مصير انتخابات ليبيا لا زال مجهولا

مصير انتخابات ليبيا لا زال مجهولا
الأحد ١٥ أغسطس ٢٠٢١ - ٠٧:١٦ بتوقيت غرينتش

لا تزال الانتخابات في ليبيا، المقرر إجراؤها في 24 ديسمبر/كانون الأول المقبل، تتجه نحو المجهول، بسبب الخلافات بين الأطراف الليبية، والانهيار المتوقع لدور ملتقى الحوار السياسي.

العالم - ليبيا

يأتي ذلك في وقت يبدو فيه الدور الدولي والإقليمي أكثر ظهوراً ونشاطاً لإنقاذ المشهد، وتلافي خطورة نتائج انهيار المسار الانتخابي.

ولم تعلن البعثة الأممية إلى ليبيا، بعد، عن نتائج أعمال الاجتماع الافتراضي لملتقى الحوار السياسي، الذي عقد الأربعاء الماضي، وكان مقرراً ليومين، من أجل "استعراض مقترحات لجنة التوافقات (المنبثقة على الملتقى) حول قاعدة دستورية للانتخابات". وبدا جلياً أن عدم إعلان البعثة عن انتهاء الاجتماع، يعكس بوضوح استمرار الخلافات العميقة بين أعضائه. وأشارت البعثة، في بيان صدر عنها ليل الأربعاء – الخميس، إلى أن هدف الاجتماع هو "التحضير لجلسة مباشرة للتوصل إلى قرار نهائي حول القاعدة الدستورية في القريب العاجل"، من دون تحديد موعد لهذه الجلسة. وكان مقرراً أن تجري عملية تصويت، نهاية الاجتماع الافتراضي، على أحد المقترحات الأربعة المحالة من لجنة التوافقات، والتي تدور المسائل الخلافية فيها حول انتخابات رئيس الدولة وشرط الترشح لمنصبه وصلاحياته.

وفيما كان الملتقى يعاني من الخلافات بين أعضائه وتعدد اللجان التي شُكلت بهدف تجسير الهوة بينهم، بداية من اللجنة القانونية وانتهاء بلجنة التوافقات، من دون أن تسفر مقترحاتها عن أي نتيجة، كان مجلس النواب الليبي والمجلس الأعلى للدولة في حالة خلاف مستمر حول قوانين الانتخابات وشكل الإطار الدستوري، بعدما قرر الأول التفرد بصياغة التشريعات اللازمة للانتخابات، بما فيها الإطار الدستوري.

وسط كل ذلك، كانت البعثة الأممية تعيش حالة ارتباك كبير، عكستها مواقفها الغامضة من الاجتماع الذي التأم في روما، في 27 يوليو/تموز الماضي، بين اللجنة البرلمانية لصياغة قانون الانتخابات ورئيس المفوضية العليا للانتخابات، عماد السايح، من دون أي تمثيل لمجلس الدولة. ولم يتجاوز موقف البعثة حينها، حدّ تذكير مجلس النواب بضرورة إشراك المجلس الأعلى في إعداد قانون الانتخابات. وفي الوقت ذاته، عادت البعثة لتدعو ملتقى الحوار السياسي إلى اجتماع افتراضي، بعد أيام من إعلانها أن لجنة التوافقات "استنفدت جميع إمكانيات التوصل" إلى مقترح واحد للقاعدة الدستورية.

وخلال انعقاد الاجتماع الافتراضي للملتقى، أعلنت السفارة الأميركية في ليبيا عن إجراء سفيرها ريتشارد نورلاند زيارتين متتاليتن "كجزء من الجهود الأميركية لدعم الانتخابات البرلمانية والرئاسية الليبية المقررة في ديسمبر/كانون الأول"، أولاهما إلى القاهرة يومي الثلاثاء والأربعاء الماضيين (10 و11 أغسطس/آب الحالي)، حيث التقى مسؤولين مصريين واللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر، والثانية إلى أنقرة يومي الخميس والجمعة الماضيين، للقاء مسؤولين أتراك. وأشارت السفارة، في تغريدات على "تويتر"، إلى أن زيارتي السفير ركزتا "على الضرورة الملحّة لوضع الأساس الدستوري والإطار القانوني اللازمين للانتخابات"، ما عكس زيادة الانخراط الأميركي في اتجاه دعم العملية الانتخابية.

وتعليقاً على ذلك، رأى أستاذ العلاقات الدولية والأكاديمي الليبي حسين العائب، أن اتجاه واشنطن للبحث عن حلول للأزمة الحالية التي يمر بها المسار الانتخابي في ليبيا، يشير إلى تغير في مسار تعاملها مع الوضع الحالي، معتبراً في حديث لـ"العربي الجديد"، أن واشنطن "بعدما كانت تعوّل على دور أوروبي، من خلال إيطاليا تحديداً، يبدو أنها بدأت تقترب أكثر من الأطراف المؤثرة والفاعلة بشكل مباشر في الملف الليبي، وتحديداً القاهرة وأنقرة". ولفت العائب إلى أن لقاء نورلاند بحفتر في القاهرة، يؤكد محورية الدور المصري وقدرته على لجم حفتر عن ممارسة العديد من العراقيل، خصوصاً بعد إعلان الأخير رفضه الخضوع لأي سلطة في البلاد واتجاهه إلى الإعلان عن خطوات وقرارات عسكرية بمعزل عن المجلس الرئاسي الذي يمثل السلطة التنفيذية في ليبيا، التي توافق عليها ملتقى الحوار ومنحها المجتمع الدولي اعترافاً.

