ماذا تريد السعودية من دمشق؟

ماذا تريد السعودية من دمشق؟
الثلاثاء ١١ مايو ٢٠٢١ - ٠٧:٤٧ بتوقيت غرينتش

في ظل خيباتها المتتالية من الحليف الأميركي، لا تجد السعودية بدّاً من إعادة تشكيل سياساتها في المنطقة، خصوصاً تجاه إيران وحلفائها في محور المقاومة. في هذا الإطار تحديدا، تأتي محاولاتها إعادة تصويب العلاقات مع سوريا، والتي أنبأت بها زيارة وفد سعودي إلى دمشق حاملاً معه عرضاً بالمساهمة في إعادة الإعمار.

العالم - السعودية

لكن المفارقة أن تلك المحاولات لا تزال تنطلق من تصورات ورهانات خاطئة، فحواها أن الدولة السورية، التي تشتد حاجتها إلى روافد مالية في ظل الحصار عليها، ستكون مضطرة إلى دفع ثمن على صعيد علاقاتها مع طهران، خصوصا وأن موسكو تتقاطع مع التحالف السعودي - الإماراتي، في بعض من مفاصل جهود "إرساء الاستقرار" كما يسميه الروس.

مرت العلاقات بين سوريا والسعودية بالعديد من المنعطفات، منذ عام 2011. في بداية الأحداث، جرت اتصالات بينية عديدة، حاولت فيها الرياض دفْع دمشق إلى إحداث تحولات جذرية في سياستها، لكنها لم تفلح في ذلك، ليبدأ زمن القطيعة في آذار/ مارس 2012، عندما أغلقت المملكة سفارتها في سوريا، وشرعت في دعم المعارضة المسلحة سياسيا وماديا وعسكريا، بما نشأ عنه «الائتلاف الوطني السوري»، في عام 2012.

لكن الضلوع السعودي «الميداني» في الملف السوري، والذي برز واضحا في دعم فصائل ريف دمشق، وخصوصا «جيش الإسلام»، شهد تراجعا مع رحيل وزير الخارجية السعودي الأسبق، الأمير سعود الفيصل، منتصف عام 2015، ثم مقتل زهران علوش، رجل السعودية الأول في الفصائل المسلحة، وهو قائد ما يسمى «جيش الإسلام»، بغارة روسية نهاية العام نفسه.

مع ذلك، استمرت الجهود السعودية لدعم المعارضة سياسيا، وشهدت تصاعدا عندما دفعت الرياض في اتجاه عقد اجتماع «الرياض 1»، الذي انبثقت عنه «الهيئة العليا للمفاوضات»، ومهمتها التفاوض مع النظام في دمشق.

وفي نهاية عام 2017، دعت وزارة الخارجية السعودية إلى اجتماع «الرياض 2». على أنه في مطلع العام الحالي، سجلت انعطافة في الجهود السعودية تجاه الملف السوري، عندما علقت المملكة عمل موظفي «هيئة التفاوض» التي تتخذ من الرياض مقرا لها منذ تأسيسها عام 2015، بعد تفاقم الخلافات داخلها. وفي الأشهر الأخيرة، برز تحول لافت في مواقف بعض الدول العربية من سوريا، حيث أعاد الإماراتيون فتح سفارة بلادهم في دمشق في عام 2018، فيما ظهرت مؤشرات عديدة إلى رغبة عربية في عودة سوريا إلى «جامعة الدول العربية».

لكن السعوديين ظلوا، إلى فترة قريبة، أكثر حذرا في العلاقة مع دمشق، مقارنة مع الإمارات والعراق ومصر. حذر بدا في الأيام الماضية وكأن المسؤولين في الرياض بدأوا بالتخلي عنه، وخصوصا مع بروز أنباء عن زيارة وفد سعودي إلى دمشق.

وعلى رغم أن المملكة وصفت تلك الأنباء بأنها غير دقيقة، إلا أنها لم تنفها بالمطلق، وهذا مرده، بحسب معلومات «الأخبار»، إلى أن من زار سوريا ليس رئيس المخابرات السعودية، خالد الحميدان، كما ذكرت صحيفة «ذا غارديان» البريطانية، بل مسؤول آخر، التقى مسؤولين سوريين في الثالث من الشهر الجاري، في أول اجتماع معروف من نوعه منذ نحو عقد.

وكانت «ذا غارديان» قد نقلت عن مسؤول سعودي، طلب عدم كشف هويته، أن «تطبيع العلاقات بين الجانبين من المحتمل أن يبدأ بعد وقت قصير من عيد الفطر»، وأن «هذا الأمر مخطط له منذ فترة، ولكن لم يحدث تقدم في ما مضى، إلا أن الظروف تغيرت الآن».

