كاتب عربي يوضح لماذا يجب مساندة ايران في معركة الاتفاق النووي

كاتب عربي يوضح لماذا يجب مساندة ايران في معركة الاتفاق النووي
الخميس ٢٢ أبريل ٢٠٢١ - ٠١:٠٦ بتوقيت غرينتش

في موقفها الداعي إلى العودة الأمريكية إلى الاتفاق النووي، دون شروط مسبقة، تستحق الجمهورية الإسلامية الإيرانية الدعم والمساندة من الشعب العربي، ومن جميع أحرار العالم ومناصري العدالة في كل بقعةٍ من الكرة الأرضية، فالمعركة ليست إيرانية أمريكية فحسب، إنها معركة بين الدول الفقيرة والمستضعفة في جهة، وقوى الغطرسة والهيمنة والاستكبار العالمي والاستعمار الجديد في جهة أخرى.

العالم - ايران

شخصيا، كمغربي عربي، أساند الجمهورية الإسلامية الإيرانية في موقفها، ليس لأنها دولة إسلامية تجمعنا وإياها، نحن العرب، روابط الجيرة والمشتركات الروحية والدينية والثقافية، والتاريخ المتداخل، حيث امتزج العرق العربي بنظيره الفارسي، وأنتج لنا حضارة عربية إسلامية أعطت للعالم مفكرين عظاما أغنوا بإنتاجهم العلمي المكتبة الإنسانية، مفكرون من طراز الفارابي، وابن سيناء، والجاحظ وغيرهم كثير، ولا أساند الجمهورية الإسلامية لأن أول قرار اتخذته هو طرد السفير الصهيوني من طهران وتسليم مقرَّ إقامته لمنظمة التحرير الفلسطينية، بعد نجاح ثورتها وإسقاط نظام الشاه الذي ظل في فترة حكمه دركي المنطقة وأداة بأيدي الأمريكان والصهاينة يحاربون بواسطته الأمة العربية من جهتها الشرقية..

ولا أساند إيران لأنها وقفت إلى جانب الدولتين العربيتين، العراقية والسورية، وحالت دون تفتيتهما عن طريق المليشيات التكفيرية الداعشية التي كانت ممولة من بعض الدول الخليجية وتحظى بالرعاية الأمريكية والأوروبية والصهيونية.. ولا أساندها لأنها تقف إلى جانب المقاومة في فلسطين ولبنان وتمدها بالمال والسلاح والخبرة، وساعدتها على تحقيق انتصارات باهرة على الكيان الصهيوني إلى أن باتت قوة تُلجِمُ تصرفاته العدوانية وتصدُّها باقتدار محكم وكفاءة عالية، ولا أساندها على دعمها للشعب اليمني ورفضها للحرب الظالمة المشنونة عليه من طرف تحالف دولي بقيادة السعودية، تحالفٌ دمّر كل مؤسسات اليمن وخربها، ويفرض حصارا خانقا على هذا الشعب الفقير والمعدم حيث يحرمه من الغذاء والدواء، إلى أن انتشرت المجاعة والأوبئة في ربوعه، في جريمة ضد الإنسانية لا غبار عليها..

أنا أساند الجمهورية الإسلامية الإيرانية في موقفها التفاوضي في فيينا، ببساطة شديدة، لأنها على حق في مطلبها، إنها تدعو الولايات المتحدة الأمريكية إلى العودة إلى الاتفاقٍ الذي تمَّ التوقيع عليه معها سنة 2015 من طرف الإدارة الأمريكية في عهد باراك أوباما، فنحن أمام توقيع أمريكي إيراني جرى بحضور وشهادة دول عظمى أخرى، وكان مزكّىً ومباركا من طرفها، ثم جاء دونالد ترامب وضرب بالاتفاق النووي الموقع عليه عرض الحائط، وفرض عقوبات نازية على الشعب الإيراني. أليس هذا التصرف بلطجة أمريكية مكشوفة؟ هل يجوز لنا القبول بهذه البلطجة؟ إذا قبلنا بها ألا نشجع أمريكا على الإمعان فيها، وقد نكون نحن ضحاياها استقبالا؟

الاتفاقيات الدولية تُوقّعُ لكي يقع احترامها والالتزام بكامل بنودها، إذا أصبح كل من يوقع اتفاقا دوليا يتخلى عنه في اللحظة التي تروقه، ستفقد الاتفاقيات قيمتها، وستصبح العلاقات الدولية لا ثقة ولا أمان فيها، وستعمُّ الفوضى بين الدول، وستصبح لغة القوة وتجاوز القانون هي السائدة.

