لماذا بدا "الإسرائيليون" يتحسسون رؤوسهم بعد إنسحاب أمريكا من أفغانستان؟

لماذا بدا
السبت ٢١ أغسطس ٢٠٢١ - ٠٣:٢٣ بتوقيت غرينتش

لاشك ان "القلق" هو العامل المشترك لدى كل الدول التي تتأثر بشكل او بآخر بما يجري في افغانستان هذه الايام، لاسيما الانسحاب الفضائحي لامريكا من هذا البلد، ومصدر هذا القلق يختلف من بلد الى بلد، إلا ان اغلب هذا القلق يدور حول احتمال ان تتحول افغانستان مرة اخرى الى مكان آمن للجماعات الارهابية والتكفيرية، التي تتحكم بها استخبارات دول كبرى، لتهديد أمن واستقرار المنطقة ودولها.

العالم قضية اليوم

هناك "قلق" إستثنائي يختلف عن كل هذا "القلق" الاقليمي والدولي ازاء ما يجري في اافغانستان، وهو "قلق" الكيان الاسرائيلي، فمرد هذا "القلق" ليس بسبب الجماعات التكفيرية الوهابية، فهذه الجماعات لم تشكل اي خطر على هذا الكيان مطلقا، بل على العكس تماما، كل ما قامت به هذه الجماعات التكفيرية الوهابية، بغض النظر عن عناوينها ومسمياتها، صب في صالح "اسرائيل" ، بعد ان زرعت الدمار والخراب في الدول العربية واضعفت جيوشها وقسمتها وشرذمت شعوبها. بل هذا "القلق" "الاسرائيلي" سببه خوف هذا الكيان من تكرار السيناريو الافغاني في فلسطين المحتلة، بعد ان شاهد العالم اجمع كيف انهزمت "اعظم قوة في العالم" في افغانستان، وآثرت الهرب، تاركة وراءها اسلحة متطورة وجيوشا من المرتزقة والعملاء، يدوس بعضهم على بعض طلبا للهروب من افغانستان.

هذا "القلق الاسرائيلي" ليس منية نتمناها، بل هو حقيقة يعيشها اليوم النخب الساسية في الكيان الاسرائيلي، فهذا السفير "الإسرائيلي" السابق في مصر، إسحاق ليفانون، كتب في مقال نشره في صحيفة "معاريف" "الاسرائيلية" يقول ان": ما سيبقى أثره في الذاكرة الجماعية الأمريكية، الفشل في أفغانستان، حيث أشعل هذا الفشل أضواء حمراء لدى الكثيرين، بما في ذلك لدى إسرائيل، وبالتالي لا مفر من استخلاص الدروس، وهي كثيرة، فقد بدأت الدول منذ الآن تتعلم وتُقيّم حالتها تجاه أمريكا المُتغيّرة".

ويأخذ ليفانون على امريكا عدم انسحابها بشكل تدريجي من افغانستان ، وينتقل وبشكل لافت الى "المشهد الاسرائيلي"، ويقول: "من هنا، المبدأ الهام الذي تطبقه إسرائيل منذ قيامها ألا وهو، الاعتماد على قوة عظمى هو أمر جيّد، ولكن الاعتماد على ذاتك هو جيد أكثر بكثير.. اسرائيل لم تطلب من أمريكا أن تقاتل بدلا منها، وأن يسقط جنود أمريكيون في حروبها، ولكن يوجد درس آخر، وهو الحرب ضد الإرهاب، يوجد فرق بين تواجد قوة عظمى في دولة أخرى كي تساعد على الحكم أْو تساعدها في إعادة البناء، وبين مكوث ينطوي على مكافحة للإرهاب ومنع تصديره لمناطق أخرى بل والقضاء عليه".

هذه القفزة الطويلة التي قفزها ليفانون من افغانستان الى "اسرائيل" وبدون مقدمات ، تؤكد ان "قلق" "اسرائيل" اذا ما جرى في افغانستان، هو "قلق" قاتل، وان "الاسرائيليين" لا ينظرون الى كيانهم، كما تنظر شعوب العالم الى بلدانها، فهم يعلمون ان وجودهم مرهون بالدعم الغربي لاسيما الدعم لامريكي، وفي حال فقددوا هذا االدعم فانهم سيكونوا في خبر كان.

على نفس الوتر عزف ايضا الكاتب "الاسرائيلي" ناحوم برنياع، في صحيفة "يديوت احرونوت"، حيث كتب يقول:" للانطواء الأمريكي تداعيات على إسرائيل وحكومتها.. إسرائيل هي الدولة الوحيدة بين البحر المتوسط والخليج الفارسي التي يمكن لأمريكا أن تعتمد عليها. إسرائيل لن تخون. إسرائيل لن تنهار. إدارة بايدن تتعاطى في هذه اللحظة بشك مع الحلفاء القدامى مثل السعودية وقطر ومصر.. لديها انتقاد أيضاً على إسرائيل، ولكن ليس لديها في المنطقة شريك قوي ومخلص مثلها".

هذا التذكير اللافت للنخب "الاسرائيلية" للادارة الامريكية، بان كيانهم لن يخون ولن يخذل امريكا، وان هذا الكيان هو الشريك الوحيد والمخلص لامريكا في المنطقة، هو بحد ذاته يعكس حجم "القلق" من احتمال ان تتخلى امريكا من "اسرائيل"، بعد ان تخلت عن افغانستان، فامريكا دفعت مئات المليارات وقدمت طائرات واسلحة للحكومة الافغانية، وفي النهاية تخلت عنها وهربت، عندما واجهت مقاومة حقيقية من الجانب الاخر.

بعض المراقبين، ربطوا "القلق الاسرائيلي" بموضوع اخر لا يقل اهمية من الانسحاب الامريكي من افغانستان، الا وهو معركة "سيف القدس"، حيث يرى هؤلاء المراقبون، ان المعركة كشفت عن أزمة عميقة في الغرب تجاه "إسرائيل"، فهذا الغرب ورغم انه دعم "حق اسرائيل" في الدفاع عن النفس!!، الا انه ظهر في حيرة من أمره بالنسبة للمشروع الصهيوني، ودليل ذلك أنه لم يطرح اي حلول لإخراج "إسرائيل" من ورطتها في الحرب على غزة. واشار هؤلاء المراقبون الى ان امريكا سحبت اكثر من مئة عسكري امريكي من القاعدة الجوية الأمريكية في صحراء النقب أثناء الحرب، علما ان القاعدة تقوم بمهام حساسة خاصة بالتجسس والإنذار المبكر، الامر الذي قد يؤكد ان الغرب بات يستشعر حجم الكلفة الاقتصادية والسياسية والاخلاقية، التي تشكلها "اسرائيل" عليه، وفقا لهؤلاء المراقبين.

بات واضحا لـ"اسرائيل" ان امريكا ستفكر الف مرة قبل ان تحارب خارج ارضها، بعد هزيمتها المذلة في افغانستان، فلم يعد هناك من يهابها في العالم ، وجُل ما ستفعله امريكا هو الاعتماد على سياسات الحظر الاقتصادي وعلى القوة الناعمة، في حروبها المقبلة، مع الصين وروسيا وايران و..، لذلك لـ"الاسرئيليين" الحق في ان يتحسسوا رؤوسهم.

سعيد محمد – العالم