ولا أساليب التعذيب والجوُّ العام المرعب استطاع أن يُسكت صوت الشعب ويُخمِد المعارضة.

وها قد قضى شعبنا الصامد الصبور عقداً من الزمن مرَّ على انتفاضته مستمراً في حراكه مُصِرَّاً على تحقيق مطالبه، واسترداد حقوقه، مشحوناً بروح العزيمة على مواصلة حراكه السلمي مهما طال الزمن، خفّت الكلفة أو زادت، ومهما كان من تقلّب الظروف.

نعم، سيواصل هذا الشعب حراكه التغييري على طريق الاصلاح لا الافساد حتى يوم النصر، واحقاق الحقّ، واخراج الوطن من محنته.

وما كان الحراك ولن يكون بداعي الفُرقة والقتل والتدمير والافساد والفوضى، واستبدال ظالم عن ظالم، ولا مظلوم عن مظلوم.

إنّه لَحراك كان وسيبقى بهدف الاصلاح، وتصحيح الوضع تصحيحاً جذريّاً جديّاً، والرجوعِ بالعلاقة بين الشعب والكيان الحاكم إلى حدّ الانصاف والعدل والانتفاءِ العمليّ على الأقل لعقلية أنّ للنظام السيادة المطلقة، والحقَّ المفتوح في الأمر والنهيّ، وأن موقع الشعب موقع العبد، ومن عليه أن يسمع ويُطيع ولا يناقش، وأنّه مدان لو أراد أن يعطي رأياً في ما يمس مصيرَه نفسِه، ويعني حياته وانسانيته.

وهذا فهم مغلوط جدّاً، وعلى خلاف ما هو الصحيح من أن أي نظام حاكم لشعب أو أمة عليه أن يكون مخلصاً في خدمتهما، وأن الشعب والأمة هما الأصل في الحكم بعد الله عزّ وجلّ مالك الجميع، ومن لا قيام للحكم لأحدٍ في لغة الحقّ إلاّ أن يأذن به هو سبحانه.

الحراك في البحرين من أجل وطنٍ للجميع خالٍ من الاخلال بالعدل والتلاعب بالثروة العامة والتحكم بظلم، وخال من تقديم أو تأخير بلا وجه يقبله العقل والشرع. من أجل وطنٍ حرّ نظيف لا يكون مزرعة للفساد والمفسدين، والاستهتار والمستهترين، ولا مرتعاً من مراتع الكفر والفسق والفجور والتهتك، ولا منطلقاً من منطلقات الشرّ في الأرض، والتآمر على الأمة، ولا أرضاً ينقسم أهلها إلى سادة وعبيد، ولا ساحةَ صراعٍ بين السنيّ والشيعيّ، أو بين العربي وغيره، وإنما ساحةُ أخوة إيمانية، وساحةُ إنسانية وطنية قوية تعطي للوطن أمنه وقوته وعزّته، ولأهله الكرام راحة الحياة وفرصة التقدّم والبناء المشترك المجيد.

موقفان ثابتان:

عقد من الزمن مضى على الانتفاضة، والمعارضةُ ثابتةٌ على مطلبها التغييري بهدف الاصلاح الجذري الجدّي، الذي لم يحصل منه شيء، وعزمُها الصلب المضيّ على الطريق وإنْ طال وصَعُب حتّى تحقيقِ الهدف.

الثبات عند المعارضة ليس لعقدٍ من الزمن أو عقدين أو ثلاثة وحسب. إنّ الموقف عند كلّ المعارضة هو الثبات حتى النصر. وهذا ما أعلنه شعار العام المشترك.

عقدٌ من الزمن مرَّ على الانتفاضة والأسلوبَ القمعي الذي يتعامل به النظام مع المعارضة والشعب كلّه لم يتراجع، والأساليب القمعية على يده مستمرة في التفنن، وأحكامُ السجن، والسجنِ المؤبد، والاعدامِ والتهجير وسحبِ الجنسية والمداهماتِ وكلّ أنواع التضييق والتهميش وخنق الحرية الدينية، وحرية التعبير، متدفقة، والشعب في السجون وخارجها كلُّه تحت طائلة الاضطهاد المبالغ فيه.

الطرفان من المعارضة والنظام كلّ مصّرٌ على موقفه. المعارضة والشعب معها موقفهما الثبات على طريق تحقيق الأهداف الكريمة العادلة التي تصبّ في صالح الوطن كلّه، والنظامُ موقفه الاستمرار في التنكيل والاضطهاد ومطاردة أيّ صوت حرّ في الشعب يستهدف الاصلاح.

لا جديد في الأمر إلاّ:

لا طارئ على مطالب الشعب، ولا تراجع عن طريق تحقيقها من جهة، ولا لينَ في الموقف الرسمي المتشدّد الرافض لأي اصلاح، القائم على التصعيد في التضييق، وسياسة التنكيل والقمع لحدِّ الآن.

