أزمة صامتة بين السعودية والإمارات.. وحسابات الربح والمصالح

أزمة صامتة بين السعودية والإمارات.. وحسابات الربح والمصالح
الإثنين ٠٥ يوليو ٢٠٢١ - ٠٢:٣٤ بتوقيت غرينتش

بوادر أزمة حادة بين السعودية والإمارات تلوح في الأفق، تترسخ واقعياً، تستند على تباين وجهات النظر حول عدد من القضايا، تبدأ من النفط، وتمر عبر اليمن، ويقع ضمنها التقارب السعودي القطري، مثلما تؤكد مصادر عدة، عبرت صراحة عن وجود شرخ يمتد بين الرياض وأبوظبي.

العالم- السعودية

وبحسب موقع ”القدس العربي” تنطلق التحليلات والدراسات والتقارير الأخيرة من وجود عدد من المؤشرات عززت من هذا التباين بين الدولتين، مع تصاعد حدة التصريحات الرسمية بين العاصمتين، التي تشير إلى هذا الخلاف.

وينطلق المتابعون للشأن الخليجي من عديد التحولات التي كرست هذه الاستنتاجات التي تتجسد ميدانياً، مع توالي عدد من القرارات الأخيرة، التي أبرزت الشقاق بين الرياض وأبوظبي.

ومن أبرز التحولات الأخيرة التي توقف عندها المراقبون استضافة قناة العربية السعودية خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في الخارج، الذي أعلن صراحة أن مشروع حركة حماس هو للمقاومة والتحرير وليس لشن الحروب. وأضاف عبارة أبرزتها العربية، وما كانت لتظهر أو حتى تذاع المقابلة في ظروف سابقة بإعلانه عبر منبر سعودي: “كنا ولا نزال ننتمي فكرياً إلى الإخوان المسلمين”. مجرد إبراز العبارة والحديث عن الإخوان يعتبر رسالة واضحة لأبوظبي التي لها حساسية مفرطة تجاه الحركة، وهو أمر لا تخفيه.

وكشفت صحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية في أحدث تحليل نشرته، أن أبوظبي تشعر بالقلق من سرعة المصالحة السعودية مع قطر، وإنهاء الحصار، والحظر التجاري والسفر الذي فرض على الدوحة منتصف 2017.

وقالت كارين يونغ، الزميلة الأولى في معهد الشرق الأوسط، إن “المنافسة المتزايدة داخل الدول الخليجية مرتبطة بعدد من قضايا السياسة الاقتصادية”.

وأضافت بحسب ما ورد في تقرير الصحيفة أنه من الواضح أن المملكة العربية السعودية قد زادت الضغط، (إشارة إلى خلافات حول إنتاج النفط)، في حين أن الإمارات العربية المتحدة تضغط لتأمين أهدافها الربحية في هذا السوق الضيق.

ومؤخراً طالب عبد العزيز بن سلمان وزير الطاقة السعودي، بـ”قليل من التنازل والعقلانية” لجعل ثالث اجتماع لمجموعة منتجي النفط “أوبك+” ناجحاً. وهي إشارة مباشرة وجهت لأبوظبي التي تعرقل التوافق حول الإنتاج.

وجاء ذلك في مقابلة خاصة مع قناة “العربية” السعودية، نقلتها عبر موقعها الإلكتروني عقب تمسك إماراتي بزيادة غير مشروطة لإنتاج “أوبك+” في أغسطس/آب، في انتقاد نادر بين الحليفين.

كما نقلت وكالة “بلومبيرغ” الأمريكية عن مصادر في المجموعة قولها إن السبب الرئيس لفشل المجموعة في التوصل إلى اتفاق “تمثل بموقف الإمارات المعارض لمقترح روسي سعودي برفع تدريجي للإنتاج”.

وإلى وقت قريب لم تكن الإمارات تظهر علانية مواقفها حيال الخلافات المستترة مع الرياض، وهي عادة ما تفضّل حل المسائل الشائكة بعيدا عن الأنظار، لكنها حالياً انتقلت إلى المواجهة المباشرة. ودخلت في مواجهة علنية نادرة مع حليفتها التقليدية السعودية، أكبر مصدّر للنفط في العالم وزعيمة مجموعة الدول المصدرة “أوبك”.

حظر سفر السعوديين يشعل فتيل الأزمة

والسبت، أعلنت وزارة الداخلية السعودية منع سفر المواطنين المباشر أو غير المباشر، دون الحصول على إذن مسبق من الجهات المعنية، إلى كل من إثيوبيا والإمارات وفيتنام، بسبب ما اعتبرته استمرار تفشي جائحة كورونا، وهو قرار أخرج أبوظبي عن صمتها.

وأعلنت السلطات السعودية أيضاً إيقاف الرحلات الجوية بين الدول الممنوع السفر منها وإليها، وتطبيق الحجر المؤسسي على جميع القادمين منها مواطنين وغيرهم.

