تقرير حقوقي: الحبس الاحتياطي عقوبة للتنكيل بمعارضي السيسي

تقرير حقوقي: الحبس الاحتياطي عقوبة للتنكيل بمعارضي السيسي
السبت ٠٣ أبريل ٢٠٢١ - ١٢:١١ بتوقيت غرينتش

اعتادت السلطات القضائية في مصر خلال السنوات القليلة الماضية على استخدام الحبس الاحتياطي كعقوبة للتنكيل بمعارضي النظام السياسي، حسب ما أكدت مؤسسة «حرية الفكر والتعبير» أمس الجمعة.

العالم- مصر

وقالت المؤسسة الحقوقية في تقرير حمل عنوان «زنازين مفتوحة ـ كيف جرى التنكيل في القضايا ضد متهمي حرية التعبير» إن التنكيل استهدف بشكل خاص صحافيين، ومبدعين، وأكاديميين، ونشطاء سياسيين ومواطنين عاديين، على خلفية تعبيرهم عن آرائهم أو القيام بممارسة مهام عملهم، أيّا كان الوسيط أو وسيلة التعبير، طالما كان المحتوى فيه شبهة معارَضة للسياسات القائمة.

انتهاك للقانون

وأضافت: يمكن القول إن هذه الممارسات عبَّرت في مجملها عن نمط انتهاك صار اعتياديّا خلال السنوات الخمس الأخيرة، في انتهاك صريح لقانون الإجراءات الجنائية، الذي ينص على أن الهدف من قرار الحبس الاحتياطي وضوابط استخدامه وبدائله، احترازيّا لحماية التحقيق أو سير المحاكمة، خاصة في الحالات التي يُخشى فيها من نفوذ أو سلطة المتهم التي قد تمكِّنه من العبث بالأدلة أو الأحراز أو القيام، بما مِن شأنه التأثير على سير العدالة بالتحقيق أو المحاكمة.

ولفت التقرير إلى أن وحدة الرصد والتوثيق بمؤسسة حرية الفكر والتعبير تمكنت خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة من رصد تطور مهم على مستوى استخدام السلطات القضائية بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية سلطتها في حبس المتهمين احتياطيّا، وأن هذا التطور لا يمكن وصفه بالجديد، ولكن بعد تكرار استخدامه بشكل موسع ومنهجي يكون من الممكن توصيفه باعتباره نمط انتهاك اعتياديا للحق في المحاكمة العادلة.

ووفق التقرير، تعلق هذا التطور بما عرف مؤخرا بتدوير المتهمين، حيث تقوم الأجهزة الأمنية، الضالع الأكبر في ممارسة هذا النمط من الانتهاكات، بالامتناع عن تنفيذ قرارات إخلاء سبيل متهمي حرية التعبير، وبعد احتجازهم بدون مسوغ قانوني لفترات زمنية متفاوتة، تقوم بإعداد محاضر تحريات جديدة، تعتمد عليها نيابة أمن الدولة العليا في إدراج المتهمين المخلى سبيلهم، بعد انتهاء الحد الأقصى للمدة القانونية المحددة لحبسهم احتياطيّا، وأحيانا قبل انتهاء تلك المدة، على ذمة قضايا جديدة، وفي أغلب الأحوال يكون التدوير من الداخل دون أن يتمتع المتهم بقرار إخلاء سبيله بشكل فعلي.

دعم قانوني

ويواجه المتهمون في معظم تلك الحالات، لائحة الاتهامات المتكررة نفسها المبنية على تحريات الجهات الأمنية، بما يمكِّن السلطات القضائية من حبسهم احتياطيّا عامين آخرين على ذمة التحقيقات، ليكون بذلك المتهم قد قضى أربعة أعوام قيد الحبس الاحتياطي بدون الإحالة إلى المحاكمة، كما أن بعض المتهمين تجري إعادة تدويرهم في قضايا جديدة أكثر من مرة، تبعاً للتقرير، الذي أكد أن الوحدة القانونية في مؤسسة حرية الفكر والتعبير قدمت دعما قانونيّا لصالح 133 متهما من ضحايا انتهاكات حرية التعبير، بصوره المختلفة، خلال عام 2020، بينما تمكن محامو المؤسسة من الحصول على قرارات إخلاء سبيل أو استبدال الحبس الاحتياطي بتدابير احترازية لصالح مئة متهم خلال العام نفسه، نصفهم (50 متهما) أعيد تدويرهم في قضايا جديدة بعد إخلاء سبيلهم على ذمة قضايا أخرى.

وتابع التقرير: شملت تلك القائمة من المتهمين صحافيين، وحقوقيين، ومبدعين، ونشطاء سياسيين فضلًا عن المواطنين العاديين سواء من مستخدمي مواقع وتطبيقات التواصل الاجتماعي، أو ممن تعرضوا لإحدى حملات القبض العشوائي أو لأسباب أخرى متعددة.