إلاّ أن النظام تخطَّى في هذه السنة من عمر الحراك كلّ الحدود، ليس بالنسبة لحقوق الشعب وكرامته فقط، بل مع تحديه للشعب، تحدي كلّ الأمة وأمنَها واستقلالها ووحدتها ومصلحة حاضرها ومستقبلها بما أقدم عليه من خطوته الآثمة الجريئة في الباطل المتمثلة في اتفاق التطبيع مع العدوّ الصهيوني وتفعيلها، والتي حقيقتها الدخول في حلف مع هذا العدو ضد الأمة والارتماءُ في أحضانه. وفي هذا اتساعٌ كبير في الشُقّة بين النظام من جهة، والشعب والأمة من الجهة الأخرى.

وهذه الاضافة من طبيعتها أن تبعّد مسألة الحل الذي من شأنه أن يعطي انفراجة في الوضع الداخلي المرهِق للوطن كلّه.

يضاف إلى ذلك، سدّ الباب أمام أي ولاية شرعية على الأوقاف الجعفرية، وتعطيلُ ما هو قائم منها، وجعلُ التولية خالصة باليد الرسمية، وهذا ما يعرّض التصرفات في الأوقاف للخروج عن الحدّ الشرعي، وايقاع الطائفة الشيعية في البحرين في المخالفة لأحكام مذهبهم كُرهاً.

وهذا مما لا يجوز بأيّ حالٍ من الأحوال من سياسة تحترم المذاهب الدينية ولو بدرجة ما من الاحترام ولا يمكن أن يحدث على يدها.

هاتان اضافتان ملحوظتان في سجلّ التعامل السياسي للنظام مع الشعب هذا العام، مع تصاعد وتيرة الأحكام القضائية المتشدّدة ضد أصحاب الرأي السياسي، والقمع المرتفعِ الموجةِ لسجناء الحراك الشعبي.

وفي البحرين أوقاف لمصالح المذهب السني وجهاتٍ وفئاتٍ ملحوظة من معتنقيه، وكذلك أوقافٌ أخرى للمذهب الجعفري وجهاتٍ وفئاتٍ من معتنقيه.

والأوقاف لها أولياؤها الشرعيون ولها طريقتها المذهبية في تعيين الولي طبقاً لأحكام المذهب، ولا مغيّر لحكم الشريعة في الإسلام كلّه.

والكلام هنا في الأوقاف الجعفرية. والأوقاف السنية لها جهتها الشرعية الخاصة التي هي أولى بالكلام بما يخصُّها.

والجهة الرسمية تتحمّل مسؤولية منع التعدي على الأوقاف والتلاعب بها، وهذه هي وظيفة دائرة الأوقاف لا القيام بمهمة الولاية والتولية.

تأكيدٌ على الخطّ

للحراك الشعبي خطّه الثابت الذي على المعارضة أن تلتزمه ولا تتعداه، وهو أنه إنما قام لوحدة الوطن لا لفُرقته، واحترام حقّ الحياة للإنسان لا لهدره، وصيانة كل الحقوق الأخرى المعتبرة من الله عزّ وجلّ، والمشرّفة لهذا المخلوق والمتناسبة مع كرامته، وسموّ مسؤوليته.

خطّ هذا الحراك الثابتُ خطّ الاصلاح لا الافساد، لا يستبيح الارهاب، ولا يتعمّد ادخال المجتمع في دوّامة العنف، ولا ينقض شيئاً من الحقوق، ولا يُنقص حقّ القيم، ولا يثلم حرمةً من الحرمات، ولا يركب الباطل بحجة الانتصار للحقّ، ولا ينسى شأن الكرامة الانسانية، ولا يسلك مسلك الانتقام، ولا يساوم المساومة التي لا يرضى بها الدين، وفيها خيانة للحق والشعب.

هذا الخطّ هو الخطّ الذي يجب أن يبقى عند كل المعارضة رموزاً وجماهير في كل مسار الحراك ومنعطفاته ومآلاته ونتائجه.

متى يتوقف الحراك؟

انطلق الحراك من هدف اصلاح أوضاع الوطن، وحياة وكرامة وكل حقوق إنسانه. وما دام هذا الهدف مفقوداً على أرض الواقع، ومعادَى أو مهملاً من ناحية الحكم؛ فالحراك قائم، وحرام أن يتوقف، والمطالبةُ ذات الصدقيّة العالية به يجب أن تستمر.

توقّف الحراك إنما يكون بانتصاره، وانتصارهُ بذلك الاصلاح لا غير.

