ما هي الأسباب السبعة التي تقف خلف التحول المصري تجاه حماس؟

ما هي الأسباب السبعة التي تقف خلف التحول المصري تجاه حماس؟
الأربعاء ٠٢ يونيو ٢٠٢١ - ٠٣:٠٢ بتوقيت غرينتش

الحرب الأخيرة على غزة حققت إنجازات كبيرة للجانب الفلسطيني تحديدا سياسيا وعسكريا، وألحقت خسائر كبيرة غير مسبوقة بدولة الاحتلال الاسرائيلي، ودمرت جزء كبير من هيبتها، لكن الإنجاز الجديد والأبرز في رأينا، هو عودة مصر كقوة إقليمية كبرى في إدارة الصراع في منطقة الشرق الأوسط، واستعادتها لدورها القيادي والريادي بعد غياب استمر لعقود، سواء بسبب حالة الشلل التي عاشتها في عهد الرئيس السابق حسني مبارك، أو انكفائها داخليا نتيجة لمتغيرات مرحلة الربيع العربي وإفرازاتها سواء في العمق المصري، أو في المنطقة، ودول الجوار على وجه الخصوص.

العالم- مصر

من كان يتصور حدوث هذا الانقلاب في العلاقات المصرية مع حركة “حماس” التي تدير قطاع غزة، والصور الضخمة للرئيس عبد الفتاح السيسي، ومئات الأعلام المصرية والفلسطينية المتعانقة التي زينت الشوارع والميادين، ووقوف الآلاف على جانبي الطريق ترحيبا باللواء عباس كامل رئيس جهاز المخابرات المصرية والوفد المرافق له أثناء وصوله اليوم إلى القطاع للقاء قيادته في إطار تحركاته الدؤوبة لتثبيت اتفاق الهدنة، وإطالة مدته، وإعادة إعمار القطاع؟

مصر تعيد الآن في اعتقادنا جميع حساباتها، وترسم خريطة جديدة لتحالفاتها العربية والدولية على أرضية نتائج حرب غزة الأخيرة، والعودة القوية للقضية الفلسطينية عربيا ودوليا، فغزة “أجبرت” الولايات المتحدة وإداراتها الديمقراطية، للعودة للاعتراف بدور مصر الإقليمي، ودفعت الرئيس جو بايدن للاتصال مرتين بالرئيس السيسي، وجعلها، “أي مصر” المحطة الرئيسية في جولة وزير خارجيته أنطونيو بلينكن الشرق أوسطية التي تهدف إلى إنقاذ "إسرائيل"، ووقف هطول الصواريخ كالمطر على مستوطناتها والمدن الفلسطينية المحتلة، وهذا الاعتراف الأمريكي المدعوم أوروبيا، سيكون ورقة قوية لمساندة مصر في تعاطيها مع أزمة سد النهضة سلما أو حربا.

هناك سبعة عوامل أساسية لا يمكن تجاهلها، كانت وراء هذا التحول الكبير في الموقف المصري، وعودة القيادة المصرية بشكل حثيث لاستعادة دورها الريادي وبهذه القوة:

أولا: صلابة الجبهة الداخلية المصرية، وتحقيق إنجازات كبيرة اقتصادية وسياسية وأمنية في السنوات الأخيرة أبرزها تأمين الجبهة الداخلية بالقضاء على معظم التهديدات الإرهابية، وقطع أشواط كبيرة على طريق التنمية الاقتصادية والاستقرار الأمني الداعم لها.

ثانيا: نجاح المؤسسة العسكرية في تأمين مصدري الخطر الرئيسيين اللذين يهددان الدولة المصرية، ونحن نتحدث هنا عن جبهة سيناء، والجبهة الغربية الليبية.

ثالثا: صعود أهمية وفاعلية محور المقاومة بقيادة إيران، وتحقيق أذرعته العسكرية العليا ضد الخصوم، وخاصة في اليمن وتراجع دور المحور التركي القطري المدعوم بالإسلام السياسي السني في المقابل، الأمر الذي أوجد فراغا لتيار ثالث وسطي أغرى مصر بالتحرك لملئه.

رابعا: خيبة أمل مصر من بعض تحالفاتها الخليجية، وبالتحديد من السعودية والإمارات والبحرين، وذهاب هذا المثلث نحو "إسرائيل"، وتغوله في التطبيع معها، وتجاوز الاعتبارات المصرية الاستراتيجية، والأخطر من ذلك وقوف هذا الثلاثي على الحياد في أزمة سد النهضة الوجودية، وتحول أعضائه إلى وسطاء بدلا أن يردوا الجميل لمصر بدعمها.

خامسا: الإدارة البارعة والحازمة للقيادة المصرية للأزمة في ليبيا فنائها الغربي، والتصدي للأطماع التوسعية التركية وإعلان سرت خطا أحمر، وقراءتها الصحيحة للحرب في اليمن، من حيث النأي بنفسها عن أي تدخل عسكري رغم الضغوط والمغريات المالية الضخمة.

سادسا: الانتصار الكبير الذي حققه الجيش العربي السوري واستعادته لحوالي ثمانين في المئة من الأراضي السورية، وانهيار المعارضة المسلحة، وانكماش الدور الإقليمي التركي، وتراجعه عن سياساته الداعمة للمعارضة الإسلامية المصرية أيضا، وحدوث انقلاب في الموقف القطري المعادي عنوانه الأبرز المصالحة، وتغيير سياسة محطة “الجزيرة” ذراع قطر الإعلامي الضارب، والاعتراف بالشرعية الانتخابية للرئيس السيسي.

سابعا: عودة القيادة المصرية بشكل متسارع للإرث العربي الناصري بشكل ملحوظ، وتعزيز دور الازهر كمؤسسة إسلامية “غير طائفية”، وجعل الصراع العربي الإسرائيلي هو البوصلة، بعد انتصار المقاومة الفلسطينية في انتفاضة القدس الصاروخية وهناك مؤشرات عديدة تؤكد هذه التوجهات.

الدولة المصرية تبنت في السنوات الثماني الماضية خريطة طريق واضحة المعالم والمراحل، نجحت في تطبيقها والوصول إلى هدف الاستقرار أو معظمه بالتالي، ولا نستبعد أن تكون المصالحة الوطنية، وتحسين ملف حقوق الإنسان، وتبييض السجون في إطار مشروع مدروس للعفو العام يشكل الحلقة الأخيرة في هذا المخطط، أو هكذا نأمل، لأن احتمالات الحرب التي تزايدت بعد فشل الحلول السلمية لأزمة سد النهضة تفرض تعزيز الوحدة الوطنية المصرية وبأسرع وقت ممكن.

المقاومة الفلسطينية التي انتصرت في الحرب الأخيرة على الغطرسة الإسرائيلية، واستجابت برجولة وشجاعة لاستغاثات المرابطين في القدس ستكون حتما الذراع الضارب لمصر في أي معركة قادمة للحفاظ على الحقوق المائية السودانية والمصرية، فالشعب الفلسطيني لن يكون ناكرا لجميل مصر وخوضها أربع حروب، وتقديم آلاف الشهداء لنصرة قضيته، خاصة أن القيادة الفلسطينية الحالية في غزة، وكل فلسطين، مصرية الهوى.

ختاما نقول إن أي عودة مصرية للقيادة يحتاج أيضا إلى نهضة ثقافية وإعلامية وعلمية وفنية انفتاحية موازية في المحيطين العربي والإقليمي، وإلا فإن هذه العودة ستكون ناقصة، فالتراجع المصري في هذه المجالات لا يليق بالإرث المصري الحضاري والتاريخي.

*راي اليوم