لماذا لم تدفن آلاء الصديق في الإمارات؟

لماذا لم تدفن آلاء الصديق في الإمارات؟
الخميس ٠١ يوليو ٢٠٢١ - ١٠:٣٨ بتوقيت غرينتش

رفض النظام الإماراتي دفن الناشطة الحقوقية “آلاء الصديق” في مسقط رأسها خشية أن يصبح قبرها مزارا يذكر بانتهاكات أبوظبي وقمعها الشديد لحقوق الإنسان.

العالم - الإمارات

وقال مركز الإمارات للدراسات والإعلام “ايماسك” إن الصديق دُفنت في أرض غير وطنها، لكن اقترب جسدها إلى أقرب نقطة ممكنة قرب بلدها بعد تشييع جثمانها في قطر.

وأبرز المركز أن السلطات الرسمية في الإمارات رفضت كل المحاولات والمناشدات المحلية والدولية بدفن جسدها في الأراضي الإماراتية، حيث أقاربها وأهلها وأصدقائها، لكنها رفضت كل تلك المناشدات الإنسانية.

وقال “نحن بلد يحفظ للموتى حرمتهم، ويعفو الإماراتيون عن الموتى حتى لو كانت خلافاتهم معه أوصلت لقطيعة استمرت عقوداً، ويلتقي الجميع في الأتراح قبل الأفراح مهما اختلفت العادات وتعاظمت الخلافات، هذه هي الإمارات التي نعرفها وتربى الجميع فيها”.

وأضاف “دُفنت آلاء في الدوحة بعيدة عن وطنها، بحضور جمع كبير من القطريين وخليجيين وعرب من صحفيين وباحثين وطلاب”.

وتابع “لقد دفنت بعيدة عن وطنها وعن والدها محمد عبدالرزاق الصديق، معتقل الرأي منذ تسع سنوات وبذلت آلاء منذ اعتقاله في 2012 كل جهودها للدفاع عنه ورفاقه، ورفضت السلطات السماح له بإلقاء نظرة الوداع على ابنته”.

وبحسب المركز لم يتوقع الإماراتيون ومعظم من عرف “آلاء الصديق” ودفاعها عن وطنها وحرية الإنسان، أن ترفض الأجهزة الأمنية دفن جثمانها في “مسقط رأسها”.

وأكد أنه “لا يوجد مبرر واحد يمنع سلطة مهما كانت غارقة في الاستبداد أن تمنع عودة جثمان مدافع عن حقوق الإنسان في أي بلد، إنه ردٌ قاس ومؤلم يصيب الإماراتيين بالذهول مما يمكن لهذا السلطة أن تفعله تجاه مواطنيها رغم كل شعارات التسامح وبلد الليبرالية”.

وشدد على أنه لا مبرر لهذه الفجاجة في الخصومة مع أبناء الوطن، ولا مبرر معقول يمكن تقديمه لمعرفة أسباب هذا السلوك الذي يظهر الإمارات ضعيفة وخائفة وترتجف وتعتبر جثة ناشطة حقوقية خطراً على الأمن القومي للدولة.

فما الذي فكرت به الإمارات عندما رفضت مناشدات دفن آلاء في مسقط رأسها؟!

تفاجأت السلطات والأجهزة الأمنية الإماراتية بحجم الفاجعة والألم الذي أظهره الإماراتيون على وفاة “آلاء الصديق”، وحجم تأثير شابه في عمر (33 عاماً) على المواطنين، وبحجم التعازي والنعي الذي لاقته.

لقد تفاجأت أن كل حملات التشويه ضدها، حتى بعد إعلان وفاتها لم يكن له قيمة، أمام جلالة الموت، وقدسية الرسالة التي حملتها “آلاء” طوال حياتها ألا وهي “الكرامة الإنسانية” كرامة الإماراتيين وعلى رأسها حقهم في الحرية والمواطنة المتساوية.

كما تفاجأت لأن المئات، والآلاف في شبكات التواصل، وأحاديث المجالس والمؤسسات الحكومية والخاصة كانت عن وفاة الباحثة الإماراتية الشجاعة التي برزت خلال السنوات الماضية للدفاع عنهم، على الرغم من أن قوانين القمع والتجريم التي تستهدف المتضامنين مع المعتقلين وعائلاتهم حيث يصل السجن لأكثر من عشر سنوات.

