البحرين/قانون العقوبات البديلة لن يغيّب مطلب إطلاق سراح المعتقلين السياسيين

البحرين/قانون العقوبات البديلة لن يغيّب مطلب إطلاق سراح المعتقلين السياسيين
الإثنين ١٩ أبريل ٢٠٢١ - ٠٥:١٥ بتوقيت غرينتش

في 2 أبريل صرح مساعد المدعي العام البحريني وائل بوعلي أنه سيتم الإفراج عن 126 سجيناً ضمن قانون العقوبات البديلة مع العلم أن هذا القرار لم يشمل سوى سجين رأي واحد الذي اعتقل بتهمة قراءة زيارة عاشوراء في 3 سبتمبر 2020 وتبقّى شهرين على انتهاء محكوميته، وباقي السجناء الذين شملهم قرار الإفراج جميعهم سجناء جنائيين.

العالم- البحرين

حاولت السلطات من خلال هذا القرار إيجاد مخرج لفشلها وعجزها عن إدارة الكارثة الصحية التي حلّت بالسجناء السياسيين جراء انتشار فيروس كورونا، وتفشيه بينهم وتسجيل عدد كبير من الإصابات وعدم توفيرها الرعاية الصحية اللازمة وأدنى سبل الوقاية للسجناء، لكن رسمياً لم تعترف وزارة الداخلية إلا بوجود حالة واحدة في 21 فبراير 2021، وثلاث حالات في 23 مارس 2021 لتعود وتمنع وزارة الصّحة من نشر أسماء وعدد الإصابات اليومية. فيما تستمر التصريحات الرسمية التي تحاول نفي حقائق الإصابات وتبييض الفشل في اتخاذ الإجراءات المناسب.

في 8 أبريل ، كان من المقرر إطلاق سراح مجموعة أخرى مؤلفة من 73 سجيناً بموجب العقوبات البديلة، ليصبح إجمالي عدد السجناء المفرج عنهم منذ البدء بتنفيذ قانون العقوبات البديلة 3297 سجيناً. حتى الآن أُفرج عن 54 سجيناً سياسياً بموجب العقوبات البديلة من الدفعة الثانية هذه، كان من بينهم أكبر السجناء السياسيين سنّاً محمد جواد برويز البالغ من العمر 75 عاماً الذي وثقتت منظمة أمريكيون من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان في البحرين قضيته وكذلك قضايا كل من: سيد علي فضل ، جلال سعيد المدبر، هادي إبراهيم العرب، محمد شرف، علي الغانمي ، محمد المعلم، ويوسف محمد فتحي وأحمد حسن المدهون وغيرهم . بالإضافة إلى ذلك، تم إطلاق سراح المدافع البارز عن حقوق الإنسان نبيل رجب، بموجب أحكام بديلة في يونيو 2020.

إنّ إقرار قانون العقوبات البديلة عام 2017 إنبثق عن تعاون مشترك بين البحرين والمملكة المتحدة في المجال القضائي وتحديداً العقوبات البديلة وفرضها في القضايا الجنائية وهنا يظهر جلياً أنّ قانون العقوبات البديلة يشمل فقط السجناء الجنائيين أي الذي ارتكبوا جرائم وهذا ما يتم تطبيقه في مختلف دول العالم وبحسب ما ورد في قواعد الأمم المتحدة النموذجية الدنيا للتدابير غير الإحترازية للسجناء إلّا أن البحرين تخالف الأعراف الدولية وقواعد الأمم المتحدة في ذلك وتطبقه على السجناء السياسيين وسجناء الرأي الذي اعتقلوا لمجرد التعبير عن رأيهم وتفرض عليهم تدابير تحط من كرامتهم الإنسانية، وأكبر مثال على ذلك ما تعرض له عبد الهادي مشيمع الذي أطلق سراحه في 11 مارس 2021 ضمن العقوبات البديلة وفُرض عليه العمل في البريد كحكم بديل وهو كبير في السن ويعاني من أمراض مزمنة، مع العلم أنه لم يرتكب جرماً جنائياً واعتقل فقط بسبب المشاركة في مسيرة سلمية.