واعتبر الأكاديمي الليبي أن حفتر "لا يزال عامل القلق المستمر أمام أي تسوية"، لكنه رأى أن زيارة نورلاند أنقرة ولقاءه مسؤوليها، يؤكدان أهمية تسوية الخلافات المصرية - التركية في الملف الليبي، أو تحييد آثارها عن العملية الانتخابية التي تصّر واشنطن على إنجازها في موعدها المحدد. وأضاف العائب أن "واقع المختلفين بدأ يرتهن للخارج ويعول عليه، وخصوصاً الدور الأميركي"، مرجحاً أن "تنجح الدبلوماسية الأميركية النشطة في هذا الاتجاه وتدفع بالتوافق حول أكثر السيناريوهات واقعية، وهو إرجاء الانتخابات البرلمانية والرئاسية من دون قيد أو شرط لإنقاذ العملية الانتخابية من جانب، ولرغبتها في احتواء حفتر من خلال الزج به في غمار الانتخابات والسياسة كأهم السبل لفك ارتباطه بالجانب العسكري الذي لا يزال يشكل فيه عقبة كبيرة، تمنع تنفيذ اتفاق وقف النار وتوحيد المؤسسة العسكرية".

في الأثناء، لفت عضو مجلس النواب وملتقى الحوار السياسي، زياد دغيم، إلى جانب آخر يتعلق بتصورات وآراء بدأت تظهر في الآونة الأخيرة لتكشف عن عمق الأزمة، مشيراً إلى أنه قدّم للسفير الأميركي "خطة بديلة في حال عدم إجراء انتخابات رئاسة" في ديسمبر المقبل. وقال دغيم، عبر "فيسبوك"، إنه التقى نورلاند في القاهرة، الأربعاء الماضي، موضحاً أن النقاش تمحور حول الصعوبات التي تواجه العملية الانتخابية، وأن خطته البديلة عن عدم إجراء انتخابات رئاسية "تعتمد على تسوية جديدة حقيقية وخريطة طريق مكمّلة وحكومة ائتلافية ضمن آجال المرحلة التمهيدية المحددة بخريطة الطريق نصّاً".

وليس حديث دغيم، الوحيد عن إمكانية إعادة فتح خريطة الطريق، المنبثقة عن ملتقى الحوار في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، أو تجاوزها بالكامل، فقد أشارت العديد من الأطراف الليبية إلى ذلك في تصريحات رافقت الاجتماع الافتراضي الأخير للملتقى، فيما أكدت أخرى رفضها لذلك، ما يعكس أن الخلافات داخل الملتقى ازدادت حدّتها، وما يفسر عدم إعلان البعثة عن نتائج الاجتماع.

وأكد النائب الليبي، وعضو ملتقى الحوار، ‏خالد ‏الأسطى، حاجة البلاد إلى تسوية سياسية بعيداً عن خريطة الطريق لإجراء الانتخابات في موعدها المحدد، مشيراً إلى أن من بين المقترحات الأربعة التي قدمتها لجنة التوافقات "مقترحات تخالف خريطة الطريق التي لم يطبق منها شيء". وقال الأسطى، في تصريحات تلفزيونية الخميس الماضي، إن "المشكلة ليست في القانون أو القاعدة التي ‏تصل بنا إلى الانتخابات، بل المشكلة سياسية بحتة"، معتبراً أنه "ينبغي علينا جميعاً أن نعي أن حالة الزخم الدولي التي ‏كانت عليها المنطقة قبل 6 أشهر اختلفت عن ذي قبل، لأن ‏الأطراف الدولية التي كانت مُلتزمة بخريطة الطريق تراجعت ‏خطوات عديدة عن التزاماتها، وتدور في إجراءات بعيدة عن خريطة ‏الطريق، ما يدعونا إلى إعادة ترتيب الأوراق والعودة إلى ‏الخلف قليلاً".

لكن عضو الملتقى، الزهراء لنقي، رأت أن تعديل خريطة الطريق "بداية ‎الانهيار والتشظي وليس فقط الانقسام"، محذرة عبر "فيسبوك"، من أنه "إذا فُتحت خريطة الطريق للتلاعب، بدعوى التفسير من قبل وكلاء قوى الأمر الواقع، فذلك يعني انتهاء شرعية حكومة الوحدة الوطنية السياسية التي استندت على خريطة الطريق، ومن ثم فإن تقويض خريطة الطريق اليوم يعني تقويض كل ما ترتب على هذا المسار". وختمت بقولها: "فليستعد الليبيون لما هو قادم".

العربي الجديد