وبينت المنظمة أنه في سبيل تسهيل ممارسة تلك الأنماط الاعتيادية من الانتهاكات تقوم السلطات القضائية بحبس المتهمين على ذمة قضايا متعددة تعرف محليّا باسم (قضايا الثلاجات) وهي قضايا تستحيل مع طبيعة تكييفها القانوني، من حيث تنوع الخلفيات المهنية، الجغرافية، والعمرية والجندرية للمحتجزين على ذمتها فضلًا عن تنوع توجهاتهم الفكرية وانتماءاتهم السياسية، أن تتم إحالتها إلى المحاكمة، ولكن تبقى مفتوحة لضم أشخاص آخرين باعتبارها (زنازين مفتوحة) لعقاب المختلفين مع السياسات القائمة بالحبس الاحتياطي لمدة عامين، وفي حال الرغبة في استمرار التنكيل بشخص أو مجموعة ما، تجري إعادة تدويرهم كما أوضحنا سلفا.

وحاول التقرير تسليط الضوء على عددٍ من أنماط الانتهاكات التي تمارسها السلطات المصرية، القضائية تحديدا تجاه حق المواطنين في التعبير، بصوره المختلفة، وكذلك حق المواطنين في محاكمات عادلة، منذ لحظة القبض عليهم، مرورا بمرحلة تحقيقات النيابة ووصولا إلى مرحلة المحاكمة التي لا تأتي أبدا في سياق نمط (قضايا الثلاجات) الآنف الذكر.

وثَّقت وحدة الرصد والتوثيق في المؤسسة إحالة 16 متهما على ذمة القضية رقم 65 لسنة 2021 حصر نيابة أمن دولة عليا، منهم 6 متهمين ألقي القبض عليهم خلال شهري يناير/ كانون الثاني وفبراير/ شباط الماضيين، فضلًا عن 10 متهمين تم تدويرهم على تلك القضية بعد إخلاء سبيلهم على ذمة قضايا أخرى. حققت نيابة أمن الدولة مع المتهمين، ووجهت إليهم جميعا الاتهامات نفسها، كان أبرزها «الانضمام إلى جماعة إرهابية، ونشر أخبار كاذبة وإساءة استخدام مواقع التواصل الاجتماعي».

وأوضح التقرير أن المتهمين الستة المقبوض عليهم حديثا ألقي القبض على ثلاثة منهم في ثلاثة أحياء مختلفة داخل محافظة القاهرة، أما الثلاثة الآخرون فقد ألقي القبض عليهم في ثلاث محافظات مختلفة: المنوفية، الفيوم، والجيزة. وجميعهم ألقي القبض عليهم، ورغم ذلك لم يقبض على أيٍّ منهم بصحبة الآخر أو حتى في اليوم نفسه. وتنوعت خلفياتهم المهنية بين: صحافي، باحث ماجستير، موظف بشركة مقاولات، طالب، ومواطنين آخرين لم نتمكن من معرفة مهنهم.

وتابع: تنوعت أسباب القبض عليهم رغم تطابق الاتهامات الموجهة إليهم، فبينما ألقي القبض على الصحافي في موقع مصر 360 الإخباري على خلفية ممارسته مهام عمل صحافي، ألقي القبض على باحث الماجستير بالجامعة الأوروبية المركزية، خلال قضاء فترة إجازته القصيرة بمصر على هامش دراسته بالعاصمة النمساوية فيينا، في الوقت الذي ألقي القبض فيه على المتهمين الأربعة الآخرين على ذمة القضية لأسباب تتعلق بتعبير كل منهم عن رأيه على حسابه الشخصي بأحد مواقع التواصل الاجتماعي، في قضايا وموضوعات متنوعة، لا يجمع بينها سوى أن الأجهزة الأمنية ارتأت فيها شبهة معارضة للسياسات القائمة أو نظام الحكم. كذلك لا تربط المتهمين الستة أية روابط شخصية أو تنظيمية أو عقائدية.

وواصل التقرير: أما عن المتهمين العشرة الذين جرى تدويرهم من الداخل، فقد شملت القائمة أربع سيدات وستة رجال، بينهم تسعة متهمين جرى تدويرهم للمرة الأولى في القضية 65 لسنة 2021 حصر نيابة أمن دولة عليا، ومتهم وحيد أعيد تدويره للمرة الثانية بعد إخلاء سبيله على ذمة قضيتين أخريين. تنوعت القضايا التي أخلي سبيل المتهمين العشرة على ذمتها، قبل أن يتم تدويرهم في القضية 65 لسنة 2021، وبلغ عددها أربع قضايا.

وطالبت المؤسسة السلطات المصرية بتعزيز العدالة الجنائية والحرص على الحفاظ على حق المواطنين في التعبير عن آرائهم بحرية بأي وسيلة مناسبة.

وأوصت نيابة أمن الدولة بالإفراج عن المتهمين على ذمة القضية 65 لسنة 2021 مع حفظ التحقيقات في القضية، والنائب العام المصري بالتحقيق في الانتهاكات التي مارستها الشرطة ونيابة أمن الدولة من سلب المواطنين حقوقهم القانونية.

كما دعت المؤسسة الحكومة المصرية للتوقف عن ملاحقة المواطنين بسبب التعبير عن آرائهم وإتاحة تداول المعلومات، والتوقف عن استهداف الصحافيين.