وجاءت زيارة الوفد السعودي إلى دمشق بعد أيام قليلة من تصريحات تلفزيونية لولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، أشار فيها إلى أن بلاده «ترغب في إقامة علاقات طيبة ومميزة مع إيران». كما أتت الزيارة بعد لقاءات جرت بين مسؤولين أمنيين سعوديين وإيرانيين في بغداد، بوساطة من رئيس وزراء العراق، مصطفى الكاظمي.

عرضت الرياض المساهمة في تمويل إعادة الإعمار عبر رجال أعمال سوريين مرتبطين بالمملكة

ثمة عوامل كثيرة تدفع في اتجاه التحول السعودي المطرد في مقاربة المسألة السورية. وهي عوامل مرتبطة بخيبات متكررة عايشتها المملكة من السياسات الأميركية في المنطقة، وخصوصا بعد انتخاب الرئيس الجديد جو بايدن، وقيادته واشنطن نحو تخفيف أعبائها في الشرق الأوسط، لمصلحة رفع جهودها في مواجهة الصين.

وتنطلق دول مجلس التعاون، وخصوصا السعودية والإمارات، في تعاملها مع سوريا، من اعتقاد بأن الأخيرة تعاني «ضعفا استثنائيا»، بسبب تكاليف الحرب الطاحنة التي امتدت على عشر سنوات، إذ قدرت فاتورة إعادة إعمار البلاد في عام 2019 بـ 200 إلى 400 مليار دولار، وهو ما سيضطر دمشق إلى التعاون مع الأطراف العربية، بحسب تلك النظرة.

وفي تقدير العواصم الخليجية، فإن ثمن أي انفتاح على «العرب»، هو بالضرورة حد في العلاقات مع إيران، وإعادة تشكيل لها. لكن هذا الاعتقاد يصطدم بحقيقة أن الرئيس بشار الأسد ليس في وارد تحجيم علاقات بلاده مع إيران، التي وثق تحالفه معها طوال سنوات الحرب، على رغم العديد من ممارسات الترغيب والترهيب التي تعرض لها.

مع ذلك، وبما أن قلة من البلدان تبدي استعدادها لتقديم المال إلى سوريا المحاصرة، والتي تتوق إلى تأمين تمويل لعملية إعادة الإعمار، يعتقد التحالف السعودي ــــ الإماراتي أن الأسد سيكون مضطرا إلى «موازنة» علاقاته مع إيران من جهة، ودول مجلس التعاون من جهة أخرى.

وفي الإطار المتقدم، علمت «الأخبار»، من مصادر سورية مطلعة، أن الرياض «عرضت مبدئيا المساهمة في تمويل إعادة الإعمار، عبر رجال أعمال وأصحاب رؤوس أموال سوريين، تربطهم علاقات طيبة وتاريخية بالمملكة، وبعضهم مقيم فيها». إلا أن العرض السعودي ليس من المعلوم ما إذا كان باستطاعته تجاوز «حائط» الحصار الأميركي على سوريا، إذ بوجود قانون «قيصر»، وتمديد العمل بـ»سياسة الطوارئ» الأميركية، لا يمكن للدول العربية أن تنخرط في عملية إعادة الإعمار، من دون الوقوع في شرك العقوبات الأميركية والغربية.

ولا يغيب العامل الروسي عن المشهد المتشكل حالا، إذ يعتقد «العرب» المتوجهون إلى دمشق أنه إذا ما قرر الأسد إعادة تشكيل علاقات بلاده مع إيران، فهو يستطيع التعويل على دعم من روسيا، التي بسطت نفوذا واسعا في القطاعين العسكري والأمني في سوريا.

وتبدو موسكو، من جهتها، أكثر حرصا على ما تسميه «إرساء الاستقرار» في البلاد، في إطار «توافق عربي»، وهي أدت دورا أساسيا في سياق محاولة تغيير المواقف العربية من دمشق (جولة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الخليجية في آذار/ مارس الفائت).

رؤية يعتقد التحالف الخليجي أن باستطاعته الاستفادة منها لإقامة علاقات عربية ــــ سورية مستقرة، الى جانب علاقات إيرانية ــــ سورية محدودة، بما يوفر سبيلا إلى الحد من نفوذ طهران في سوريا والمنطقة، وتمتين جبهة عربية تكون من ضمنها سوريا، لمواجهة التحالف القطري ــــ التركي.

لكن في المقابل، يعتقد العديد من المراقبون أن ذلك الرهان ما هو إلا نوع من «الوهم»، إذ لن يقبل الأسد بالشروط السعودية، ولن يتنازل عن علاقاته مع طهران، وهذا ما بدا واضحا أيضا في وسائل الإعلام العربية، وخصوصا تلك القطرية، التي هاجمت المبادرة السعودية، وقبلها الإماراتية، واعتبرت أن التحول الخليجي تجاه سوريا، ليس سوى «إضعاف لجبهة الرفض العربي للأسد».

المصدر: جريدة الأخبار