والجدير ذكره أنّه في كل عام، مع بداية شهر رمضان، يتم إطلاق سراح مجموعة من السجناء بموجب عفو ملكي، لكن عادة ما يكون معظمهم من السجناء الجنائيين؛ هذا العام، صدر مرسوم ملكي بالعفو عن 91 سجيناً وكان معظمهم من الأجانب أيضًا. بالنسبة للأجانب، يتم نقلهم إلى مراكز الاحتجاز المتعلقة بالإقامة، حيث يتمتعون بمزيد من الامتيازات ويسمح لهم بمغادرة البلاد بمجرد الحصول على تذكرة. من بين عمليات الإفراج الأخيرة ، تم الإفراج عن 9 سجينات بتهم جنائية (بعضهن بموجب أحكام بديلة، والبعض الآخر تم العفو عنهن) لكن زكية بربوري، السجينة السياسية الوحيدة في البحرين التي قضت أكثر من نصف عقوبتها، وما زالت معتقلة حتى يومنا هذا.

قرارات العفو بموجب العقوبات البديلة وغيرها، لم تُثنِ الأهالي عن مطلبهم الرئيسي بالإفراج عن جميع السجناء السياسيين وسجناء الرأي دون قيد أو شرط فهم مستمرون في إقامة التظاهرات وتنظيم الإحتجاجات المنددة بهذا المطلب في مختلف مناطق البحرين، لاسيما وأن السلطات لا زالت تمارس التضييق على السجناء الذين يُطلق سراحهم بموجب العقوبات البديلة، من خلال فرض الإقامة الجبرية أو فرض الرقابة الإلكترونية ومنعهم من نشر آرائهم السياسية على مواقع التواصل الإجتماعي. لذا لا بدّ من تسليط الضوء أكثر على مواد قانون العقوبات البديلة وشروطه في الدستور البحريني مقارنةً مع قواعد الأمم المتحدة حتى نكرر التأكيد على المطالب الأممية والدولية بإطلاق سراح جميع السجناء السياسيين وسجناء الرأي دون قيد أو شرط.

تعريف العقوبات البديلة

يمكن تعريف العقوبات البديلة بأنها عقوبة غير سالبة للحرية ضد المحكوم عليهم. وهي مجموعة من البدائل التي يتخذها القاضي تتمثل في إبدال عقوبة السجن بعقوبات خارج السجن إضافة إلى خدمات يؤديها السجين لفئة من فئات المجتمع.

في تطبيق أحكام هذا القانون في الدستور البحريني يُقصَد بالعقوبة البديلة إحدى العقوبات المنصوص عليها في المادة (2) من هذا القانون، والتي يجوز للقاضي أن يقضي أو يأمر بها بدلاً عن العقوبة الأصلية، في الأحوال المبيَّنة في هذا القانون. كما يُقصَد بالتدبير البديل إحدى التدابير المنصوص عليها في المادة (18) من هذا القانون، والتي يجوز للنيابة العامة أو القاضي – بحسب الأحوال – الأمر بها بدلاً عن الحبس الاحتياطي في الأحوال المبيَّنة في هذا القانون.

في 20 سبتمبر عام 2013 أصدر المجلس الاقتصادي والاجتماعي للأمم المتحدة القرار رقم 53 الذي أوصى في مادته الثالثة عشرة على أن “تبذل الدول الأعضاء مجهودًا لتقليص الاكتظاظ في السجون وتقليص اللجوء إلى الحبس الاحتياطي بالإضافة إلى التشجيع للجوء المتزايد إلى الآليات القضائية وتعزيز بدائل العقوبات السالبة للحرية”.

وقد أقرّت الأمم المتحدة 12 نوعاً من العقوبات البديلة بحسب ما ورد في قواعد الأمم المتحدة الدنيا النموذجية للتدابير غير الاحتجازية (قواعد طوكيو):

1- العقوبات الشفوية كالتحذير والتوبيخ

2- إخلاء السبيل المشروط

3 – العقوبات التي تمس بحالة الفرد القانونية

4 – العقوبات الإقتصادية والجزاءات النقدية كالغرامات اليومية

5 – الأمر بمصادرة الأموال أو نزع الملكية

6 – الأمر برد الحق إلى المجني عليه

7 – الحكم مع وقف التنفيذ أو المُرجأ تنفيذه

8 – الوضع تحت الإختبار والإشراف القضائي

9 – الأمر بتأدية خدمات المجتمع المحلي

10 – الإحالة إلى مراكز المثول

11 – الإقامة الجبرية

12 – أي شكل آخر من أشكال المعاملة غير الإيداع في مؤسسة احتجازية

وحددت قواعد الأمم المتحدة الدنيا النموذجية للتدابير غير الاحتجازية (قواعد طوكيو) نطاق التدابير الإحتجازية بما يلي:

سريان الأحكام ذات الصلة في هذه القواعد على جميع الأشخاص الخاضعين للمقاضاة والمحاكمة في جميع مراحل تدبير شؤون العدالة الجنائية ويشار إلى هؤلاء الأشخاص بعبارة “جناة” بصرف النظر عمّا إذا كانوا من المشتبه فيهم أو المتهمين أو صدرت أحكام بحقهم

يجب تطبيق هذه القواعد دون تمييز يستند إلى الجنس أو اللون أو الدين والمعتقد أو الرأي السياسي

ينبغي التشجيع على وضع تدابير غير احتجازية جديدة ورصد هذه التدابير وتقييم استخدامها بانتظام

ينبغي أن يشكل استخدام التدابير غير الإحتجازية جزءاً من الإتجاه إلى إلغاء العقاب وإلغاء التجريب

يجب أن تُصان في جميع الأحوال كرامة الجاني الذي تُتخذ بشأنه تدابير غير احتجازية

عند تطبيق التدابير غير الاحتجازية يُحترم حق الجاني وحق أسرته في أن تُصان حياته الخاصة

كما أكدت قواعد الأمم المتحدة الدنيا النموذجية للتدابير غير الاحتجازية (قواعد طوكيو)، على “ضرورة العثور على بدائل فعالة لسجن المجرمين وتمكين السلطات من تكييف العقوبات الجنائية بحسب إحتياجات الفرد المجرم على النحو الذي يتناسب والجريمة المرتكبة، ومزايا الحكم بحسب ظروف الحالة على هذا النحو واضحة بالنظر إلى أنها تسمح للمجرم بالبقاء حراً طليقاً، وتمكنه من مواصلة العمل والدراسة والحياة”.

كما عقدت الأمم المتحدة على امتداد أكثر من نصف قرن مؤتمرات تهدف إلى تعزيز التعاون الدولي لمنع اتساع الجريمة وإيجاد السياسات المناسبة للتعامل مع السجناء، ومن بينها سياسة العقوبات البديلة، ومن أبرز هذه المؤتمرات ( مؤتمر جنيف، كراكاس، ميلانو، القاهرة، فيينا، بانكوك). وقد اجتمعت هذه المؤتمرات على توصيات ترمي إلى:

البحث عن جزاءات معقولة لا تشترط الحبس كوسيلة، من أجل تخفيض أعداد السجناء.

دراسة مسألة الجزاءات التي لا تشترط الحبس والتدابير الرامية إلى الإندماج الإجتماعي.

الحث على تعزيز التدابير غير الاحتجازية وتخفيف عدد نزلاء السجون.

ترويج بدائل مأمونة وفعالة للحبس حسب الاقتضاء.

تنفيذ قانون العقوبات البديلة في البحرين يخالف قواعد الأمم المتحدة

في 20 يوليو2017 أصدر ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة قانون رقم 18 بشأن العقوبات والتدابير البديلة، وأنواع العقوبات البديلة هي:

العمل في خدمة المجتمع.

الإقامة الجبرية في مكان محدَّد.

حظْر ارتياد مكان أو أماكن محدَّدة.

التعهُّد بعدم التعرُّض أو الاتصال بأشخاص أو جهات معيَّنة.

الخضوع للمراقبة الإلكترونية.

حضور برامج التأهيل والتدريب.

إصلاح الضَّرر الناشئ عن الجريمة.

وبحسب القانون، يجوز لمؤسسة الإصلاح والتأهيل أنْ تطلب من قاضي تنفيذ العقاب أنْ يستبدل بالعقوبة الأصلية المحكوم بها عقوبة بديلة أو أكثر من المنصوص عليها في المادة (2) من هذا القانون، لمدة تساوي باقي العقوبة أو مجموع العقوبات المحكوم بها، وذلك إذا توافرت في المحكوم عليه الاشتراطات الآتية:

1) أنْ يكون قد أمضى نصف مدة العقوبة أو العقوبات المحكوم بها.