لنفترض أن الجمهورية الإسلامية هي التي تخلت من تلقاء نفسها عن الاتفاق النووي وقررت فجأة اعتباره لاغٍ كما فعلت الإدارة الأمريكية، ألم يكن قادة الناتو سيجتمعون فورا، ويعطون الأوامر لحشد الأساطيل والبوارج الحربية، وإعداد الطائرات القاذفة، والجيوش لكي تتجه صوب الشواطئ الإيرانية لفرض العودة القسرية للاتفاق على إيران؟

دعونا من الخرافة التي يرددها بعض الإعلام الخليجي للاصطفاف إلى جانب الطرح الأمريكي والتي تزعم أن إيران تقوم بتشييع السنة في الدول العربية لتفرض بواسطتهم هيمنتها على باقي تلكم الدول، ففي غياب الأدلة والحجج الموثقة والمقنعة يظل هذا القول ادعاءً فارغا لا يصدقه صاحب عقل سليم، فليس هنالك قوة مهما كانت قدرتها خارقة ستنجح في تغيير قناعة طائفة مجتمعية معينة وتبديلها من أساسها، فالسنة سيظلون سنة والشيعة سيبقون كذلك شيعة، كما كانوا طوال ما يفوق 14 قرنا..

لكن المثير هو أن العديد من الأنظمة العربية التي تتظاهر بالتخوف من تشيُّع مواطنيها على أيدي الإيرانيين، تبادر حاليا للتطبيع مع الكيان الصهيوني، وهو يمثل دولة يهودية خالصة، فلماذا يتبادلون الزيارات والمحبة والتودد مع اليهود، ولا يخافون من تهويد مواطنيهم من طرف الدولة العبرية؟ وهل بات اليهود أقرب لبعض الحكام العرب من الشيعة المسلمين الذين يصلون ويصومون ويحجون ويزكون ويشهدون بأن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله؟؟

الحقيقة التي يريدون التعتيم عليها هي أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية باتت قوة عسكرية وعلمية جبارة في المنطقة، وهي تحاصر حاليا الدولة الصهيونية وتشكل لها كابوسا مزعجا. أمريكا وأوروبا ومعهم الكيان الصهيوني لا يريدون أن تكون في منطقة الشرق الأوسط دولة ذات قوة عسكرية وعلمية وإدارية غير الدولة العبرية لكي تظل تعيث فيها فسادا، كل دولة امتلكت معالم القوة وبدأت تتوق لكي تصبح ندّا منافسا لإسرائيل يتمُّ التآمر عليها لحصارها وتدميرها، وفي هذا السياق تندرج محاولة التحلل الأمريكي من الالتزام بالاتفاق النووي والعودة لفرض العقوبات القاسية على إيران.

من كل ما سلف نخلص إلى القول: إن انتصار الدولة الإيرانية في معركة الاتفاق النووي، فضلا عن كونه انتصارا للحقِّ، ولسيادة الالتزام بالاتفاقيات الدولية الموقعة، فهو انتصارٌ كذلك لدول المنطقة المحيطة بإسرائيل، لأنه سيُؤمِّنُ لها الحق في امتلاك مقومات القوة والعلم، ويضمن لها الحق في التنمية والتطور، رغما عن إرادة الكيان الصهيوني، كما أنه انتصار لكافة الدول المستضعفة في جميع أنحاء العالم، لأنه يُبيح لها حقها في الحصول على الطاقة النووية، وتوظيفها في الأغراض التنموية السلمية..

مساندة إيران في دعوتها الإدارة الأمريكية للعودة إلى الاتفاق النووي، ليس موقفا تستلزمه القيم الأخلاقية التي تقتضي نصرة المظلوم والمعتدى عليه، ولا يستلزمه مبدأ الحضِّ على التمسك بالقوانين المرعية والاتفاقات المبرمة، بل إن في مساندة إيران، مصلحة وطنية، لجميع دول العالم الثالث المتطلعة إلى التحرر من السيطرة الغربية عموما، والأمريكية/ الصهيونية خصوصا..

عبدالسلام بنعيسي - راي اليوم