شعرت السلطات الإماراتية أن “آلاء الصديق” أصبحت رمزاً وطنياً، وحديث المجتمع الإماراتي، ودول المنطقة في الخليج الفارسي والوطن العربي، منذ الساعات الأولى لوفاتها وطوال الأسبوع اللاحق لهذه الوفاة المفجعة. فخشت في ذلك أمرين: تشييعها، وقبرها.

تخشى السلطات التي تقمع شعبها جنازات معارضيها أكثر من معارضتهم خارج الحدود، إذ أن خروج الناس للتشييع يعتبر استفتاءً شعبياً حول تأييد المجتمع لها، وهو استفتاء يجمع الناس حول “شهيد الحرية”، يمكن رؤيته بالعين المجردة وليس مفرقاً على هيئة تغريدات على شبكات التواصل الاجتماعي.

كما يمكن أن يشكل موكب تشييعها تظاهرة تطالب بحقوق الشعب ومجتمعه، وفي رمز وطني مثل “آلاء الصديق” ستضع السلطات في حرج كبير داخلياً وخارجياً.

إذ أن النظام الإماراتي يزعم أن الشعب يوافق سياسته القمعية وتدخلاتها الخارجية، وأن “للإماراتيين صوت عالٍ يدين القمع والترهيب”، ويحرك الفواعل الاجتماعية الداخلية لاستئناف الضغط على السلطات لاستجابة لأصوات الناس.

كما يخشى تحول شاهد قبر آلاء الصديق في الإمارات إلى مزار المواطنين والمقيمين والزائرين باعتبارها “شهيدة الحرية” التي ماتت في المنفى لمطالبتها بالحرية والكرامة لوطنها وسكان المنطقة.

ويرعب النظام الإماراتي صناعة المجتمع لرموزه الوطنية، حيث تحتكر السلطات صناعة الرموز الوطنية في محاولة للاستئثار بتوجيه المجتمع عبرهم.

لكن المجتمعات لم تعد تعتمد على التوجيه من أعلى إلى أسفل بل باتت توجه نفسها بنفسها في عصر المعلومات المفتوحة، وكانت آلاء الصديق ملهمة جيدة الحوار وسرعة البديهة والفطنة منطلقة من قوة الحجة وعدالة القضية التي حملتها.

وهذه الخشية غير المبررة، تجاهلت عظم الاحترام الذي كانت سيحظى به الحُكام والشيوخ بالسماح لجسد “آلاء الصديق” أن يستريح في الإمارات وتعود عائلتها معها ويتراجع فيه عن القرار السياسي بسحب جنسياتهم، والإفراج عن والدها.

تجاهلت السلطات الإماراتية أن اللفتة الإنسانية -على الرغم من أنها في صميم مسؤولياتها تجاه المواطنين- احترام للكرامة المجتمعية وتعزز إيجابية السلطة في محيط من السلبية تجاه المجتمع.

إن السلوك الإماراتي المشين بمنع دفن “آلاء الصديق” يتعارض مع مسؤولية الدولة تجاه مواطنيها -فهي إماراتية حتى لو تسبب قرار سياسي وعقاب جماعي في سحب جنسيتها خارج القانون والدستور.

كما يتنافى مع “عادات الإماراتيين وقيّمهم”، ويضيف مسماراً في نعش علاقة “الدولة” بالمواطنين، ويهدم كل شعارات “التسامح” و”السعادة” التي تطلقها السلطات في معظم مهرجاناتها وفعاليتها وتقاريرها المحلية والدولية.

كما أن هذا السلوك لن ينجح في ردع الإماراتيين في إبقاء “آلاء الصديق” رمزاً وطنياً، بل أعطت المواطنين دافعاً أخر للتمسك برمز وطني دافع حقوقهم وحمل همومهم وقضاياهم الوطنية فسحبت جنسيتها وتم مطاردتها ومنع حتى جسدها من العودة إلى مسقط رأسها.

وشدد مركز الدراسات على أن “القضايا العادلة لا تموت” ومناصروها لا يتوفون بل يظلون خالدين في الوعي الجمعي للمجتمع وفي صحائف الدولة البيضاء.

لذلك لم تتوف “آلاء الصديق” بل توفي “الواجب، والتسامح، والأخلاق، والقيّم” لدى السلطات الإماراتية وأثبتت أنها تمضي بعيداً خارج الاعتبارات القانونية والاجتماعية والإنسانية الإماراتية، خارج إرث الآباء والأجداد، أنها سلطات منفصلة عن الواقع.

المصدر: إمارات ليكس