2) أنْ يكون حسن السيرة والسلوك.

3) ألا يكون في الإفراج عنه خطر على الأمن العام.

4) أنْ يكون قد أدى الالتزامات المالية المحكوم بها عليه من المحكمة الجنائية، ما لم يكن من المستحيل عليه الوفاء بها.

لماذا يجب التمسك بالإفراج عن السجناء دون قيد أو شرط دون العقوبات البديلة؟

بعد تسليط الضوء على قانون العقوبات البديلة بحسب الأمم المتحدة مقارنةً مع ما ورد عنه في الدستور البحريني واستيضاح موارد وشروط وأنواع العقوبات البديلة يتضح لنا أنّ:

أولاً: إذا كانت إحدى مسببات استخدام العقوبات البديلة وتوصياتها هي التخفيف من اكتظاظ السجون، فإنّ واقع سجون البحرين يظهر عكس ذلك تمامًا إذ يشتكي سجناء سجن جو من الإكتظاظ داخل الزنازين وتتعمد إدارة السجن وضع عدد كبير من السجناء في زنزانة واحدة لا تتسع لهم ففي المباني 12 و 13 و14 من سجن جو يوجد أكثر من 700 سجين علماً أن وباء كورونا يتفشى بين السجناء حتى اليوم وسط فشل السلطات في اتخاذ إجراءات احترازية

ثانياً: اقترن قانون العقوبات البديلة بحسب ما تقدّم بالأشخاص الذين ارتكبوا جرائم جنائية، فبأي حقّ تسري شروط قانون العقوبات البديلة على عدد من السجناء السياسيين وسجناء الرأي الذين اعتقلوا فقط لمجرد التعبير عن رأيهم أمثال المدافع البارز عن حقوق الإنسان نبيل رجب الذي أفرجت عنه السلطات في 9 يونيو 2020 بموجب عقوبات بديلة بعد قضاء أربعة أعوام بتهمة إنتقاد الحكومة البحرينية على مواقع التواصل الإجتماعي وعبر المقابلات التلفزيونية، وآخرين كُثر أمثاله

ثالثاً: إنّ قانون العقوبات البديلة في البحرين لا يسمح لمحامي الدفاع عن السجين تحديد العقوبة البديلة التي يستحقها السجين بحسب تهمته وبالتالي فإنها محصورة فقط بالإدارة العامة للإصلاح والتأهيل والقاضي وهذا ما ينتهك معايير المحاكمة العادلة

رابعاً: لا تنطبق شروط قانون العقوبات البديلة على السجناء المحكومين بالمؤبد أو السجناء الذين لم يقضوا نصف مدة حكمهم طويلة الأمد وبالتالي لن يشمل قرار الإفراج جميع السجناء السياسيين لاسيما الكبار في السن المحكومين بالمؤبد والذين يشكل انتشار وباء كورونا خطراً على حياتهم لذا يجب أن يطلق سراحهم دون قيد أو شرط

دعوة للإفراج عن السجناء السياسيين دون قيد أو شرط

إن حرية الرأي والتعبير هو حق ترعاه المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، لذا فإن تطبيق قانون العقوبات البديلة بحق السجناء السياسيين وسجناء الرأي هو انتهاك لحقهم، ورغم تكرار المطالبات الدولية سواء عبر الإتحاد الأوروبي ومكتب المفوضية السامية للأمم المتحدة، ومكاتب الإجراءات الخاصة في الأمم المتحدة، بالإفراج عن السجناء السياسيين ومعتقلي الرأي فوراً دون قيد أو شرط، لم يغير ذلك من أسلوب السلطات البحرينية التي لا زالت تمارس التضييق إما بإبقائهم في السجون أو بإطلاق سراحهم مع فرض قيود صارمة عليهم. لذا تطالب منظمة ” أميركيون من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان في البحرين” بالإفراج الفوري عن جميع السجناء السياسيين ومعتقلي الرأي دون قيد أو شرط، والكف عن إيجاد مخرج للعجز عن اتخاذ التدابير الصحية داخل السجن.