يوم أن انطلقت الحركة الاصلاحية انطلقت وهي تعرف أنّ طريقها طويل، وأنّ متاعب هذا الطريق جمّة، وتضحياتِه كبيرة موجعة، وذلك بسبب الظلم من الآخر.

ولو كان توقف الحراك مرهوناً بالتعب لسفِه الدخولُ فيه أساساً، لأنّ التعب ضريبة له لابد منها.

والمعارضة اليومَ والشعبُ معها في مقدمتها على العزم الأول، وفي ازدياد على مواصلة طريق ذات الشوكة إلى أن يكتب الله الفرج.

عقد من الثبات، وثباتٌ حتى النصر، والمعنيُّ بالنصر هنا نصر الأهداف الذي يصب في خانة الاصلاح للوطن كلّه ولصالح الجميع.

أيُّ اصلاحٍ يطلبُ الشعب؟

ليس من الاصلاح الذي ينفع الشعب، وينعم به أهله، ويتحقق به الأمن والاستقرار ويصلح له البذل من أجله؛ أن يحلّ تسلّطٌ ظالمٌ محل تسلط ظالمٍ قبله، أو أن تخرج طائفة من الشعب من محنها لتغرق طائفة أخرى في المحن، أو أن يتخلّص الوطن من فتنة ليرتكس في فتنة أخرى. إنّ إصلاحاً هذا شأنه ليس هو الاصلاح المطلوب للشعب ديناً أو عقلاً، أو عقلائياً، وبمقتضى الوعي وروابط الأخوّة الإسلامية والوطنية.

الاصلاح المطلوب هو اصلاح يُحِلّ العدلَ محلّ الظلم، ويُنهي أسباب الفتن، ويفرض الاجتماع به نفسَهُ مكان الفُرقة، والصلةُ مكان القطيعة، والتّراصُّ مكان التفكك.

المطلوب اصلاحٌ يُعيد للشعب مكانته الطبيعية على حدِّ ما في العلاقة السياسية الصحيحة بين أيّ شعبٍ والحكم الخاص به. والشعب هو الأصل في هذه العلاقة في الدساتير الحديثة المتقدمة بالقياس إلى ما كانت عليه العقلية المتخلفة من الحكم الدكتاتوري، وهو صاحب الكلمة الأولى في الحكم الذي يعنيه ويرتبط به مصيره، ويتوقف على رضاه به.

الاصلاح المطلوب هو اصلاحٌ لا يبقي سبباً في الوضع السياسي لبثِّ العداوة بين مذهب وآخر، ولا يسمح للسياسة الرسمية أن تضطهد أي مذهب من مذاهب الدين، ولا أيّ فئة من فئات المجتمع.

اصلاحٌ يبتدئ من دستور عادل ينال موافقة الشعب الحقيقية بعيداً عن أي ضغط وأي تلاعب وتحايل، ومن غير أفضلية صوت على صوت، ولا منطقة على منطقة، ولا فئة على أخرى. وتَتَقرّر به استقلالية السلطات الثلاث، ويُسدّ بموجبه الباب تماماً عن حق المصادرة للتجربة الانتخابية الحرّة ونتائجها.

وكل من يسمح لنفسه بألاّ يأخذ بما يقضي به الدين في مسألة الحكم ومرجعيته الإلهية فليس أمامه إلاّ أن يقبل بمرجعية الشعب في هذه المسألة على مستوى الدستور وكل أركان الحكم ومؤسساته.

وإنّ المتوقع من دستور يتمخّض عن تجربة انتخابية حرّة عادلة مأمونة أن يعالج كثيراً من عيوب الوضع السياسي القائم وثغراته وظلمه وتخلّفه، ويعطي الوطن في كل علاقاته وضعاً أفضل، ويُصلح من كل البُنى والأبعاد والعلاقات التي تعاني من السوء والتدهور في هذا الوطن.

ولن يقوم اصلاح، ولن يثبت ويستمر اصلاح من دون قاعدة صلبة، والقاعدة الصلبة للإصلاح إذا أُريدَ له أن يكون حقيقياً وجديّاً؛ هو الدستور العادل غيُر المفروض على الشعب، والنابعُ من ارادته، والمؤسساتُ الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية الراجعة لحاكميته الممنوحة له من الشعب.

وكل اصلاح من دون هذا المستوى فهو ليس الاصلاحَ الذي كان من أجله الحراك وتضحياتُه الكبرى، وما استنزفه من دماء الشعب، ومصالحه وأمنه، وآلامُ وأسقامُ أبنائه وبناته في السجون، وتغريبُ الكثير من رجاله، وتيتّم الأطفال وترميلُ النساء، والحرمانُ من الدراسة والوقوع في الفاقة والرعبِ والقلقِ والفزعِ والاضطرابِ، والتضرّرِ الديني والدنيوي الواسع، مما جرى على يد السياسة التي لم تتوّرع في تعاملها مع الشعب طوال حراكه.

