إدارة بايدن «وسيطاً» نفطيّاً: نريد أسعاراً معتدلة!

إدارة بايدن «وسيطاً» نفطيّاً: نريد أسعاراً معتدلة!
الجمعة ٠٢ أبريل ٢٠٢١ - ٠٤:١٨ بتوقيت غرينتش

تُكمِل إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، سياسةً أرساها الرئيس السابق، دونالد ترامب، الذي كان كلّما ارتفعت أسعار النفط دعا إلى خفضها، ولمّا انهارت هدّد السعودية بسحب الغطاء عنها إذا لم تُخفّض الإنتاج لرفعها. هي سياسة الابتزاز نفسها التي يتّبعها البيت الأبيض راهناً، وإن بلغةٍ أقلّ حدّة، يُحتمل أن تُفضي، فيما لو قرَّر الروس الانسحاب ثانيةً من تخفيضات الإنتاج، إلى حرب نفطية جديدة.

العالم-السعودية

عشيّة انطلاق الاجتماع الوزاري الثالث لتحالف «أوبك+»، يوم أمس، عادت الولايات المتحدة إلى ممارسة الابتزاز في حقّ حليفتها السعودية، مسلّطةً الضوء على أهمّية «الطاقة معقولة التكلفة». مردُّ ذلك خشيتها من أن يُقدِم التحالف النفطي على زيادة الإنتاج المُقنَّن أصلاً، فتنخفض الأسعار إلى حدودٍ من شأنها أن تؤذِي الصناعة الأميركية مرتفعة التكلفة. الحَرَج السعودي الذي تجلّى في تجديد وزير الطاقة، عبد العزيز بن سلمان، الدعوة إلى تبنِّي نهجٍ حذر، بفعل الاضطرابات التي تعانيها السوق «البعيدة من التعافي الكامل»، قَابَلته، على الجانب الآخر، رغبة روسية في رفع الإنتاج. ومراعاةً للوجهتَين، تمكَّن المجتمعون من التوصّل إلى صيغةٍ تزيد المجموعة بموجبها الإنتاج تدريجياً، ابتداءً من الشهر المقبل بـ 350 ألف برميل في اليوم، ومثلها في حزيران/ يونيو، على أن يرتفع إلى 400 ألف بوميل في الشهر السابع.

وبموجب هذا الاتفاق، يصبح حجم التخفيضات الطوعية التي تنفّذها «أوبك+»، منذ انهيار أسعار النفط في 2020، عند ما يزيد قليلاً على 6.5 ملايين برميل يومياً اعتباراً من أيار/ مايو، مقارنة مع التخفيضات الحالية التي تقلّ قليلاً عن سبعة ملايين برميل يومياً. وبعد الاجتماع، أعرب وزير الطاقة السعودي عن اعتقاده بأن «ما فعلناه اليوم (أمس)، إجراء محافظ جدّاً»، مضيفاً إن مستويات الإنتاج قد تخضع للتعديل في الاجتماع المرتقب يوم الـ 28 من الشهر الجاري. وإذ لفت إلى أن القرار المتَّخذ لم يكن بتأثير المحادثات مع المسؤولين الأميركيين، قال ابن سلمان إن المملكة ستتخلَّص تدريجيّاً من خفضها الإضافي الطوعي البالغ نحو مليون برميل يومياً. وعلى رغم هذه التأكيدات، بدا واضحاً أن إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، استأنفت طقساً كان سائداً إبّان عهد دونالد ترامب الذي ضغط على السعودية لإرساء اتفاق الثاني من نيسان/ أبريل 2020 (وضع حدّاً لحرب أسعار مُدمِّرة بقيادة السعودية وروسيا، ونتج منه اقتطاع غير مسبوق في إنتاج النفط يوازي 10% مِن الإمدادات العالمية). ​اليوم، وبعد مرور سنة على الاتفاق، وما حدث في خلالها من تغييرات على مستوى القيادة الأميركية، يبدو أن شيئاً لم يتغيّر، وهو ما ظَهَّره الاتصال الذي أجرته وزيرة الطاقة الأميركية، جنيفر غرانهولم، بنظيرها السعودي، لتُجدِّد التشديد على «أهمّية التعاون الدولي لتأمين مصادر طاقة للمستهلكين ذات موثوقيّة وبأسعار في المتناول». وتزامنت الأنباء عن المكالمة مع مؤشرات إلى تغيُّر التوجّه في المناقشات غير الرسمية بين أعضاء «أوبك+»، بعد مكالمة أخرى جمعت الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، إلى وليّ العهد السعودي، محمد بن سلمان؛ إذ قال مندوبون في المجموعة، قبل أيّام قليلة، إن الأخيرة ستُبقي على الأرجح على أغلب التخفيضات الحالية كما هي، نظراً إلى الضبابية التي تكتنف توقُّعات الطلب وسط موجة جديدة من إجراءات الإغلاق المرتبطة بوباء «كورونا». ولكن، في الساعات الـ 24 الأخيرة التي تلت بدء الاجتماع، قالت مصادر لـ»رويترز» إن دفّة المحادثات تحوَّلت صوب زيادة محتمَلة للإنتاج.

واستناداً إلى ما سبق، حدّد وزير الطاقة السعودي التوجُّه في كلمة تمهيدية، قال فيها إن «الوضع العالمي أبعد ما يكون عن التجانس، والانتعاش أبعد ما يكون عن الاكتمال»، مشيراً إلى «بوادر تحسّن كبير» على صعيد الطلب، لكن «البحر لا يزال هائجاً»، ومكرِّراً ميزات النهج «الحذر والمعتدل» للكارتيل. من جهته، ألقى نائب رئيس الوزراء الروسي، ألكسندر نوفاك، المسؤول عن الطاقة والذي تحدَّث أيضاً في بداية اللقاء، خطاباً أكثر تفاؤلاً من نظيره السعودي، مُرحّباً بـ»نتائج» حملات التطعيم حول العالم. وقال: «نلاحظ استمرار تعافي الاقتصاد»، مُقدّراً العجز الحالي في السوق بمليونَي برميل يومياً. ولكن بعد بداية لهذا العام أفضل من العام السابق، أدّت موجة ثالثة من العدوى في أوروبا وانتشار الفيروس بسرعة عالية في أسواق واعدة للطلب على النفط الخام، مثل الهند، إلى إضعاف معنويات معظم المنتجين وبشكل كبير. وفي تقريرها الأخير في منتصف آذار/ مارس، جاءت تقديرات «الوكالة الدولية للطاقة» قاتمة؛ فبعد الصدمة الصحّية، يُتوقَّع أن يحتاج الطلب العالمي على النفط إلى سنتين للعودة إلى مستويات ما قبل الأزمة، بحسب توقُّعاتها.