وسريعاً تحركت الرياض، وضاعفت الخطوط الجوية السعودية رحلاتها إلى الإمارات لإعادة المواطنين الموجودين هناك، عقب قرار وزارة الداخلية الأخير بمنع سفر السعوديين إلى الدولة الجارة بسبب مستجدات الوضع الوبائي.

واستفز قرار الرياض تصنيف أبوظبي ودبي في نفس الخانة مع دول تعتبر أن قطاعها الصحي متدن، ولم تستسغ أن توضع في نفس الخانة معها، واعتبرتها إهانة لم تهضمها بسرعة. وهو ما لم يخفه المسؤول الأمني المحسوب على أبوظبي الفريق ضاحي خلفان، الذي غرد مباشرة بعد القرار: “تغريدتي ليست موجهة للسعوديين.. تغريدتي موجهة إلى الإماراتيين المسؤولين في الصحة.. هل نحن بمستوى أفغانستان وبنغلاديش؟؟؟؟ في مواجهة الجائحة؟؟”.

وسريعاً ردت الإمارات بقرارات مشابهة، في محاولة للرد على الموقف السعودي.

دعوات سعودية لمقاطعة منتجات الإمارات

الأزمة رشحت عنها مواقف أخرى، وهذه المرة على المستوى الشعبي، الذي وجدها فرصة للتعبير عن شعور عام لدى فئة واسعة من السعوديين.

وأطلق ناشطون سعوديون حملة لمقاطعة المنتجات المستوردة من الإمارات، تزامناً مع رفض الإمارات خطة يجري التفاوض حولها لتحديد حصص إنتاج النفط العالمي باعتبارها “غير عادلة”.

ودشن الناشطون حملة حملت وسم #جبل علي، داعين سلطات بلادهم إلى مقاطعة تلك البضائع التي يجري استيرادها من الإمارات على اعتبار أن تلك البضائع ذات جودة رديئة وفاسدة ومغشوشة.

وشارك في الوسم الذي كان الأعلى تداولاً في السعودية والدول الخليجية، آلاف المغردين، ودعوا لمقاطعة تلك البضائع، والاستغناء عن المنتجات القادمة من الإمارات.

ترسبات عالقة

وكشفت مصادر عدة أن الأزمة التي تفجرت علناً الأيام الأخيرة، سبقتها مناوشات صامتة، وترسبات عالقة كانت تعكر صفو علاقات البلدين.

وقبل فترة لم يتوقف كثيرون عند خبر مر وقتها مرور الكرام، وتهجم صحيفة العرب اللندنية الممولة بحسب مصادر مختلفة إماراتياً، واعتبارها مشروع “نيوم” مشروع مدن ذكية لشعب غير ذكي، وهي محاولة مباشرة للنيل من الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي. وتكشف مصادر عدة لـ”القدس العربي” أن الصحيفة الصادرة من لندن لم تكن لتفتح النار على السعودية وتتهجم على قيادتها بذلك الشكل لو لم تتلق ضوءاً أخضر من أبوظبي، ومن محمد بن زايد.

كما شارك عدد من المغردين المحسوبين على الشيخ محمد بن زايد ولي عهد أبوظبي حاكم الإمارات الفعلي، على السعودية، ووجهوا سهام انتقاداتهم لقياداتها، وعلى رأسها ولي عهدها.

خط المواجهة

ولم يتأخر الفريق ضاحي خلفان المعروف بدوره في إطلاق بالونات الاختبار، وقياس تأثير بعض التصريحات، في انتقاد حليفة بلاده السابقة، معتبراً أن “هذا زمن المصالح المادية وليس زمن الأخوة والصداقة”. وهي تغريدة فهمت مباشرة أنها موجهة للقيادة السعودية.

ولم تكن المرة الأولى التي يسيء فيها خلفان إلى “الحليف السعودي”، فلطالما غرّد بعبارات تستهدف السعودية بشكل مباشر، كما فعل قبل أشهر، حين قال إنّ من يقاتل إلى جانب الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي إنما يقاتل إلى جانب الغدر والخيانة.

ويرى مراقبون أن التقارب السعودي القطري والمصالحة التي تمت بين البلدين، وتجاوز معظم نقاط الخلاف السابقة، ساهمت بشكل كبير في التمرد الإماراتي على الحليف السابق (السعودية)، حيث ما تزال أبوظبي حتى الآن تتحرك ضد إفشال المصالحة الخليجية.

وينتظر المتابعون للشأن الخليجي المؤشرات المقبلة في حال كانت قيادة أبوظبي ستستدرك الموضوع وتصلح علاقاتها مع الرياض، أم تمضي في مسارها، وتكرس الأزمة مع الحليف السابق.