وبعد الكلام في الحَرَاك الخاصّ بالبحرين، لابد من الالتفات إلى المحورين المهمين جدّاً واللذين شغلا المنطقة طويلاً، بل العالم العربي كلّه، والعالم الإسلامي كذلك، وعموم العالم؛ لما هما عليه من خطورة بالغة، وهما محور الملف النووي الإيراني وما ارتبط به من اتفاق بين إيران و 5+1، وما أقدمت عليه سياسة ترامب الخرقاء من نقضها لهذا الاتفاق واستمرارها في فرض عقوبات صارمة من شأنها أن تُركّع دولة وإنْ كانت من أقوى الدول، وإن ارتدّت هذه العقوبات خاسئة أمام الصلابة الإيمانية للجمهورية الإيرانية الإسلامية نظاماً وشعباً، رغم آثارها المجوّعة والمدمّرة والموجعة، وما صار من احتمال عودة أمريكا إلى هذا الاتفاق في ظل سياسة بايدن الرئيس الخلف لترامب، وهو احتمال تهدّده العجرفة الأمريكية وعدم الاحترام الأمريكي للعهود والمواثيق، ويزيد من تهديده موقف الحلفاء الأشرار لأمريكا كإسرائيل الذي يدفع في اتجاه عدم العودة للاتفاق، وتشديد العقوبات بدل ذلك.

والملف الثاني ملف الحرب الطاحنة الظالمة على الشعب اليمني العربي المسلم البطل الصابر المجاهد المضحّي العنيد في الحقّ، الثابت في مواقف اللقاء للموت في سبيل الله، وما جدَّ فيه من ترقب توقف الحرب الشرسة الخاسرة التي أدرك كل المحرّكين لها عدواناً، والمشاركين والمساندين، أنّها خاسرة فعلاً في يأس من أن تؤدي شيئاً من أهدافها غيرَ تدمير الأرض اليمنية مع تصاعد القتل في أطراف الحرب.

ولو عادت أمريكا إلى الاتفاق النووي ورفعت عقوباتها الظالمة مقدَّماً على الجمهورية الإسلامية، وتوقفت الحرب على اليمن توقفاً نهائياً، وأَمِنت كل الحدود في المنطقة، وساد الصلح الحقيقي مكان الحرب والتهديدِ بها، وعُوّض الشعب اليمني عن أضراره وأعيدت بنيته الأساسية ورُفع عنه الحصار نهائياً؛ لكان في ذلك نصر للمنطقة بكاملها ولكلٍّ من الأمتين العربية والإسلامية، وأتيحت الفرصة للبناء بدل الهدم، وللتقدّم مسافات بدل التأخّر الذي تحدثه الحروب والتوترات والاستفزازات بمسافات، وما تؤدي إليه من تراكم للخسائر والكوارث وفتحِ الأبواب على مصراعيها للاستغلال الاسرائيلي وغيره.

وغبيّ جداً من يتمنى من أطراف المنطقة أن تبقى الحرب، ويبقى التوتر، ويبقى الباب مفتوحاً للتدخّل العسكري للقوى الأجنبية، لتحترق المنطقة ولا يخرج طرف منها سالماً بمن في ذلك المتمنون لها، والساعون لاشعالها، ومن هم مستعدون لارشاء أمريكا بما يستطيعون لتهدم السقف على رؤوسهم وعلى رؤوس الآخرين، وما أبعدهم عن الحسِّ الإسلامي والإنساني والعربي الذي هدّبه الإسلام، وما أغبى من يقول في نفسه ومن خلال سعيه، إمّا أن يُقهر اليمن، وتذلّ الجمهورية الإسلامية أو تتهاوى، وإلا فليحترق الجميع بالجحيم، ويسقط الكل. نعم هناك من لا يمرّ به حبّ أن يحيا الجميع عزيزاً ويقوى الجميع، ويعيش الجميع أخوّة الإسلام وأخوّة الجوار، وتعيش دول التحالف إلى ذلك مع اليمن أخوّة العروبة.

لَكَمْ هو عظيم، ولَكَم هو مربح، ولَكَم هو مُؤمِّن؛ أن تتحالف دول المنطقة على طريق حلف الأمة كاملة، لتكون القوية يومها وغدها، ولتقود حركة حضارية على خطّ إسلامها، لربحها وربح كلّ الأمم، وأمنها وأمن كل الأمم، ولهداها وهدى كل الأمم.

نسأل الله الهداية لكل أبناء هذه الأمة، ولمن كان في موقع كبير أو صغير من مواقعها.

والحمد لله ربّ العالمين.

والصلاة والسلام على سيد المرسلين وخاتم النبيين، وآله الهداة الميامين، وأصحابه المنتجبين. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.